شن الدكتور سيد البحراوي هجوما عنيفا علي النخبة المثقفة، وقال في ورقته البحثية التي حملت عنوان "بداية الثورة والتبعية الذهنية"، التي قدمها في مؤتمر "الأدب المقارن والحوار في ضوء ثورة 25 يناير"، بالمجلس الأعلي للثقافة: يمكن أن يطلق مصطلح "التبعية الذهنية" لتوصيف النخبة المصرية الممثلة للطبقات الوسطي والعليا من البرجوازية المصرية، وهي التبعية التي تشل حركة الإنسان وتفقده قدرته علي الإبداع والتفكير النقدي والندية. رغم أن هذه النخبة المصرية أصيبت بخلل بنيوي في بنائها منذ عهد محمد علي، لأنه قام بفرضها علي المجتمع المصري من أعلي، دون أن تكون تطورا طبيعيا في حياة المجتمع، ومع انهيار حكم محمد علي لجأت هذه الفئات إلي المرحلة الماضوية إلي أن بدأت الثورة في 25 يناير، كحالة اجتماعية متميزة فهي أشمل ثورة مصرية في العصر الحديث". وأردف البحرواي: رغم أن القوي التي شاركت في هذه الثورة ذات أيديولوجيات مختلفة ومتعارضة، فقد نسيت هذه الاختلافات في 18 يوما، وكان ذلك كفيلا بالقضاء علي التبعية الذهنية، لكن للأسف أسلمت هذه القوي الثورة للجيش ولحكومة تدعي أنها من الثورة وهذا غير صحيح. وأعرب عن إيمانه بأن ما يحاك علي المستوي العملي خطير جدا، ويتمثل في الإبقاء علي النظام القديم مع عمل رتوش تبدو ديمقراطية، فهاهم السلفيون يعودون للتبعية للنموذج السعودي، والأمل يكمن في الطبقات غير التابعة ذهنيا، التي يجب أن تصحو وتأخذ بيدها مقاليد الأمور. واختلف الدكتور محمود الربيعي مع ما قاله البحراوي مؤكدا أن النخبة منفصلة عن الجسد، ومن غير الواقعي أن نلقي العبء علي الجماهير الفقيرة والجاهلة والمحرومة والنخبة تجلس في التكييف"، وعلّق الدكتور عصام حمزة قائلا: ما حدث في عصر محمد علي لم يكن نهضة فالنخبة هي التي نهضت ولكن باقي الشعب المصري لم يفعل ذلك". من ناحية أخري، تناولت الدكتورة سيزا قاسم دور الشباب في الثورة وتقصير الكبار في الدفاع عن مصر، وقالت: مصر مستهدفة بمنتهي الشراسة من الشرق في شكل السلفيين والغرب في شكل إسرائيل، وجيلنا خذل مصر كما كان جيل خائب لم يستطع المواجهة. بينما قال الدكتور حامد أبوأحمد: جيلنا لم تأته الفرصة لكي ينتج عملا حقيقيا يؤدي لتغير حقيقي، هو جيل الانتقاد لكن جيل الشباب هو جيل الفعل وقد انضم له فئات كثيرة من الشعب المصري". وردت الدكتورة نادية جمال الدين، أستاذ اللغة الإسبانية بجامعة القاهرة، علي مداخلة أحمد المهدي أحد شباب الثورة، التي انتقد فيها المتحدثين لاستخدامهم مصطلحات يصعب فهمها، وطالبهم فيها بالنزول إلي الشارع، قائلة: بصوت عال: جيلنا لم يكن مسموحا له الالتقاء ولو حدث يتم اعتقال المجتمعين، أما جيل الشباب فقد وجد الوسيلة التي يلتقي فيها ويتحرك من خلالها، ولولا تربية الكبار ما استطاع الصغار عمل شيء، وهنا اضطر الشاب لإخبارها بأن من يردد طوال الوقت الحديث عن دور الشباب في الثورة وتقصير الكبار هم الكبار أنفسهم. هذا ولم تستطع كلمة الدكتور حامد أبو أحمد عن "صورة مصر في العالم الخارجي بعد 25 يناير" أن تفي بعنوان الورقة، بحيث اكتفي أبو أحمد بالقول إن صورة الشعب العربي كانت سيئة لدي الغرب بسبب الأنظمة الديكتاتورية العميلة، وقد زادت تلك الصورة سوءا بعد أحداث 11 سبتمبر إلا بعض الاستثناءات من المستعربين المنصفين أو الكتاب كخوان غويتسولو، وبعد ثورة 25 يناير فإننا نجد مع إطلاعنا علي ما ينشر في الصحف والمجلات الغربية وغيرها تحولا كبيرا في موقف الغرب من الشعب المصري، واقترح أبو أحمد أن تخصص جمعية الأدب المقارن مؤتمرها القادم حول هذا الموضوع. وفي مداخلته التي جاءت تحت عنوان "إلي أين نحن ذاهبون؟ الثقافة والمثقف: رؤية نقدية" قال المترجم شوقي جلال: بمتابعتنا للقضايا الجزئية كما يحدث الآن في كنيسة أطفيح أو إسلام جورج وتنصر محمد، يعني أننا نفرط في الاعتماد علي المرجعيات"، وتابع: المجتمعات العربية تلقي باللوم دائما في مشاكلها علي الخارج فنبرئ أنفسنا من الخطأ الذي نرتكبه وهذه أكبر جريمة، ونحن بحاجة لدراسة الانسان المصري كظاهرة في التاريخ فهي منذ الغزو الفارسي عام 225 قبل الميلاد، تحولت لمجمع سكني قائم علي المصلحة الأنانية، وأصبح المصري يتصرف من أجل البقاء وليس الوجود، بل إنه تعلم الفهلوة لكي يضمن بقاءه، كما نشأت ثقافتان في مصر، ثقافة العامة (تمسكن حتي تمكن) وثقافة السلطة(القسوة في التعامل والقهر)، وللأسف جمهرة المثقفين التقليديين الذين يختلفون عن المثقفين المستنيرين، فقد تعاونوا وتوحدوا مع السلطة وخدموها بإخلاص شديد، رغبة منهم في البقاء والغريب أنهم بعد الثورة ظهروا وتحدثوا كأنهم هم من قاموا بها. ونبه جلال إلي أهمية تحديث المجتمع علما وتعليما وصحة وصناعة وغيرها، وإلي إعادة بناء الانسان المصري لكي يصبح عنصرا فاعلا ليس علي المستوي المحلي. وقدم الدكتور حسين حمودة ورقة بعنوان "ميادين الغضب: مشاهد من روايات مصرية" تناول فيها خمسة كتّاب قاموا في أعمالهم بتناول تجربة المظاهرة والغضب في الميدان وهم: نجيب محفوظ في "الثلاثية" خاصة "بين القصرين"، وعبد الفتاح رزق وإدوار الخراط في "رامة والتنين"، وبهاء طاهر في "شرق النخيل" وإبراهيم أصلان في "مالك الحزين".