تنافست القنوات الفضائية الخاصة فى تقديم البرامج الطبية لمشاهديها، والتى عادة ما تحظى بقبول جماهيرى واسع، خاصة إذا كان موضوع الحلقة يتعلق بأمراض العٌقم و الذكورة، أو الأمراض المُستعصية مثل السمنة والسرطان وغيرهما، وذلك استغلالا لحاجة هؤلاء المرضى فى العثور على طبيب يُعطيهم بصيصاً من الأمل لانتشالهم من البؤس الذى يعيشون فيه، فهذه هى الشريحة المُستهدفة من وراء انتشار هذا الكم الضخم من برامج الصحة والجمال، ولكن عندما يتحول الأمر إلى «بيزنس» يديره مجموعة من الأطباء بالتعاون مع مذيعى الفضائيات التى تعمل ب«الأجُرة»، هنا ينبغى التوقف ووضع علامة استفهام كبيرة أمام هوية هؤلاء الأطباء ومدى جدارتهم التى تؤهلهم للظهور أمام الملايين. قناة المحور مثال حيّ لهذه الظاهرة، فالقناة تقريبا قائمة على مثل هذا النوع من البرامج، فهناك برنامج كامل يُدعى «الطبيب» مُخصص لذلك الغرض، حيث يقوم بعرض أرقام وعناوين الأطباء الضيوف ويروج لهم من خلال عرض فيديوهات عنهم داخل غرفة العمليات تظهر مدى براعتهم فى اجراء العمليات التجميلية واستئصال الدهون فيما يتعلق بمجال السمنة، ويظهر لك الفارق قبل وبعد العملية، بما لا يدع مجالا للشك حول قدرة و مهارة هذا الطبيب فى تغيير حياتك للأفضل، الأمر الذى يترتب عليه تزاحم المرضى على عيادته بالطوابير فى اليوم التالى لتبدأ حلقة من «التجارة» بالمريض الذى على استعداد أن يدفع آلاف الجنيهات كى يصبح مثل النموذج الذى عُرض فى البرنامج، و غيره كذلك فقرات طبية تتخلل برنامج «ساعة مع شريف» و«صوت الناس» التى تسعى لسد العجز المالى الذى يعتريها نتيجة عزوف المُعلنين عنها. قناة النهار، رغم كونها من أكبر القنوات الفضائية، وأكثرها شهرة على الاطلاق؛ لما تتمتع به من امكانيات وتمويل ضخم يُضخ إليها من جانب مجموعة من المستثمرين على رأسهم علاء الكحكي؛ إلا أنها انحدرت هى الأخرى بمستواها وحوُلت برامجها الطبية إلى «مزاد» يتنافس عليه الأطباء، على أن يفوز به من يدفع أكثر، وذلك من خلال برنامج «ازى الصحة» الذى انتهج سياسة «نفع واستنفع»، بما يضع القناة فى خانة فضائيات «الأجرة» التى تبيع ساعات الهواء التى تمتلكها لمجموعة من التجار، وهو ما سيُفقدها الرصيد المتبقى لها عند جمهورها. هناك أيضا قناة «القاهرة والناس»، الذى تجتهد فى خسارة مشاهديها، فلم تكتفِ بالصورة السيئة التى تصدرها عن المجتمع المصرى من خلال برامجها المُحرضة، بل تعبث بصحة المصريين وتقدم النصائح الطبية من خلال برنامج «الدكتور» الذى هو عبارة عن «جمعية» يديرها مقدم البرنامج الذى يعمل فى الأساس طبيبا ويقوم باستضافة زملائه بالتناوب مرتديا «بالطو» أبيض، بما يُشعرك أنك أمام اعلان تليفزيونى عن مستحضرات تجميلية، فالطبيب أصبح سلعة ينبغى تسويقها، لكن على حساب صحة الشعب، الذى لا يفرق بين المحتوى الإعلامى والإعلانى، ويطمع فى الشفاء على يد هذا الطبيب الذى يظهره مقدم البرنامج على أنه المُخلص. هذه نقطة من بحر القنوات التى تعرض ذلك «الخداع» الاعلامى فى ظل غياب تام لجهاز حماية المستهلك ووزارة الصحة التى تسمح لأشباه الأطباء فى الظهور، والكارثة الكُبرى أن بعضهم ليسوا بأطباء ويقدمون أنفسهم على أنهم استشاريون وخبراء و ما إلى غير ذلك من ألقاب عديدة يتساهلون فى حملها، دون مساءلة أو حساب، هذا بخلاف المسئولية الأخلاقية التى تقع على عاتق هؤلاء والتى إن غفرها لهم المشاهد لن يغفرها لهم الله، لأن أحقر تجارة هى التجارة بصحة البشر وتعليقهم وأسرهم بآمال ذائبة مقابل سحب ألوف الجنيهات، كل ذلك بسبب برنامج تهاون فى حق مشاهديه و قدم لهم السم فى العسل. من جانبه علق الخبير الإعلامى الدكتور «صفوت العالم» على هذه الظاهرة فى تصريحات خاصة ل«روزاليوسف» معتبرا إياها خلطا معيبا بين المحتوى الإعلامى والمحتوى الإعلانى، فهو يعتبر هذه الوسيلة الرخيصة محاولة للتأثير على المريض للذهاب إلى هذا الطبيب بعينه، وذلك من خلال الربط بين النصيحة المقدمة فى البرنامج وبين الطبيب الضيف الذى يظهر فى شكل مبالغ فيه من حيث المهارة والقدرة العلاجية، مؤكدا أن مهمة البرنامج الطبى هى التعريف بالمرض و تقديم سبل الوقاية منه والنصائح الواجب العمل بها فى مرحلة معينة من المرض وليس توجيه المريض للذهاب إلى طبيب معين. وأوضح أنه يتم تقديم هؤلاء الضيوف بما ليس فيهم، حيث يمكن تقديم خريج كلية الطب على أنه استشارى وأخصائى وأستاذ وما غير ذلك من ألقاب واهمة، متسائلاً: «أين دور نقابة الأطباء من ذلك؟»، فهى التى يقع تحت يدها سلطة منح رخصة مزاولة مهنة الطب وهى أيضا التى تستطيع سحبها من كل مزوّر يدعى انتماءه للمهنة بغير حق، كذلك تساءل عن دور جهاز حماية المستهلك من اعلانات مستحضرات التجميل والأجهزة الطبية التى تُبث ليل نهار على الفضائيات و هى مجهولة المصدر وتتدعى حصولها على ترخيص وزارة الصحة، مختتما بقوله: «حتى الآن لم تعاقب وسيلة اعلامية نتيجة خطأ فى تناول إعلان طبى وذلك فى سبيل جلب الأموال». علق حسام عبد الغفار المتحدث الرسمى باسم وزارة الصحة على ان تقمص عدد كبير من الاطباء شخصية الاعلامى هو استغلال ل«خيبة المشاهد» الذى يصدق أى شىء يقال، فالطريف الذى يمكن رصده هو ان عددا من الاطباء الضيوف تحولوا إلى مقدمى برامج توك شو، لان بعضهم يرون ان هذا الامر بالنسبة لهم يمثل «المورد المالى» ليس اكثر، بجانب الشو الاعلامى الذى يريده حتى يكون معروفا اكثر من خلال الشاشة الطبية التى يتخفى خلفها، مؤكدًا أنه قد صدر من قبل قرار وزارى بمنع اى طبيب من الظهور على القنوات الفضائية أو التليفزيون المصرى، خاصة بعد تكرار الحوادث التى نتجت عن ظهورهم بالقنوات التليفزيونية، مضيفا إن القرار قد صدر بمنعه فى حالة عدم وجود اى تصريح من وزارة الصحة لأن بعضهم يستغلون الفرصة ويظهرون فقط لمعرفة المشاهدين بهم وبعياداتهم الطبية التى ينشرونها على شاشات التليفزيون، مشيرًا إلى ان بعضهم لم تتم الرقابة على المادة العلمية التى يتحدث فيها والتأكد حتى من انها فى تخصصه، فبعضهم لا يحظون بالمهنية العالية ليظهر العديد منهم من يدعى الطب. ويقول مدحت قنديل مدير الطب الوقائى بمديرية الصحة: إن هناك العديد من هؤلاء من يدعون مهنة الطبيب ويستغلون طيبة المشاهد الذى يقوم بتجربة ما يعرضه بعضهم، ما يهدد صحة المصريين خاصة أن بعض القنوات الفضائية الذين ينتشرون بها تحظى بنسبة مشاهدة عالية من قبل المشاهدين، مضيفا: أن البرامج الطبية اصبحت وسيلة لتسويق المعلومات الطبية وعياداتهم الخاصة بهم، مؤكدًا انه يجب على الاعلامى أو رئيس القناة التى يظهر بها الطبيب ان يقوم بتجربة الطبيب ومساءلته فى مهنته بشكل عام قبل ان يظهر على شاشات التليفزيون، حيث ان هناك بعضهم يقوم بدفع مبالغ مالية كبيرة لمجرد ظهور رقمه وعنوان عيادته الطبية، وبذلك يندرج تحت مسمى «الترويج الطبى» بعيدا عن الاستفادة من المادة العلمية التى يقدمها، حيث يظهر بعضهم على الشاشة وخلفه لافتة يوضع عليها العنوان والرقم واسم العيادة، بجانب تقديمه بألقاب علمية كحصوله على زمالات، أو شهادات من جامعات عالمية، كذلك الترويج لادوية وعلاجات مختلفة يدعى انه توصل اليها.