من اكثر القضايا الساخنة والمسكوت عنها موقع المرأة المسيحية فى الميراث، وفى الوقت الذى يؤكد الانجيل على المساواة التامة بين الرجل والمرأة نجد الكنائس فى حالة صمت تام عن المساواة بينهما فى قضايا الميراث، الأمر الذى دفع الكثير من الأقباط إلى السخرية، قائلين: «لأن قادة الكنيسة من الذكور فهنا لانسمع لهم صوتاً ولا مطالبة فى قانون الأحوال الشخصية، لكونهم مستفيدين من الوضع الراهن. فى البداية يقول المفكر مدحت بشاي، من مؤسسى التيار العلمانى الإصلاحي، عندما سألوا قداسة البابا شنودة الثالث عن نظام الميراث فى المسيحية، قال: الكنيسة لم تضع للميراث نظامًا محددًا، فضلا عن أنه حينما جاء أحدهم إلى السيد المسيح يقول له: «يا معلم، قل لأخى أن يقاسمنى الميراث، فأجابه: مَنْ أقامنى عليكما قاضيًا أو مقسمًا ؟، انظروا.. تحفظوا من الطمع «يو12: 13:15». وأوضح بشاى أن المسيحية لم تضع قوانين مالية، إنما وضعت مبادئ روحية، فى ظلها يمكن حل المشاكل المالية وغيرها، وينطبق هذا على موضوع الميراث أيضا، فإذا وجدت بين الإخوة محبة وعدم طمع، يمكن أن يتفاهموا بروح طيبة فى موضوع الميراث. وتابع بشاي: بل كل واحد منهم يكون مستعدًا أن يترك نصيبه كله لمن يرى أنه محتاج أكثر من أخوته أو أخواته، متمنيا أن تحدث تلك الطريقة التى تعبر عن أسمى معانى المحبة والإخاء، فهكذا كانت الأمور تجرى فى الكنيسة أيام الرسل بنفس هذه الروح: لم يكن أحد يقول إن شيئًا من أمواله له، بل كان عندهم كل شيء مشتركًا، ولم يكن فيهم أحد محتاجًا، وكان يتم توزيع الميراث عليهم بحسب احتياج كل منهم «أع4: 32:35». ولفت: هكذا عاشت الكنيسة مرتفعة عن مستوى القانون تدبر أمور أولادها فى محبة وقناعة، بينما حاليًا نسير حسب قانون الدولة فى الميراث، لافتا إلى أن الحرية فى التصرف قبل وفاة أحد الوالدين، أى أنه يوجد نوع من التصرف باسم القانون، لتعديل أنصبة الورثة قبل وفاة أحد الوالدين، منوها إلى أن الأمور يمكن أن تحل بالمحبة والقناعة، أو بالحكمة، أو التصرف القانونى السليم لإقامة العدل بين الورثة، وليس بتنفيذ حرفية القانون. وتساءل بشاي: أليس من حق المواطن المسيحي، ووفق ما جاء فى الدستور أن يمارس حياته وفقا لماجاء فى شريعته؟، متعجبا: «لا أفهم أى سبب لتنازل من يمثلوننا غصب عنا عن حق التبنى والتصرف فى توزيع الميراث وفق تعاليم الكتاب المقدس، مستنكرا من الأشخاص الذى «صدعوا» الأقباط بالكلام عن حرية العبادة والعيش فى دولة مدنية لماذا يوجد تلون فى كلامكم نفاقا للسلطة؟. إشكاليتان القس فادى فوزي، يقول: لا يوجد فى المسيحية فكرة تشريع بالمعنى القانونى أو حتى مقابل لمفهوم الشريعة فى الفكر الاسلامي، حيث كان هناك نظام تشريعى مرتبط باليهودية وردت نصوصه فى العهد القديم، لكن بحسب الفكر المسيحى فى العهد الجديد فى الكتاب المقدس تغير مفهوم التشريع، لهذا فلا يوجد نص محدد أو تشريع يخص قضية الميراث عامة أو حق المرأة فى الميراث خاصة. وأضاف: يؤمن الفكر المسيحى فى تناوله للقضايا الأخلاقية بتطبيق المباديء الكتابية العامة والتى وردت فى الكتاب المقدس على هذه القضايا، لهذا وعلى الرغم من عدم وجود نص صريح يشرع قضية الميراث إلا أن المبدأ العام هو المساواة الكاملة بين المرأة والرجل فى الواجبات والمسئوليات، الأمر الذى يعكس بدوره تساوى نصيب المرأة مع نصيب الرجل. ويؤكد فادى أن هناك اشكاليتان فى تناول هذه القضية فى مصر، الأولى منها ترتبط بالتشريع الاسلامي، حيث حددت الشريعة أن نصيب الذكر مثل حظ الانثيين، فضلا عن أنأن ننننىتامتنم الإشكالية الثانيه مرتبطه بالموروث الثقافى والذى يهمش المرأة فى المجتمع، لهذا نجد أنه بعيد عن القانون. وأضاف: لا نجد سوى القليل من الأسر المسيحية التى توافق على فكرة تساوى الرجل والمرأة فى الميراث، ما يعنى أن الموروث الثقافى الاجتماعى يلعب دورا أكبر من مجرد الشريعة أو الفكر الدينى والدليل على هذا أنه بعيدا عن قضية الميراث مازالت المرأة تعانى من التهميش وعدم المساواة مع الرجل، قائلا: هى ثقافة ذكورية سائدة فى المجتمع تتخذ من النصوص أو الأفكار الدينية ستارا لها. تاريخ المرأة القبطية الدكتور ماجد عزت، الباحث فى التاريخ، يقول فى الواقع إن الحرية التى نعمت بها المرأة القبطية عبر التاريخ، لم تقتصر على علاقتها بالرجل، وإنما امتدت لتشمل جوانب متعددة فى حياة المرأة، ما يدل على أنها لم تكن حبيسة المنزل، ولكنها خرجت للحياة العامة، فإلى جانب رعاية زوجها وأبنائها حتى بعد وفاة زوجها كانت هى الوصية على أبنائها، لدرجة جعلتها ترفض الزواج للحفاظ على تماسك الأسرة. وأشار ماجد إلى أن المرأة ساهمت بدور بارز فى النشاط الاقتصادي، وخاصة بعض وفاة زوجها، فبعضهن خرجن للعمل فى مهن وحرف متعددة من أجل توفير دخل لمواجهة نفقات عائلاتهن، وآخريات منهن امتهن مهنة أزواجهن أو تجارته أو زراعته حتى لا يشعر الأبناء يفقدان الأب. وتابع: ولم تكتف بذلك بل قامت بأعمال الخير وأوقفت كثير من النساء القبطيات العقارات والأراضى لصالح الكنيسة من أجل نيل الثواب من الرب، منوها: هناك سيدة عظيمة يذكرها كتاب تاريخ الكنيسة تدعى «ترفة» التى ضربت أروح الأمثلة فى الكتاب الكنسي، إلى جانب أن المرأة القبطية احتلت مكانة كبيرة، فقد شاركت فى أعمال التطريز وغزل الصوف. وأشار: كما ساهمت المرأة القبطية منذ غزو العرب لمصر فى الحفاظ على اللغة القبطية من الاندثار، خاصة المرأة التى لم تخرج للعمل بخارج منزلها فى صعيد مصر، فالمرأة حافظت على اللهجة القبطية المعروف ب «اللهجة الصعيدية»، وأيضًا أنخفاض معدلات الجريمة بتربيتها أولادها. ويؤكد ماجد أن مشكلة الأحوال الشخصية ليست وليدة اليوم، بل إنها مشكلة منذ أيام الدولة العثمانية، وظلت حتى قام الرئيس جمال عبد الناصر «1954-1970» بإلغاء المحاكم الملية وأصبحت المحاكم موحدة لجميع الطوائف، إلا فى بعض النواحى الخاصة بالطائفة أو المذهب الدينى. وقال: دعنا نتكلم بشكل علمى الكنيسة تأثرت بالثقافة الإسلامية فى بعض النواحى الاجتماعية بسبب سيطرة الدولة على الإعلام، وفى الآونة الأخيرة المسلسلات الدرامية وصلت لدرجة أن بعض الشباب لا يميزون ما بين الموروث الثقافى والإسلامى والمسيحى، منوها إلى أن هناك أشياء لها طقوس ونصوص دينية يجب أن تتبع من هنا تظهر مشكلات متعدة منها الطلاق والميراث. وألزم ماجد الكنيسة باتخاذ خطوات إيجابية نحو موقفها من قضايا المرأة والطلاق، لافتا إلى أن هناك نصوصاً تقضى بأنه لا يجوز الطلاق إلا لعلة الزنى، وفى ذلك يقول السيد المسيح: «وأما أنا فأقول لكم أن مَنْ طَلَّق امرأته إلا لعلة الزنى يجعلها تزني» «متى 32:5»، وأيضًا: «أقول لكم أن مَنْ طلق امرأته إلا بسبب الزنى وتزوَّج بأخرى يزنى» «متى 19: 9»، قائلا: قد تكون الكنيسة نسيت القضية أو تناستها، بل «العدالة غائبة فى توزيع الميراث بين الرجل والمرأة فى المسيحية». واختتم ماجد بأننا نحتاج لثورة إصلاح فى المؤسسة الكنسية، وفى الدار البطريركية ذاتها، فالكنيسة لها الآن جاليات فى جميع أنحاء لعالم ولها أساقفة وآباء وأديرة فى شتى المسكونية، ولا تطوير فى الكنيسة دون إنشاء جامعة قبطية مصرية، وعدم الاكتفاء بمعهد الدراسات القبطية، معلنا مساندة قداسة البابا «تواضروس الثانى» فى الإصلاحات الكنسية، لكن الأمور تحتاج فترة زمنية وصبراً من أجل الإصلاح وهذا ما نتمناه. التهميش متعمد الكاتب عيد سعد، يقول نجد أن الكتاب المقدس وضع المرأة فى مكانة مساوية للرجل حتى فى العهد القديم نجد اسفاراً توضح ما فعلته المرأة مثل سفر استير وراعوث وأيضا نجد هناك مريم المجدلية التى لم تترك السيد المسيح عندما تركه التلاميذ وكانت من اوائل المبشرات بالقيامة «مر 16: 1»، ناهيك أنها كانت من الأوليات عند القبر مع مريم أم يعقوب «مر 16». وتعجب: عندما تضع المرأة ولداً يتم حرمانها من ممارسة الأسرار لمدة اربعين يوماً، ولكن عندما تضع فتاة نجد أنها تحرم من الاسرار لمدة ثمانين يوما، فهل هذا يليق بدور المرأة فى العهد الجديد وهى شريكة رئيسة فى نشر الخلاص والايمان؟ إلى جانب آخر نجد عدم دخول المرأة الكهنوت الذى هو قاصر على الرجال فقط، وعلى صعيد الميراث الارضى ايضا قانون الأحوال الشخصية للاقباط لن نجد أى ذكر للمرأة خلاله. واستنكر من عدم مطالبة رجال الدين بوضع قانون يحمى حقوق المرأة فى الميراث من طمع الاخوات لها، ونجد وضع المرأة فى الصعيد أكثر تهميشاً وظلماً لها، وبسبب الطمع احيانا لا تحصل حتى على نصيب اقل من 10 فى المائة من الميراث، وهذا بسبب طمع الاخوات فى أن يذهب المال والارض لشخص لا يحمل اسم الاب والعائلة ونجد النصيب الاكثر للرجال اكثر من النساء، ونجد بعض رجال الدين يساعدون على ذلك بشكل كبير. وتابع: تعانى المرأة فى الصعيد بشكل كبير جداً ولا احد يضع لها أى بند فى قانون الأحوال الشخصية الخاص بالاقباط، علاوة على أن لا أحد ينظر إليها، فضلا عن أنها دائما وابداً دورها مهمش ونسمع كلاماً كثيراً على الورق وفى العظات عن دور المرأة دون أن يتحرك أى ساكنه لقادة الكنيسة لحماية حقوقها. فتش عن المرأة أما الباحث باهر عادل، يوضح أن المرأة فى الوطن العربى مجنى عليها دائما؟، واحياناً تشترك المرأة فى التواطؤ على نفسها بالسكوت عن مايصدر ضدها من انتهاك للحقوق والكرامة، موضحا أن سكوتها يكون إما عن جهل وتعتقد فى نفسها ما يروجه الجهلاء بأنها لا تساوى الرجل، أو عن خوف وخنوع للعادات. ويرى عادل أن سكوت المرأة وصمتها عامل رئيسى فى تعرضها لكل اشكال التمييز والتحقير، إلى جانب أن المرأة لا تُحترم ككيان إنسانى بل تُقدر المرأة فى مجتمعاتنا العربية بحجم ووزن الأرداف وليس وزن العقل، ومن ثم تجد رجال الدين فى المسيحية ثقافتهم متأثرة بالثقافة العربية ويرون فى المرأة سبباً كل البلاوى، ولعلك لا تتعجب من أن بعد كل حدث طائفى يحدث ضد المسيحيين، ككنيسة القديسين أو مذبحة ماسبيرو، يمكن أن تجد كاهناً يقول فى عظة «تعليقا على الاحداث»: إن البنات يلبسن ملابس غير لائقة ويربط بطريقة غرائبية بين الحادث وملابس النساء. وتساءل: «لماذا يحدثنى رجل الدين عن ملابس المرأة، ولا يحدثنى عن عيون الرجال الزايغة؟، وتأتيك الاجابة بديهة لأنهم لا يعلمونك ما هو المسيح بل يعلمونك ماهى تقاليد المجتمع، وبالتالى نجد أن التمييز ضد المرأة هو بديهى. وأضاف: من هنا تجد أن قوانين الميراث التى تهدر المرأة حقها تأتى كنتيجة طبيعية لهذا المناخ، فالرجل هو المستفيد الأول من وجود قوانين تخدم مصالحه وتكنز له الاموال الإنسان للأسف بطبعه أنانى»، فمن الطبيعى أن تجد الرجال يتشبثون بمثل هذه القوانين لأنها تخدم مصالحهم المباشرة.