أعد سفير تل أبيب الأسبق فى عمّان ونائب رئيس معهد أبحاث الأمن القومى الإسرائيلى «عوديد عيران» دراسة تحت اسم «الولاياتالمتحدة نجحت فى العودة إلى العراق» يقول فيها إن بيان الرئيس الأمريكى «باراك أوباما يوم 10 سبتمبر حول العمل المخطط له ضد منظمة «داعش» الإرهابية خلف وراءه الكثير من القضايا غير، وأن السؤال الرئيسى هنا يتعلق بتغيير سياسة الولاياتالمتحدة تجاه داعش، وخطاب الرئيس الأخير إلى جانب التصريحات العلنية لكبار المسئولين الأمريكيين. وأشارت الدراسة إلى بيان رئيس الولاياتالمتحدة الذى أعلن فيه عن واجبه لحماية المواطنين الأمريكيين، والعمل ضد التهديدات الناشئة ضد الوطن، وأنه فى تضارب شديد جاء فى البيان نفسه بالبيت الأبيض (28 أغسطس 2014)، على لسان الرئيس أوباما أن داعش يشكل خطراً على شعوب المنطقة، وأن هناك حاجة إلى استراتيجية واسعة النطاق لحماية الشعب الأمريكى ودعم شركاء الولاياتالمتحدة الذين يحاربون داعش. وأضافت أن أوباما أصبح بين «نارين» الأولى هى محاولة ترويج أنها تحاول حماية شعبها والأخرى هى كيفية الإعلان عن حرب جديدة بالعراق بحجة إستهداف عناصر التنظيم الإرهابى «داعش»، وأنه فى الوقت الذى أعلن فيه وزير الخارجية «جون كيرى» فى بغداد 10 سبتمبر 2014 انه يجب منع داعش من التوسع، والحفاظ على الوحدة الجغرافية للعراق، أكد أوباما فى خطابه أن التنظيم يهدد الولاياتالمتحدة وحلفاءها، على الرغم من اعترافه بعدم وجود تخطيط مسبق. وتقول الدراسة إن الولاياتالمتحدة ستدخل حربا غير أخلاقية فى العراق مرة أخرى، مشيرة إلى الحرب على العراق الأولى والتى تحولت الى فشل ذريع، وأن كافة المبررات لشن تلك الحرب قد تهاوت، وتساءلت ما هو موقف أولئك الذين دعموها فى المرة الأولى ومن سيدعمونها فى المرة القادمة؟ خروج تنظيم الدولة الإسلامية من الحرب الأهلية السورية عبر الحدود إلى العراق، هو ما دفع بعض صناع السياسات المدنيين والعسكريين الأمريكيين إلى اعتبار الحربين صارتا حرباً واحدة. كما أنه من المعلوم أن أوباما قد دعا إلى وضع حد لنظام الأسد قبل سنوات، ولكن هدفه الرئيسى كان القضاء على مخزون الأسلحة الكيماوية الذى يمكن أن يُستعمل ضد أهداف أو حلفاء تابعين للولايات المتحدة فى حال تمكنت تنظيمات متطرفة من الاستيلاء عليه. ومن هنا، فإن السؤال الذى يتعين على البيت الأبيض والبنتاجون، هو ذاك المتعلق بالطريقة الأفضل لوقف المكاسب التى حققها تنظيم «الدولة الإسلامية» - فى غياب خيار نشر قوات على الأرض الذى استبعده أوباما أصلاً. وحسب زعم أوباما فإن آلاف الأجانب الذين انضموا إلى المنظمة، يتلقون التدريبات والخبرات فى الحرب، وقد يعودون إلى بلدانهم ويحاولون تنفيذ هجمات دموية، فى بيانات مختلفة حول الخطر الذى يهدد المواطنين الأمريكيين والمنشآت الامريكية فى العراق نفسها، ولايزال هناك سؤال: ما الذى حدث فى أغسطس 2014 دفع الولاياتالمتحدة للحديث عن بناء تحالف واسع النطاق يشمل دول أوروبية وعربية بدلا من حديثها الأسبق حول نيتها شن هجمات جوية فقط لمواقع بعينها رصدتها المخابرات الأمريكية لعناصر التنظيم الإرهابى. ورأى معد الدراسة «عيران» الذى شغل منصبا سياسيا رفيعا بالسفارة الإسرائيلية فى واشنطن بين سنوات 1987 - 1990 أن التغيير من وجهة نظرة يصب فى نقطتين رئيسيتين، الأولى هى سيطرة داعش على مناطق قريبة من بغداد والمدينة الرئيسية فى شمال العراق «الموصل» التى يعتبرها الكثيرون العاصمة الثانية للعراق والغنية بمصادر النفط. أما النقطة الثانية والأكثر أهمية فتتمحور حول الاطاحة برئيس الوزراء نورى المالكى عن منصبه فى أغسطس 2014، الذى لم يكن صدفة فى الوقت الذى قررت فيه الولاياتالمتحدة تشكيل تحالف ضد «داعش» وتحت تأثير الضغوط الداخلية والدولية استقال المالكى، المعروف بانتمائه للمذهب الشيعى والذى لم يحمل يوما عناء إخفائه علاقته الحميمة بإيران، والتى تسببت فى توتر العلاقات بينه مع الولاياتالمتحدة والمملكة العربية السعودية صاحبة المذهب السنى. جاءت استقالة المالكى فى صالح التحالف كما أعلن أوباما بأن تنحى المالكى سمح للولايات المتحدة وقوات التحالف الذى أنشأته لمساعدة العراق بإنشاء قوة عسكرية تساعد فى تدريب الحرس الوطنى وتسليحه من قبل التحالف. وأشارت الدراسة إلى تضارب أقوال أوباما مرة أخرى حين أعلن وغيره من المسئولين الأمريكيين عن نية أمريكا تدمير «داعش» مستخدمين تعبيرات مثل «طحن» و«سحق قدرات داعش» فى الوقت الذى أكد كل من أوباما ووزير خارجيته كيرى انه «لا يمكن الوصول الى كل مقاتلى المنظمة»، رغم أنهم أكدوا فى كل حوار صحفى أو بيان أو تصريح أن أمريكا ستصطادهم جميعاً من خلال تحديد أهداف عسكرية وغيرها. وتناولت الدراسة بعض السيناريوهات المتوقعة فى العراق كما حددها مسئولون أمريكيون وتتمثل فى: 1- ضرب قوات وقدرات داعش فى العراقوسوريا. 2- الحد من سيطرة وتحركات داعش. 3- تزويد المعدات و تدريب الحرس الوطنى العراقى، وإرسال أكثر من 475 من المستشارين الأمريكيين. 4- تقديم المعلومات اللازمة إلى أجهزة الاستخبارات فى العراق. 5- محاربة ومنع تدفق تمويلات مالية أو عسكرية لداعش والعمل على الحد من زيادة المتطوعين للمنظمة. 6- وأخيرا تقديم المعونات الإنسانية للعراق بعد تدميرها فى الحرب المتوقعة ضد داعش على غرار ما يحدث من إعادة إعمار قطاع غزة بعد الحرب العدوانية ضد شعب غزة من قبل إسرائيل بحجة تدمير الأنفاق. لا يمكن أن نفهم طبيعة كل الاتفاقيات بين أمريكا والحكومة الجديدة فى بغداد من التصريحات العلنية حول استمرار التنسيق فى العملية العسكرية بين القوات المسلحة والحرس الوطنى والقوات الأخرى، مثل الجيش الكردى، وبعض الشركاء الآخرين فى الائتلاف، إذ أعلن قبل أقل من شهر رئيس الولاياتالمتحدة أن بلاده ليس لديها تحالف بعد، ويبدو أنه وبعد خطابه الذى ألقاه فى 10 سبتمبر فإن الاستراتيجية مازالت فى إطار البلورة. تقول الدراسة إنه فى كلمات لا لبس فيها «هناك تغير واضح فى المواقف والقيام بعمل عسكرى يعتبر أمرا حيويا الآن، ويمكن تبريره بالإرهاب وضرورة القضاء على أفكار الإسلام المتطرف، موضحة أنه فى الحرب الأولى على العراق قد تم تعديل المعلومات الاستخبارية والحقائق لتتناسب مع السياسة، أما فى هذه الحالة ومع الصور المعلنة على الشاشات لمنظر ذبح الصحفيين الأمريكيين والبريطانيين على يد «داعش» فلا تحمل أمريكا عناء كبيرا فى تغيير أى تقارير وتعتمد فى دخولها إلى العراق على مبدأ «القضاء على الإرهاب والحفاظ على الهوية الجغرافية للبلاد دون إظهار أى أطماع فى ثروات أرضها التى طالما حلمت بالاستيلاء عليها. الولاياتالمتحدة خططت وفقا للدراسة الدخول إلى العراق من وقت خروجها بعد الحرب الأولى فيها، ملتزمة برواية كاذبة للأحداث لتنفيذ ما يدور فى رأسها،كما فعلت فى الحرب الأولى، والجميع يتساءلون كم سيمضى من الوقت ليتعافى العراق من المخططات الأمريكية التى لا تكل ولا تمل لاحتلال العراق بشكل رسمى فى صورة إدخال قوات دولية لحفظ السلام؟! جاء استطلاع للرأى أجرته شبكة «ان بى سى» فى سبتمبر 2014 يقضى بأن ثلثى المجيبين يقيمون أداء الرئيس أوباما بطريقة سلبية، ما يقرب من نصف المجيبين يعتقدون أن الولاياتالمتحدة أقل أمناً مما كانت عليه عشية هجمات القاعدة فى 11 سبتمبر 2001، وهذه النتائج لا تبدو جيدة للرئيس.كما كشف الاستطلاع أيضاً (74% من المستطلعين يؤيدون الضربات الجوية فى العراق)، إذاً فالرئيس الأمريكى هنا ذاهب إلى ترميم موقفه لأن الرأى العام للأسف يؤيد الضربات الجوية فى غالبيته. وأشارت الدراسة إلى أنه فى حال طرأت مشاكل حول عدم تحقيق إنجازات واضحة لرؤى العين جراء القصف الجوى وغيره من العمليات العسكرية، وإذا لم تضعف داعش، وظهرت علامات على زيادة الأعمال العسكرية فى أجزاء أخرى من الشرق الأوسط أو ساحات أخرى، فهذا يشير إلى التهديد المحتمل لأمريكا، خاصة أن قمة حلف شمال الأطلسى لم تستخدم فى بيان المادة 5 من الميثاق، الذى يوجب التعبئة للدفاع عن المجتمع الذى يهاجم، لم ينضم إلى التحالف سوى عدد قليل من الشركاء، فى الوقت الذى رفضت فيه تركيا «السنية» السماح باستخدام أراضيها لمهاجمة سورياوالعراق، وظهور علامات استفهام حول صلاحها لتكون حليفاً للولايات المتحدة. أيضاً زعماء الكونجرس الديمقراطيون، ومثلهم الجمهوريون، لا يمكنهم تجاهل هذه الأرقام المتعلقة بالمصالح الوطنية للولايات المتحدة، ومن ثم فإنهم لن يضعوا عراقيل قانونية، ويبقى السؤال مفتوحاً حول السياسة تجاه سورياوإيران، إذ لم يشر أوباما أو غيره من المسئولين إلى نشاط داعش فى لبنان، حيث يقاتل حزب الله داعش والمنظمات المقربة منه على حدود لبنان مع سوريا، مع استبعاد أمريكا لإمكانية التعاون مع إيران بوضوح، إلا أن تورط إيران فى العراق، يترك السؤال قائماً حول ما إذا كان يمكن متابعة الولاياتالمتحدة لتجاهل إيران وأهمية حزب الله فى الحرب ضد «داعش». واختتمت الدراسة بأن مقتل حوالى 200,000 فى الانتفاضة المدنية فى سوريا دون أن تحاول الولاياتالمتحدة وقف الرئيس الأسد باستخدام الحد الأدنى من القوة العسكرية، يطرح سؤالاً أن قرار العمل فى العراق بهدف انقاذ الأقليات المختلفة كما شرح أوباما والمسئولون الأمريكيون بماذا يختلف دم الأقليات فى العراق عن دم السوريين الذين إما ذبحوا أو أصبحوا لاجئين؟ ومع ذلك فإن سعى الولاياتالمتحدة لمقاتلة داعش سوف يحسن صورتها بين الدول المعتدلة والمؤيدة لأمريكا فى الشرق الأوسط، والتى أصابها الذعر لما رأته من تطرف غاشم من قبل التنظيم الإرهابى فى سورياوالعراق «داعش» وخوفا من وصوله إلى بلادهم، ودفع هذه الدول إلى وصف الولاياتالمتحدة كزعيمة للعالم الحر.