تمثل هذه الفترة المتوترة في تاريخ مصر.. فرصة ذهبية.. لتقييم افتراضات مسبقة.. وإعادة النظر في حقائق عديدة.. حول جماعة الإخوان التي لم تعد محظورة.. وإن لم يكن لها إطار قانوني من أي نوع حتي اللحظة.. وانعدام الوضع القانوني لا يقتصر علي الإخوان وحدهم الآن. خرج الإخوان من جب العمل السري.. انكشفوا للأضواء.. تغيرت طبيعتهم التي كانوا عليها منذ تأسسوا في عام 1928 من اللحظة الأولي كان «مكون الإخفاء» أساسياً في بنية التنظيم.. وهذا نقيض السياسة التي سيعملون في مجالاتها بصراحة الآن. في مقالي هذا الأسبوع بمجلة «روزاليوسف»: «اختطاف رئيس مصر القادم» قلت إن التيارات الدينية تحتاج إلي سنوات لكي تعتاد الانتقال من قواعد العمل السري إلي قيم العمل العلني.. وأول ما واجهه الإخوان من تحد ناتج عن التحول هو أن فريقاً عريضاً من الجماعة يريد أن تعاد الانتخابات الداخلية لأنها جرت في ظروف مختلفة.. ولم تتح لها فرصة الشفافية.. علي أساس أنها جرت سراً خشية ضغوط جهاز أمن الدولة ويقول المطالبون بالإعادة أنه لم يعد للجهاز وجود ولابد أن تجري انتخابات علنية غير سرية تتمتع بالإفصاح الكامل. في حوار أجرته قناة «الحياة» بواسطة المذيع المحترف شريف عامر مع محمد بديع مرشد الجماعة رد الأخير علي من يطالبون بإعادة الانتخابات ويتزعمهم «محمد حبيب».. قائلاً: وهل يعني سقوط النظام أن تسقط الانتخابات في الإخوان.. لقد وقع الناس عقوداً فيما بينهم فهل عليهم أن يعيدوا النظر فيها لأن النظام سقط؟! بغض النظر عن أن منطق المرشد محمد بديع يعطي دون أن يدري مبرراً لكل من يقول إنه ليس علي المتغيرات المصرية أن تطيح بكل شيء.. بوصفه كان قد تم في عصر النظام السابق.. فإن الجدل الدائر حول الموضوع إنما يكشف عن شقاق حقيقي داخل الجماعة.. كانت له جذوره الممتدة منذ نحو عام.. بعد وصول بديع إلي موقعه.. وقد أعطاه الفعل الثوري في 25 يناير زخماً جديداً لا يمكن تخطيه. مجموعة من التحديات تضع نفسها في طريق الجماعة.. مبلورة أزمتها الحالية: • المواصفات التاريخية التي لا يمكن الهروب منها وموجزها: أن الجماعة لم تبلغ نقطة ذروة علي مدي 80 عاماً إلا وعادت إلي حافة الهاوية.. أسس حسن البنا الجماعة ونشرها في ربوع مصر.. ثم حين وصلت إلي أعلي نقطة كان أن حدثت أزمتها المريعة في 1948 وتورطت في عمليات اغتيالات وصدر قرار حلها الأول. بُعيد هذا بست سنوات وبعد ترتيبات مع ضباط ثورة يوليو.. تصورت الجماعة أنه حان القطاف.. فحدثت أزمة 1954 .. والمحاكمات الشهيرة.. ثم انتشرت سراً وأعدت عدة ضخمة لعملية كبيرة فكان أن واجهت قضية 1965.. وبعد الخروج من السجن والصفقة الشهيرة مع السادات.. واجهت أزمة التيارات الدينية واتهام جماعات بالإرهاب بعد اغتيال السادات عام 1981 . ثم نشطت وعقدت تحالفاً مع الوفد وربحت مكاسب كبيرة في انتخابات عام 1987 وتم حل مجلس الشعب.. وصعدت ضد الدولة في التسعينيات وانتظرت أن تحصد من خلال تحالف مع حزب العمل.. وانهارت الأحلام في نهاية نفس العقد.. ووصلت إلي نقطة بعيدة جداً ب 88 مقعداً في برلمان 2005.. وكانت النتيجة أنها خسرت كل شيء في انتخابات 2010 .. التي طالتها اتهامات تتعلق بالنزاهة. وقد يقول قائل إن كل هذه النقاط التاريخية نتجت عن فعل قسري اتخذته ضدها الدولة وأجهزتها، سواء كانت ملكية أو جمهورية، فاروقية أو ناصرية أو ساداتية أو مباركية.. وهذا صحيح.. لكنه لا ينفي أن الدولة لم تزل قائمة، لم تخرج من أي معادلة وإن غيرت طريقة تفاعلها.. كما أنه لا ينفي أن الجماعة كانت تدفع إلي ذلك باندفاعها إلي التغول المخيف الذي يؤدي إلي حتمية الصدام.. لأن الاختيار يكون وقتها ما بين بقاء الدولة بشكلها أو بقاء الجماعة.. ومعروف بالطبع ماذا سوف يكون خيار الدولة. ونلاحظ في هذا السياق أنه باستثناء قضية 1965 فقد كان متاحاً في كل تلك الفترات للجماعة أن تقوم بالعمل العلني أو ما يمكن اعتباره منضوياً تحت سقف ترحيب من الدولة.. ولكن الترحيب ينسحب في لحظة بعينها لسبب غالباً ما يتعلق ب«النهم الإخواني» والرغبة في الحصول علي أكبر نصيب من الكعكة إن لم يكن كلها. إن هذا يعني أن الجماعة لم تبلغ هدفها أبداً.. علي الرغم من أنها واحدة من أعرق التيارات الموجودة علي الساحة في الثمانية عقود المنصرمة. • التحدي ذو المواصفات الفكرية: إذ بخلاف أنه حتي الآن لم تراجع الجماعة أدبياتها الأصيلة، خصوصاً كتب سيد قطب.. وفيها ما فيها.. فإن الجماعة تتكلم حتي الآن في السياسة.. ولا تطرح أفكاراً محددة تعبر عن تطور فكري جديد.. وبغض النظر عن كونها مازالت متمسكة بموقفها المضاد للمرأة.. وموقفها الخاص من الأقباط.. باعتبارها جماعة مغلقة علي من فيها من فئة بعينها وليس جميعاً من المسلمين.. فإنها أيضاً لم تمض قدماً نحو الشغل علي مشروع اجتماعي اقتصادي متكامل.. وتركز حتي اللحظة علي الأبعاد الأخلاقية والشعارية. إن هذا يمثل أمراً مهماً للغاية خاصة إذا كانت هناك سيناريوهات مطروحة يطمح إليها بعض المحللين بشأن استنساخ النموذج التركي في مصر.. وهو ما حاولت أن تداعبه الجماعة بأن تطلق علي حزبها اسم «العدالة والحرية» تأسيًا باسم حزب «العدالة والتنمية» الحاكم في تركيا.. وقد أشرت من قبل إلي أن المسألة لا تقتصر علي التماهي في الأسماء وإنما في المضمون.. وإنه من الصعوبة علي الجماعة مثلاً أن تنقل مضامين كاملة من برنامج الحزب التركي إلي حزبها في مصر. حتي هذه اللحظة فإن «العدالة والتنمية» في تركيا يقر بعلمانية الدولة.. ويحترم وجود صور كمال أتاتورك في المكاتب الرسمية باعتباره مؤسس هذه الجمهورية العلمانية.. ولم تحذف المواد الدراسية التي تخصه في الكتب.. ولا يمكن للحزب المنسوب للإخوان في تركيا أن يفض التحالفات المبرمة مع إسرائيل والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وينضوي تحت هذا التحدي الفكري.. أمر له أبعاد سياسية وفكرية.. يتمثل في مجموعة الأحزاب التي ستكون مؤسسة من قبل عناصر لها عمق إخواني سابق أو حالي.. منها وفي صدارتها حزب الوسط ومؤسسه أبو العلا ماضي، وحزب النهضة الذي تقوم عليه مجموعة منشقة عن الجماعة، ولديها أفكار مختلفة ولكنها نابعة من الإخوان.. هذا الانشطار الإخواني الموزع علي أحزاب مختلفة دفع بالمرشد أن يحظر علي أي إخواني الانضمام إلي أي حزب آخر غير العدالة والحرية.. وهو حظر له مغزاه الخائف ولكنه لا ينفي وجود التحدي الحقيقي. ونكمل غداً. [email protected] www.abkamal.net