نحن نعيش أياماً تختفي فيها الحقائق خلف ستار مكثف من الظواهر في العالم بأسره والشرق الأوسط علي الأخص.. الحقيقة يبدو لي أنه كلما زادت الكمية الهائلة للأخبار والأنباء التي تصل إلينا بشكل شبه متواصل في كل لحظة زاد جهلنا بالحقائق خلف الظواهر، حيث إن الفلسفة والعلم أسلم كثيراً هذه الأيام من السياسة لذلك سوف أتناول هذا الموضوع من الناحية الفلسفية والعلمية التي هي لحسن الحظ أقرب إلي قلبي وإن كانت للأسف ليست في متناول القطاع الأكبر من سكان الأرض من ضحايا الظواهر. ربما كانت الصفحات الأولي في كتاب «الوجود والعدم» للفيلسوف والكاتب والفنان «جان بول سارتر» هي خير مقدمة لما أرغب في أن أشرح هنا.. باختصار شديد هل يمكن أن يقال أن الشيء له خارج ظاهري وداخل حقيقي باطني أم أن الشيء هو مجرد مجموعة ظواهر. الإجابة التي يؤكدها كل من «أدمون هرل» و«مارتن هيرجر» هو أن الشيء هو مجموعة ظواهر ولا توجد حقيقة أكثر من ذلك في باطنه.. إجابة «بول سارتر» تختلف بعض الشيء في نقطة أظن أنها غاية في الأهمية وهي أن مجموعة الظواهر قد تكون متوالية لا نهائية. من هذه النقطة أستطيع أن أؤكد من دراستي لنظرية زمان «المكان» الكنتوري أن الحقيقة المطلقة هي اللانهائي بينما كل ما هو نهائي هي مجرد ظواهر، ولذلك نستطيع أن نوفق بين كل من المدرستين الفلسفيتين بشكل غير مباشر.. هذا الموضوع هو في صميم عملي في الطبيعة النظرية وفي نوعيته الرياضيات التي استخدمها وربما شرحت ذلك عن طريق مثال من نظرية الكم حتي أبتعد عن شرح ذلك عن طريق الإشكال الحالي في ليبيا وحقيقة التدخل الأمريكي هناك عن طريق فرنسا وانجلترا وأسوأ استخدام للقانون الدولي للاستيلاء علي خيرات الشرق الأوسط بدعوي مساندة حقوق الإنسان التي تميزت الثلاث دول في سلبها عبر التاريخ. لا لن أتحدث عن ذلك خوفاً من المشاكل والطبيعة النظرية أسلم كثيراً، لنبدأ مما قد يبدو منطقًا هندسياً سليماً وهو الخط الذي ترسمه حركة نقطة في الفراغ. إذا كانت النقطة تمثل حصوة أو حجراً صغيراً فإنه بما لا شك فيه أن حركة هذا الحجر عندما أقصفه بيدي يمكن أن تمثل بخط النقطة بعدها صفر والخط بعده الوحدة.. تصور أن النقطة هي خط أي أن الحجر استبدل بعصي. في هذه الحالة ما هو شكل مسار العصي إذا قذفته كما قذفت الحجر من قبل.. من الواضح أن هذا المسار لن يكون خطاً بل سوف يكون مساحة مسطحة.. بمعني آخر سوف يكون بعد مسار العصي هو اثنين وليس الوحدة.. علي الرغم من أن كل ذلك يبدو بديهياً إلا أن الطبيعة لا تتوافق مع هذا الفهم البديهي للأمور. مرة ثانية باختصار شديد الأبحاث الحديثة في نظرية «الكم» وهي النظرية الخاصة بالأجزاء الصغيرة جداً من المارة والطاقة مثل الالكترونات والفوتونات أوضحت أن مسار «نقطة الكترونية» ليس خطاً وإنما مساحة.. هذا بالطبع غريب جداً.. الظواهر المنطقية تشير إلي أن عندما تتحرك نقطة في الفراغ فأنها ترسم خطاً خلفها كمسار فكيف إذاً يمكن لنقطة أن ترسم خلفها مساحة ذات بعدين كمسار؟ هذه الفكرة كان أول من أثارها هو العالم الأمريكي «رتشارد فينمان» ثم تلي ذلك أبحاث نظرية نشرت في ورقة مشهورة للعالمين «أبوت» و«ويس»، ثم جاءت بعد ذلك أعمال العالم الإنجليزي الكندي صديقي العزيز «جارنت أورد» وختمت أنا هذه الفكرة بنظرية عامة هي ما تسمي اليوم «إيه انفنتي» أو E ما لا نهاية أو نظرية زمان المكان الكنتوري نسبة لعالم الرياضيات الألماني الشهير «جورج كنتور» في هذه النظرية أوضح أن الحقيقة خلف الظواهر هي أن بعد مسار نقطة كمية أو نقطة كنتورية أو نقطة فركتالية.. وكل هذه الأسماء تعني نفس الشيء أقول أن بعد مسار مثل هذه النقطة هو أكثر من الوحدة وفي المتوسط هو اثنان أي أن المسار ليس خطاً كما يبدو في الظاهر وإنما مساحة عندما تأخذ ما لا نهاية من الظواهر في الاعتبار.. الحقيقة بالنسبة لمسار نقطة واحدة بعد المسار هو أكثر من خط وأقل من مساحة وهو رقم يساوي بدقة مقلوب المقطع الذهبي أي أنه الرقم الشهير الذي استخدم من جهة قدماء المصريين في تصميم الأهرامات وهو «1.61803398». ما ذكرت هنا هي حقائق رياضية ومعملية لا يمكن التشكيك فيها وهي تؤكد أن المظهر غير الحقيقة المطلقة وأن تساوي المظهر عند ما لا نهاية مع الحقيقة المطلقة مع تأكيد أن حقيقة الحقيقة المطلقة يعلمها فقط من يملك مالا نهاية وهو ما يسميه الفلاسفة والمفكرون بالمطلق ويسميه علماء اللاهوت بالخالق ونعرفه نحن باسم الله سبحانه وتعالي. لقد كتبت في عمود سابق تحت عنوان «ميتران والأربعين حرامي» أني أشك فيما وراء تحمس الرئيس الفرنسي «ساركوزي» للتدخل المسلح في ليبيا وهو خرق صريح لكل القوانين الدولية حتي ولو وقف وراء هذا الخرق جميع أعضاء مجلس الأمن. في الصباح التالي لهذا المقال أعلن سيف الإسلام أن ليبيا قد مولت حملة انتخابات ساركوزي بعد ذلك سمعت تحليلاً لتصريح سيف الإسلام في «BBC» وكذلك في «الجزيرة» الناطقة بالإنجليزية تقول: علي الرغم من أن كلام سيف الإسلام وقح ويقصد الإساءة إلي الرئيس ساركوزي إلا أنه منطقي، حيث إن ساركوزي استقبل في هذا الوقت الزعيم الليبي استقبالاً أكثر من حار.. الحقيقة لقد رأيت بنفسي صور رئيس الوزراء السابق «توني بلير» يعانق الزعيم الليبي في خيمته في ليبيا بحرارة.. ماذا حدث.. هل هذا مثال عن الفرق بين حقائق بول سارتر وظواهر مارتن هيرجر. لا حول ولا قوة إلا بالله لماذا لا تترك يا محمد النشائي السياسة في حالها وتهتم بعلمك فقط.. لا أدري. ربما لأني ولدت في 1943 وعاصرت ثورة 1952 وحملت البندقية أيام الاعتداء الثلاثي وذقت مرارة هزيمة احتلال سيناء وهتفت لأول مرة بالفرحة بعبور القناة وتحطيم خط بارليف.. ربما وربما.. لست أدري.