تابعت مثل غيري الاجتماعات بين الإخوان المسلمين، والأحزاب والقوي السياسية الأخري، لتشكيل قائمة موحدة لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، تشارك فيها جميع الأحزاب والقوي السياسية، ويحصل فيها الإخوان علي ما يقترب من 35% بالمائة من المقاعد. ولا أتوقع إنجاز هذه القوائم علي مستوي الجمهورية والوصول إلي تفاهمات بين الفرقاء السياسيين في هذا البلد، في ضوء تجارب مماثلة نسق فيها الإخوان مع الأحزاب قبل الانتخابات، وانقلبوا عليهم خلالها، لهذا أتوقع لها الفشل السريع لأنها تجمع الشامي والمغربي. هذا الأمر قد يكون مقبولا في طبق كشري تجتمع فيه المكرونة والعدس والأرز والتقلية والصلصة، لكن في السياسة لا يجوز أن يجتمع أقصي اليمين وأقصي اليسار في قائمة واحدة، لأنها في مثل هذه الحالة تبدو مثل الاتحاد الاشتراكي القديم، وتقضي علي التنوع والاختلاف، وتمنع الناس من حقهم الطبيعي في الاختيار بين هذا وذاك. وإذا كان الإخوان يريدون تطمين القوي السياسية بأنهم لا يسعون للسيطرة علي المجلس النيابي، وإذا كانت الأحزاب تحاول الحد من سيطرة التيار الديني علي المشهد السياسي، فإن هذه الأهداف لا تبرر التلاقي غير المشروع بين المختلفين سياسيا، وأعداء الأمس القريب إلا، إذا كان الهدف هو اقتسام الكعكة البرلمانية علي حساب الشعب المسالم. يزعم الإخوان أنهم يمتلكون الأغلبية في الشارع، وأن التصويت الكبير بنعم علي التعديلات الدستورية كان تصويتا علي الجماعة ومبادئها، لذلك أتمني أن تخوض الجماعة الانتخابات البرلمانية بمفردها.. في ظل انتخابات حرة ومشاركة جماهيرية واسعة، حتي نعرف الحجم الحقيقي للإخوان المسلمين في مصر، وهو بالمناسبة ليس بالقدر الكبير الذي تظهره «الماكينة الإعلامية الإخوانية» ولاحتي الفضائيات الخاصة التي تفتقد الكثير من الوعي والقدرة علي القياس والاستنباط. وتتحجج أحزاب المعارضة بأنها لم تخض أي انتخابات نزيهة من قبل، وطالما عانت من التزوير الذي منع ممثليها من التمثيل البرلماني، لذلك يجب عليها أيضا خوض انتخابات حرة نزيهة حتي تعرف قيمتها وحقيقتها، وهل كان التزوير يمنعها من حقوقها التمثيلية أم لا؟. لقد عانينا لسنوات طوال من تزوير رسمي في الانتخابات البرلمانية، أدي دائماً إلي صنع أغلبية غير حقيقية، والإتيان ببرلمانات مشوهة لا تمثل الشارع تمثيلا متوازنا، وقد آن الأوان لنتخلص من هذا التشويه البرلماني، ونحصل علي برلمان يمثل الإرادة الشعبية الحقيقية، يتمثل فيه اليسار بقدر وجوده في الشارع، ويحصد الليبراليون مقاعدهم الحقيقية، ونعرف ماذا يمثل التيار الديني في هذا الوطن. ورغم اعتقادي المبني علي تحليل معلوماتي لسائر الانتخابات السابقة، وعلي المشاركة الفاعلة في الانتخابات النيابية منذ عام 1976 حتي الآن، أي تسع انتخابات برلمانية، بأن الإخوان لن يحصدوا أغلبية برلمانية ولن تزيد حصتهم علي ربع المقاعد البرلمانية، فإنني أتمني انتخابات بلا قائمة حتي ولو خابت توقعاتي وسيطر الإسلاميون علي البرلمان، لأن ساعتها ستكون هذه إرادة المواطنين وعلينا احترامها، والتعامل معها، ومن ثم البحث عن قوي سياسية مدنية جديدة تكون قادرة علي التعامل مع الواقع الجديد. مصر لن تتقدم بطبق كشري سياسي وحزبي، لكنها ستضع قدمها علي أول طريق الديمقراطية، حين تعيد الأشياء إلي أصلها.. فيظل اليسار يسارا.. والعلمانيون علي مبادئهم.. والإخوان علي دينهم.