بغض النظر عن فئات الرأي العام العريضة، هناك مواقف معلنة من التعديلات الدستورية التي يفترض في جمهور الناخبين أن يذهب إلي صناديق الاقتراع كي يصوت عليها خلال ستة أيام.. فريق مؤيد.. وفريق معارض.. وفريق يريد تعديلات فيها.. لكن عمليا لا يوجد أي مساندة حقيقية تقف خلف تسويق هذه التعديلات. لم تحظ التعديلات التي وضعتها لجنة مكلفة من المجلس الأعلي التزمت بالجدول الزمني لإعدادها، لم تحظ بحوار شامل، وجدلي، يمكن أن يثير حولها تفاعلا مجتمعيا كافيا من أجل تشجيع الناس للذهاب إلي صناديق الاقتراع.. تأييداً أو رفضا.. والقراءة العابرة للمناخ المحيط بالمسألة يوحي بأنه لن تكون هناك نسبة مشاركة كبيرة في التصويت.. وهذا في حد ذاته سوف يكون رسالة متعددة الأبعاد. • لن تعني الرسالة أن هناك عدم رضا من الجمهور.. فهو لم يطلع عليها عمليا وعلي نطاق واسع.. وإنما سوف تعني أن الجمهور الذي حركه الفعل الثوري بعد 25 يناير لم يجد فيما جري مصلحة ملموسة. • سوف تعني أن الساحة السياسية خالية من القوي التي يمكنها الحشد تأييدًا أو اعتراضا.. لأن الأحزاب مرتبكة.. ولأن القوي السياسية الأخري غير متبلورة.. وربما كان هناك فقط فئات سياسية قليلة جدًا سوف تكون في موضع اختبار عصيب خلال عملية التصويت.. إذا ما بدا أنها الوحيدة في الساحة التي تتحرك للحشد من أجل التصويت. • سوف يعطي انخفاض معدل التصويت رسالة غير دقيقة بشأن رغبة الجمهور في أن يكون هناك دستور جديد.. لا أعتقد أن كل فئات الجمهور تري مصلحة لها في إقرار دستور جديد. • سوف نقع في التباس قانوني عميق.. التصويت الذي يقر شرعية التعديلات سيكون منخفضًا.. ورغم ذلك يقرها.. ولكنه لا يحظي بالإجماع الكبير والمطلوب لعملية حيوية وفعالة من أجل الإصلاح.. ومن ثم يأتي رئيس جديد فوق دستور.. يخرج من تعطل إلي تفعيل بأصوات محدودة. مشكلة هذه التعديلات أنها تعرضت لمناخ غير موات.. عملية من هذا النوع المعقد يفترض فيها أن تتم في أجواء لا تكون فيها غيرها علي جدول نقاشات الناس.. بينما التعديلات دخلت حيز الجدل المنعدم تقريبًا والناس منشغلة بعدم وجود أمن.. ومهمومة باستقرار مهتز.. وعاشت أجواء فتنة طائفية.. وواقع اقتصادي غير مبشر.. وشوارع مائجة. وبالتالي فإنها (أي مناقشة التعديلات) لم تنل الواجب من الاهتمام.. وحتي لو كانت تحظي بتوافق عام.. لأنها حققت فعلاً مطالب أكيدة.. فإن التعديلات لابد لها من شرعية الالتفاف حولها.. جماهيريا وليس علي مستوي النخبة.. النخبة فقط هي المعنية بالأمر.. وربما ليس علي نطاق واسع أيضًا. القوي المؤيدة للتعديلات، في حالة (إحباط)، وربما ارتباك، وهي كذلك غير واضحة، وليست لديها القدرة علي أن تحشد الناس من أجل الخروج لتأييدها.. باستثناء الإخوان الذين يقال إنهم سوف يؤيدون التعديلات.. وهم طرف وليسوا كل الأطراف. القوي الرافضة للتعديلات، تواجه اختبارًا صعبًا وعسيرًا.. وهي محسوبة علي فريق عريض من الفاعلين في الحركة الثورية ل25 يناير.. وهي لجأت إلي خيار مقاطعة التصويت وإن لم يكن هذا معلنًا بصراحة.. ما يعني أنها لا تريد أن تخوض اختبار التصويت ولو كان ضد التعديلات لأنها تدرك إنها غير جاهزة أبدًا كي تحشد الناس في أي اتجاه.. الحشد في اتجاه الصندوق للتصويت يختلف تمامًا عن الحشد من أجل التظاهر.. وحتي الحشد من أجل التظاهر تراجع تفعيله في الأيام الأخيرة.. ووجهت نداءات بمليونيات مختلفة لم يستجب لها الناس. إن هذا الوضع يضعنا في مأزق سياسي حقيقي، الدولة برمتها، لأنه يعود بنا إلي مناخ (عدم المشاركة) الذي كانت عليه الأمور من قبل.. وقد نفاجأ بصناديق خاوية.. ما يفقد زخم 25 يناير طاقته.. ويمضي بنا في اتجاه سيناريوهات متضاربة.. ويؤدي إلي فقدان المصداقية في العملية السياسية. بالطبع (القوات المسلحة) لا تريد أن تبدو طرفًا في هذه العملية.. حيث إنها ليست صاحبة مصلحة.. لأنها ليست قوة مشاركة في التنافسات السياسية.. غير أن كونها (مديرة لعملية الانتقال ومؤتمنة عليها)، فإن عليها مسئوليات يجب أن تتصدي لها في مسألة التصويت علي التعديلات خصوصًا أن الوقت المتبقي علي عملية الاقتراع قصير جد. فيما مضي كانت عملية من هذا النوع، وفقًا للجدول الدستوري، تستغرق شهرين علي الأقل في وجود مجلس الشعب ومجلس الشوري.. وجلسات الاستماع والنقاشات العامة.. بينما نحن الآن أمام وقت استغرقته تلك العملية كان أقل من شهر. القوات المسلحة، ممثلة في المجلس الأعلي، عليها أن تحفز إعلاميا، في ضوء غياب السياسة، عملية واسعة النطاق من أجل شحذ همم الناس كي ينتبهوا إلي أهمية تلك التعديلات باعتبارها قواعد ولو كانت مؤقتة لتنظيم العملية السياسية الفاصلة التي سوف تقدم عليها مصر في الفترة المقبلة. مطلوب من هذه اللحظة نقاش حقيقي تليفزيوني وصحفي يشارك فيه الكثيرون.. ويكون صوت الجمهور حاضرًا.. من أجل اجتذاب الاهتمام العام.. علي الأقل كي يخرج الناس ويقولوا ما هو رأيهم.. لعلهم يرفضون.. فتكون هناك خطوة أخري.. أو يؤيدون فتنبني علي ذلك وفوقه عملية تالية. إن معني انخفاض التصويت أيا ما كان اتجاهه أن المجتمع غير جاهز لإتمام عملية الانتقال.. ومن ثم فإن الأصوات التي تطالب بأن تمتد فترة الستة أشهر التي حددتها القوات المسلحة مدة لتسليم الأمانة إلي المؤسسات المعنية وسلطة الرئيس والبرلمان القادمين لا تكون كافية.. وبالتالي فإن علي قادة الجيش أن يتقبلوا المطلب الاجتماعي والسياسي الضمني بأن هذه الستة أشهر لا تكفي.. ولابد أن تطول.. حتي لو قبل أن يكون هذا المطلب عمليا وصريحًا بالقدر الكافي. وطلب مد الفترة الانتقالية ليس مطلقًا.. وإنما له مبررات ضرورية.. وهو أن القوي السياسية والأحزاب تحتاج مزيدًا من الوقت كي تلملم شئونها وتعيد ترتيب أوراقها.. وتستوعب المتغيرات.. وتكون قادرة علي صنع اتجاهات.. والتعرف إلي رغبات المجتمع الجديدة.. وتبنيها.. والدفاع عنها، كل فيما يخصه وكل فيما يمكن أن يعبر عنه. لقد وضعت القوات المسلحة علي نفسها في البيانات الأولي للمجلس الأعلي تعهدًا بأن تسلم السلطة في غضون ستة أشهر أو إتمام انتخابات البرلمان والرئاسة.. والتعديلات الدستورية هي أساس تحديد مجريات الانتخابات.. والعملية السياسية التي تنبني علي التعديلات لها نطاق زمني يجب الاهتمام به.. ولذا فإن القوات المسلحة لا تكون قد خالفت تعهدها مزدوج المشروطية (ستة أشهر أو إجراء العمليتين الانتخابيتين) حين تقبل وترتضي اطالة مدة الانتقال. نحن أمام اختبار قريب جدًا لإحدي نتائج الفعل الثوري الذي بدأ في 25 يناير. [email protected] www.abkamal.net