رفعت الثورة المصرية في 25 يناير رءوسنا في السماء وضربت مثلا للعالم في الرقي والتحضر والانسجام بين كل فئات الشعب لصالح التغيير، لكنها تتعثر الآن في ترتيب أولويات العمل في داخل مصر نفسها، نعم نريد إقصاء أباطرة العهد الماضي وصناع الأزمات فيه، لكننا نريد ربما بدرجة أكبر، الانطلاق نحو تلك الأولويات التي حرمنا منها طويلا، الحق والخير والعدالة، والحق لابد وأن يدفعنا لانجاز العدالة ربما من خلال إعادة النظر في بعض الإجراءات التي تستغرق وقتا طويلا ليس في صالحنا الآن، الحق يعني كل ما يخص إنصاف المظلومين في عهد تميز بعدم الانصاف حتي شاع بين الناس مبدأ أن علي كل واحد أن يأخذ حقه بيده.. إن استطاع!، الحق الآن لا يعني تأجيل حقوق الناس الضائعة من أجل بداية عهد جديد. وإنما يعني جدولة هذه الحقوق في إطار زمني واضح ومحدد وسريع «وبدون ثغرات» حتي يشعر المواطنون بالأمان وبالرغبة في الانضمام إلي عقد جديد للوطن لا ظلم فيه ولا تمييز، ومثل الحق يأتي الخير عنوانا عريضا يحتاج إلي نضال مجيد ليشعر كل رجل وامرأة في مصر بأنه يعيش مثل غيره ويتمتع بحياة لا تؤج جفيه كل اللحظات الشعور بالحرمان وبالدونية الخير في مصر ليس قليلا ولكنه كان مصادرالصالح قلة من الناس. وفي ملفات ما بعد ثورة يناير عشرات الوقائع والملفات حول الأراضي المنهوبة والمصانع المخروبة عمدا لكي تباع خردة وكلام أسود حول توزيع موارد الدولة بما يكفل الفقر ويعممه علي الأغلبية ويكفل الرفاهة الخرافية للأقلية فوجئنا بعدد الطائرات الخاصة بعد أن كنا في الستينيات نحصي السيارات الخاصة، فوجئنا بمن يمتلك فيلا وقصرا في كل منتجع، من السلوم ومطروح علي حدود ليبيا إلي شرم الشيخ وطابا علي الحدود التي تفصلنا عن إسرائيل بحرا وقطاع غزة برا وأيضا في الغردقة حيث ميناء مخصص لليخوت فقط، قطعت علينا مياه الشرب مرارا من أجل ري ملاعب الجولف في القطامية هايتس وغيرها من معازل الصفوة ومات منا مئات الآلاف علي الطرق الرديئة لأن الميزانية توجه إلي مواقع أخري حديث محزن وأحزنه هو إهمال خطط التنمية عمدا وخاصة تنمية الطعام أي الزراعة وتنمية العقول أي العلم مات العالم أحمدمستجير بعد أن بح صوته ووضعت مشروعاته علي الرفوف فيما يخص الزراعة وابتعد العالم زويل بعد أن سرقوا أرض مشروعه وبح صوت العالم فاروق الباز وهو يري مشروعه في المتحف الخلاصة أن الخير هو أمل المصريين ودواؤهم الآن وعليهم أي علينا أن نحسن التخطيط لفتح ملفات العمل الجاد المنتج حتي نغلق ملفات التسول والتبرع التي أصبحت عنوانا لمرحلة سابقة علينا أن نتبرع ونعمل الخير ولكن ليس لإعالة القادرين علي العمل لأننا لابد أن نجد لهم عملا وأجرا محترما يجعل الحد الأدني مقاربا للحد الأقصي ويجعل الناس تشعر بالعزة والكرامة. هكذا تقول صورة الملايين التي خرجت للانضمام للثورة والتي تخرج كل جمعة الآن والتي سوف تندفع إلي العمل بقوة حين تلمس التغيير الحقيقي وتلمس العدالة بيدها وربما تحتاج مسألة العدالة هذه إلي عمل صعب ومعقد جزء مهم منه يتعلق بتراكم سنوات طويلة من الرفض والعجز والغضب من جهاز تحقيق العدالة نفسه، أي الشرطة أعرف أن مهمة الشرطة الأولي هي تحقيق الأمن والباقي يتعلق بالقضاء لكن الأمن بدون عدالة هو أمن مزعزع واستثنائي وانتقائي وقد عاني ملايين المصريين منه ومن انحياز الأمن لصالح النظام، ولصالح حزب النظام، ولصالح الأقوي في كل معادلة، ولهذا لم يبرأ الكثريون بعد من تلك المرارة من الأمن، وحادث المعادي يوم الخميس الماضي بين ضابط شرطة وسائق ميكروباص هو من توابع هذا الماضي الأليم، ممكن نعتبره تصفية حسابات ما قبل الثورة، ولكن إلي متي؟ هل من الممكن مثلا أن يعلن وزير الداخلية الجديدة «بروتوكول» أو قواعد جديدة للتعامل بين الشرطة والناس؟ وهل من الممكن كتابة هذه القواعد في ورقة وتوزيعها في كل مكان وإدارة مناقشة حولها ليعرف الناس كيف تعاملهم الشرطة وما هي حقوقهم إزاء هذا. وبالتالي يدركون التجاوزات في وقتها؟ وهل في الامكان انشاء لجان للشكاوي تفصل في الخلافات بيم الناس والشرطة بسرعة وحسم؟ أقول هذا لأن تحقيق الحق والخير والعدالة لن يحدث بدون التزام الجميع بالقانون في كل لحظة، والالتزام يسبقه احترام واقتناع بهذا القانون، ومراجعة القوانين ضرورية لتخليصها والاضافات التي تتيح للبعض أن يصبح مستثنيا منها، لا بد أن نشعر جميعا التغيير الحقيقي والعدالة سوف تطال الجميع، حتي الذين نسياهم طويلا بفعل فاعل مثل أهل النوبة وأهل سيناء وكل الأهل الذين وعدتهم الحكومات السابقة بتحقيق مطالبهم ولم تف بها،. وأمس فقط (السبت) خرج علي شاشة برناج (نهارك سعيد) الصباحي في قناة اللايف رجل اسمه أحمد اسحق قال إنه رئيس (ملف قضايا النوبة) ليطالب حكومة الثورة ببناء 44 قرية علي النيل سلبت منهم بسبب مشروع السد العالي زمان، ثم نقل معبد أبوسمبل، ملف من أيام عبدالناصر لم يحل أيام السادات ثم مبارك و5.3 مليون مصري نوبي ينتظرون في طيبة وسماحة فهل هذا ذنبهم، وكذلك ملف سيناء التي كانت حلما لملايين الخريجين فأصبحت عبئا ومطمعا لأنها حرمت علي المواطنين العاديين، حللت للمعارف والمستثمرين. علي القوات المسلحة الآن ومجلسها الأعلي أن يضع جدولا بهذه المظالم والملفات حتي تنهض مصر كلها وليست بعضها، وليس من حق أحد منا أن يقول لغيره، أنهم هذا وذاك. وعليكم الانتظار، أو يقلل من شأن مطلبه، فالثورة قامت من أجل الجميع، والانصاف لا بد وأن يصل للجميع، وإعادة كتابة مواثيق العلاقة بين السلطة والناس ضرورة سريعة حتي يهدأ من يشك في أن هناك تغييرا، وإعادة تأهيل الناس كلهم لعلاقات من نوع جديد بينهم وبين بعضهم، تعتمد الحقوق والواجبات فقط وتنسق الوساطة والمحسوبية والنفوذ. ثم الرقابة السريعة والمراجعة المستمرة لما تعثر وتأجل من مطالب، إنها أمور ليست مستحيلة في بلد أثبت الناس فيه إيجابية وانضباطا استحق احترام العالم كله، ليتنا نستبقي هذا الزمن وهذه المشاعر الوطنية الجارفة في مشروع قومي نقف وراءه كلنا، وليكن استرداد زراعة الأرض التي تم تبويرها لصالح المباني، وتشجير مصر وخطة لإنهاء العشوائيات.. فالعدالة تطالبنا بهذا أولاً.