صناعة الكعك فى البيت المصرى هو قمة السعادة لأهله وشعورهم بالعيد فلا تزال هناك سيدات يحملن الصوانى والصاجات على رؤسهن متجهات إلى المخابز فى انتظاره حتى منتصف الليل.لأن «العيد فرحة يأبو العيال وخلى العيال تفرح»..مع أقراص كقرص الشمس نقشت على جدران مقابر طيبة ومنف قبل أن تنقشه مناقيش ربات البيوت كعك العيد حشاها الفراعنة عجوة وزبيب..وحشاها الفاطميين دنانيير ذهبية.. يقول الدكتورصلاح الراوى أستاذ التاريخ أن كعك العيد هو أحد الموروثات الفرعونية فلم تختلف كثيرا عن صناعته الحالية ،وقد وردت صور مفصلة لصناعة كعك العيد فى مقابر طيبة ومنف من بينها ما صور على جدران مقبرة «رخمى _ رع» من الأسرة الثامنة عشر وتشرح كيف كان عسل النحل يخلط بالسمن ويقلب على النار ثم يضاف على الدقيق ويقلب حتى يتجول إلى عجينة يسهل تشكيلها بالأشكال التى يريدونها ثم يرص على ألواح الاردواز ويوضع فى الأفران كما كانت بعض الأنواع تقلى فى السمن أو الزيت.
وكانوا يشكلون الكعك على شكل أقراص أو بمختلف الأشكال الهندسية والزخرفية كما كان البعض يصنعه على شكل حيوانات أو أوراق الشجر والزهور ولا تختلف كثيرا عما هو مألوف حاليا.
كما يؤكد الراوى أن الفراعنة كانوا يقومون بحشو الكعك بالتمر المجفف «العجوة» أو التين ويزخرفونه بالفواكه المجففة كالنبق والزبيب أو الفطير الذى يصنعونه خصيصا عند زيارة المدافن فى الأعياد والذى يطلق عليه العامة اسم «الشريك» كانوا يشكلونه على شكل تميمة ست «عقدة إيزيس» وهى من التمائم السحرية التى تفتح للميت أبواب الجنة ويصنع اليوم محتفظا بشكله التقليدى القديم.
أما الكعك فى التاريخ الإسلامى فيقول الدكتور محمد نصر أستاذ التاريخ الإسلامى بأنه يرجع إلى كعك عيد الفطر عند الطولونيين حيث كانوا يصنعونه فى قوالب خاصة مكتوب عليها «كل واشكر»، ثم أخذ مكانة متميزة فى عصر الإخشيديين، وأصبح من أهم مظاهر الاحتفال بعيد الفطر.
وقد اهتم الوزير «أبو بمر المادرالي» بصناعة الكعك وحشوه بالدنانير الذهبية، وأطلق عليه اسم «افطن له» وتم تحريف الاسم إلى «انطونلة» وتعد كعكة «أنطونلة» أشهر كعكة ظهرت فى عهد الدولة الإخشيدية، وكانت تقدم فى دار الفقراء على مائدة «200 متر وعرضها 7 أمتار».
وفى عام 1124 ميلادية خصص الخليفة الفاطمى مبلغ 20 ألف دينار لعمل كعك عيد الفطر، فكانت المصانع تتفرغ لصنعه منذ منتصف شهر رجب، وكان الخليفة يتولى توزيعه بنفسه. وكانت مائدة الخليفة العزيز الفاطمى يبلغ طولها 1350 مترًا وتحمل60 صنفًا من الكعك والغريبة، كما أنشأت فى عهده أول دار لصناعة الكعك سُميت «دار الفطرة» وكان حجم الكعكة الواحدة فى حجم رغيف الخبز، كما تم تخصيص 16 ألف دينار لإعداد ملابس لأفراد الشعب بالمجان، ولذلك أطلق على عيد الفطر «عيد الحُلل».
من الطريف أن الوقفيات فى القرنين الرابع عشر والخامس عشر الميلاديين كان لها اهتمام كبير بالكعك؛ فيذكر أن وقفية الأميرة «تتر الحجازية» تأمر بتوزيع الكعك بأنواعه المختلفة على المدرسين والموظفين الذين يعملون فى مدرستها.
وفى متحف الفن الإسلامى بالقاهرة توجد قوالب الكعك عليها عبارات «كل هنيئًا واشكر» و«كل واشكر مولاك» وعبارات أخرى لها نفس المعنى.
ويضيف نصر أن النساء اللاتى كن يعملن فى خدمة البلاط الفاطمى قد أخرجن منه ولجأت بعضهن إلى استغلال خبراتهن المهنية لكسب العيش مثل «حافظة» التى ذاع صيتها فى بداية العصر الأيوبى بوصفها أفضل من يقوم بعمل كعك العيد ولعلها كانت من المشرفات على «دار الفطرة» الفاطمية وهى الإدارة التى كانت تعنى بعمل كعك عيد الفطر. وقد اكتسبت منتجات حافظة شهرة واسعة فى أسوق القاهرة حتى أصبح «كعك حافظة» بمثابة علامة تجارية بمفهومنا الحديث.
كما يضيف الراوى أنه فى أواخر شهر رمضان كان الناس يبدأون فى إعداد و تجهيز الكعك لعيد الفطر، كما كان هناك من يبيع الكعك جاهزا وأغلب باعته كانوا من اليهود،كما كانت دار الفطرة تعد كميات هائلة من الحلوى كالجبال يعدها متخصصون قد يصل عددهم للمئات ويتقدمهم «المقدم» أو الرئيس، لتوزع الحلوى بالمجان على الناس «حلاوة العيد.