شاركت في ندوة عن أخلاقيات ثورة 25 يناير الاسبوع الماضي بساقية الصاوي، نظمتها مبادرة (عيش وملح) وهي مبادرة شبابية تكونت مؤخرا من أجل العمل علي بث روح التسامح بين المسلمين والمسيحيين، تحدث في الندوة المفكر الاسلامي فاضل سليمان، والاب / وليم سيدهم اليسوعي، ولفيف من الشباب والشابات من قادة الثورة، أستعرض المفكر فاضل سليمان رؤية الاسلام للدولة المدنية مؤكدا أن الاسلام الحنيف لم يعرف الدولة الدينية، وأشار الاب وليم سيدهم إلي رؤية لاهوت التحرير لتحرير الارض والانسان ، وأكد أن المسيحية لا تبحث عن سلطة زمنية، وأضاف مشيرا إلي دور مراكز الجزويت الثقافية في البحث الدائم عن لاهوت تحرير عربي اسلامي مسيحي، تحدث د.أحمد عبد الله عالم النفس المعروف عن التغير النفسي والسلوكي الذي أحدثته الثورة في المجتمع المصري ، وتوقف كثيرا أمام قيم التسامح والتعددية وعدم نفي الاخر وغيرها من القيم التي اخرجتها الثورة من الوجدان المصري. وتحدث أحد المصابين في يوم جمعة الغضب وهو المهندس مينا ناجي الذي أصيب ب 64 شظية مؤكدا أن الذين نقلوه إلي المستشفي هم شباب حركة الاخوان المسلمين، وقالت الباحثة ريهام رمزي إن أخلاقيات التحرير الثورية أحدثت تغيرا كبيرا داخل المؤسسات الدينية، ونقلت إلي داخل الازهر والكنيسة مفاهيم الحداثة والتعددية ، وأثرت علي صورة المسلمين والعرب في الغرب فيما يعرف "بالاسلام فوبيا" وبدلت صورة المسلم في الغرب من (الارهابي) إلي صورة المناضل السلمي، وعددت ريهام رمزي صور عاشتها في ميدان التحرير مع الاخوان المسلمين والسلفيين كانت مليئة بالتسامح واحترام الاخر. وأشارت إلي دور الشباب المسيحي في الثورة والذي استطاع أن يضغط علي المؤسسة الدينية لكي تبدل من موقفها المتردد إلي موقفها المؤيد للثورة، وتحدث الأستاذ الهندسة د. جون ماهر عن دور الثورة في تغيره علي المستوي الشخصي ، وكيف أنه وزوجته مريم لم يشاركا في مظاهرات الغضب القبطي التي حدثت بعد حادث كنيسة القديسين، لانه رأي في ذلك مجرد حادث إرهابي، ولكنه شارك في ثورة 25 يناير لانه ادرك أن الثورة سوف تغير الوطن، أما الفنان المسرحي مصطفي وافي فتحدث عن عمق علاقته الانسانية والسياسية مع وليم سيدهم ليس بصفته مسيحيا أو كاهنا ولكن بصفته مثالاً حقيقيا للمواطن والمثقف المصري الثوري الاصيل ودعا إلي عدم العودة إلي الثنائية (مسيحي مسلم) والتوجه نحو خطاب موحد إنساني يرتكز علي قيم المواطنة . وتعددت المداخلات من شباب آخرين وانصبت في مجملها حول الاخلاقيات الثورية لميدان التحرير ، مؤكدين جميعا أن النظام القديم وأجهزته الامنية نجحت في احداث الوقيعة والتخوف المتبادل بين عنصري الامة. وتركزت مشاركتي علي عدة نقاط هي. 1- قدمت شهادة حياة عن دور القوي الاسلامية في الثورة بالاسكندرية، حيث عشت الثورة وشاركت فيها منذ يوم 25 وحتي 9 من فبراير، وشاهدت بأم عيني كيف أن جماعة الاخوان المسلمين خاصة شباب كانوا يمثلون قوي لا يستهان بها في الثورة ولكنهم تحلوا بالتواضع وإنكار الذات ولم يحاولوا فرض شعاراتهم أو سيطرتهم علي الفاعليات والمظاهرات، كما انني شاهدت أعضاء الحركة السلفية بالاسكندرية يقومون بتنظيم المرور وحماية الممتلكات بما في ذلك الكنائس ، ولديه عدة بيانات للحركة تدعو إلي ذلك . 2- علي الجانب الاخر شارك الشباب المسيحي جنبا إلي جنب في الثورة دون اذن من أحد، وقام بالصلاة مع الجموع الاخ الراهب اليسوعي المهندس عاطف صبحي، كما أقام الاب/هنري بولاد اليسوعي قداسا في كنيسة سيدة مصر علي أرواح الشهداء داعيا إلي نصرة الثورة والحفاظ علي الدولة المدنية مشاركا في الثورة بالصلاة والتوقيع علي العديد من البيانات . حدث ذلك رغم أن بعض قيادات الكنائس القبطية الثلاثة ( الارثوذكسية، الكاثوليكية، البروتستانتية) والذين لم يتفقوا علي طبيعة المسيح منذ القرن الخامس الميلادي اتفقوا علي طبيعة الرئيس السابق مبارك، ولكن نحمد الله أن ألهمهم الرؤية الصائبة وصححوا من موقفهم جنبا مع جنب مع المؤسسة الدينية الرسمية الاخري وهي الازهر الشريف التي كانت في وقت سابق تحرم المظاهرات!! 3- وبعد أن هنأه الجميع بنجاح الثورة أعربت عن قلقي في أن يعيد التاريخ نفسه ، وقلت كيف تم تفريغ ثورة 19 من مضمونها عبر انقسامات ثوار الوفد علي بعضهم البعض، من السعديين إلي الكتلة مرورا بالاحرار الدستوريين ، الامر الذي ادي إلي تعطيل دستور 1924 ، الذي لم يطبق سوي سبع سنوات منذ اقراره حتي 1952 ، بل وشاهدنا ثوارا سابقين مثل محمد محمود باشا صاحب القبضة الحديدية والثائر السابق صدقي باشا الدكتاتور وكلاهما قمعا المظاهرات وزور الانتخابات..الخ. 4- كما انني شاركت في انتفاضات 72 و73 وكيف انهما ساهما في بث الروح الوطنية وصولا للعبور العظيم، وما ارتبط بذلك العبور من تجليات لقيم اخلاقية عظيمة للشعب المصري، ولكن كل ذلك تم تفريغه من مضمونه عبر الانفتاح الاقتصادي وسيطرة رأس المال علي الحكم. 5- ما انتهيت إليه أن اخشي ما اخشاه أن تتحول هذه الاخلاقيات المدنية العظيمة بفعل (النحر) المرتبط بنزعة الانتقام والثأر بحيث يتم تفريغ كل ذلك من مضمونه، وناديت بضرورة الالتزام بدولة القانون والتعددية وهما الضمانتان الوحيدتان للحفاظ علي الاخلاقيات الثورية. ولكن الضمانة الحقيقية هي الشعب المصري، ومن يتأمل حلقات الثورة المصرية الوطنية منذ تأسيس الدولة الحديثة 1805 ، سيجد أن الشعب المصري ثار وانتفض في: (ثورة عمر مكرم 1805، الثورة العرابية 1882بقيادة أحمد عرابي، ثورة 1919 بقيادة سعد زغلول، ثورة 1952 بقيادة جمال عبد الناصر، انتفاضات 1968، 1972،1973 بقيادة الحركة الطلابية وفي مقدمتهم المهندس عاطف الشاطر، الراحل الكريم د. أحمد عبد الله روزه، المهندس أحمد بهاء الدين شعبان، الطالبة سهام صبري، انتفاضة يناير 1977 بقيادة طلائع اليسار المصري ، ثورة 25 يناير بقيادة طلائع الشباب المصري العظيم). إننا أمام 9 ثورات وانتفاضات فيما يقارب قرنين من الزمان أي بمعدل ثورة أو انتفاضة كل ربع قرن تقريبا ذلك الذي لم يحدث في أي دولة في العالم، إضافة إلي تعدد القيادات من فلاحين لكبار ملاك، عسكريين، شباب وطلاب، مثقفين، رجال أعمال، رجال دين. ذلك هو الشعب المصري وتلك هي الضمانة.