موقفان لهما أبعاد إقليمية.. صدرا خلال يومي الخميس والجمعة عن مصر.. الأول بخصوص قناة السويس والثاني بخصوص معبر رفح.. الموقفان يستحقان التعمق لأنهما يعبران عن توجهات إقليمية ودولية لها تأثير علي الداخل المصري. بمجرد أن تولي المجلس الأعلي للقوات المسلحة صلاحياته في إدارة شئون البلاد، كان أن أعلن التزامه بالاتفاقيات والمعاهدات التي وقعتها مصر. هذا الإجراء الروتيني المتوقع من أي قيادة جديدة لأي دولة محترمة.. له أهميته القصوي في حفظ المركز القانوني للدولة.. وحماية مواصفاته وتبعاته.. خصوصا إذا كان الالتزام بتلك التعهدات هو أحد أهم مقومات الاستقرار.. فقد تأتي دولة وتقول إنها غير ملتزمة باتفاق ما.. ويكون لهذا النقض تبعات عسكرية وقانونية. في ضوء هذا الالتزام لم يكن من الممكن توقع أي موقف آخر من السلطة العسكرية الحاكمة لمصر بشأن ما أثير حول السفينتين العسكريتين الإيرانيتين.. والتي سارعت إسرائيل لكي تقول إن هناك مخاطر من عبورهما من قناة السويس في الاتجاه إلي أحد الموانيء السورية. لقد كان موقف مصر هو: السماح بمرور السفينتين. كيف نقرأ هذا القرار قانونيا وسياسيا: هناك اتفاقية معروفة وقعت في عام 1888 بخصوص الملاحة في قناة السويس.. اتفاقية القسطنطينية. وهي تفرض علي مصر أن تسمح بحرية الملاحة لكل الدول.. أيا ما كانت.. إلا إذا كانت مصر في حالة حرب مع دولة ما.. وأن يكون هناك احتمال بوجود تهديد خطير لمجري الملاحة نتيجة لمرور هذه القطع البحرية. عمليا.. هناك اختلاف سياسي مع إيران.. لكن مصر ليس لها موقف حاد أو حالة حرب معها.. كما أنه لا يمكن توقع أن تؤدي سفينتان من هذا النوع (العجوز) إلي التأثير علي مجري الملاحة.. خصوصاً أن قيمتهما البحرية ليست كبيرة وفقاً لتقديرات المتابعين. مصر وفقا لاتفاقية القسطنطينية لا تمنع مرور السفن الإسرائيلية.. كما لم تستجب إلي النداءات الصاخبة التي وجهت لها في عام 2003 بشأن القطع البحرية الأمريكية وقالت وقتها إنها لايمكن إلا أن تسمح بعبور السفن الراغبة في العبور طالما أن هذا يخضع لشروط الاتفاقية. هذا له معني مستقبلي مهم للغاية.. وهو أنه إذا كانت بعض الدول لأسباب ايديولوجية سوف تحاول أن تمارس ضغوطا سياسية أو إعلامية علي مصر بشأن عبور بعض القطع البحرية.. فإن المرجعية الملتزم بها هي الاتفاقية.. ولا مجال للمزايدات. الصخب الذي أثير حول موضوع السفينتين صدر عن إسرائيل.. وأعتقد أن هدفها أن تضع الأمر في فناء مصر.. وهو هدف ساذج.. وفي ذات الوقت فإنني أعتقد أن إيران نفسها قد ساهمت في هذا الصخب.. بقصد أن تضع بدورها الأمر في فناء مصر أيضا.. وقد كان الموقف المصري واضحاً جداً.. السفن تذهب بعيداً عن أي فناء يخصنا.. وتعبر من المجري الملاحي الدولي الذي نسيطر عليه وفق لاتفاقيات.. والمعني الضمني هو أن من يريد شيئا من الآخر ليقرر أمره بعيداً عنا.. إيران أو إسرائيل. السؤال الآن هو: هل إيران سوف تدفع بالسفينتين إلي العبور من القناة.. أم أن الأمر انتهي عند هذا الحد وليس لديها رغبة لا في تعضيد حماس.. ولا في مساندة حزب الله.. ولا في دعم سوريا.. وإنما كانت لديها رغبة في أن ترد علي أن مصر أرسلت قطعا بحرية للتدريب المشترك مع الإمارات في يناير الماضي.. أم أن المسألة لا تحتمل كل هذا التحليل وليست لها تلك الأبعاد. المسألة الثانية التي تستحق التأمل، هي القرار الذي صدر بفتح معبر رفح لبضعة أيام لكي يمر منه العالقون والحالات الإنسانية. فيما أعتقد فإن هذا الإجراء يتم فحصه منذ بضعة أيام.. إذ إن له ترتيبات معقدة علي مستويات مختلفة.. خصوصا أمنيا.. وقد زادت أهمية تلك الترتيبات الأمنية بعد أن وقعت جريمة كنيسة الإسكندرية.. وكذلك بعد أحداث 25 يناير وهروب عناصر حماس وحزب الله التي كانت حبيسة في السجون المصرية.. بخلاف أمور أخري. المعبر نفسه كان قد تغير الموقف بخصوصه منذ أشهر.. مصر كانت قد أغلقته تماماً تقريباً منذ حرب غزة.. وكانت تفتحه لماما من أجل الحالات الإنسانية. ثم قررت مؤخرا أن تفتحه بصفة مستمرة.. طوال الوقت.. وهو علي كل حال تصرف لم يحظ بالتمجيد الإعلامي اللازم ولا أعتقد أنه أنهي تجارة الأنفاق الخطرة.. ومن ثم عاد الترتيب إلي إغلاق المعبر لبضعة أيام في الشهر تكون الحركة عليه فيها خفيفة وأقل من المعتاد.. ثم حين وقعت أحداث 25 يناير كان أن أغلق المعبر.. وتراكم عدد العالقين الراغبين في أن يعبروا من علي الجانبين. لقد ربط بعض المعلقين - يختلفون طبعا عن العالقين - بين ما قاله الدكتور يوسف القرضاوي في خطبة ميدان التحرير وقرار فتح المعبر بعدما قاله بساعات.. وهو ربط يفتقر إلي المعلومات في تقديري.. ولا يستند إلي تراكم تاريخي بشأن التصرفات المصرية التي تبني مؤسسيا بخصوص أوضاع عديدة.. ولا تتعلق بفرد أو حاكم.. هذه دولة لها منهج.. ولا تحركها الأهواء. www.abkamal.net - [email protected]