الحديث عن الدولة المدنية في مصر اليوم بمعزل عن الديمقراطية الليبرالية هو طبل أجوف وتكرار متعمد لأخطاء العهد البائد، لماذا ؟ .. لأنه في غياب الدعائم الليبرالية السياسية يمكن أن تؤدي الديمقراطية إلي الفاشية والنازية، كما يقول أستاذنا الدكتور فؤاد زكريا، وتصبح وسيلة لسيطرة التيارات العنصرية التي لا تؤمن بالديمقراطية من خلال الانتخابات نفسها، أي ضرب الديمقراطية بسلاح الديمقراطية. المثال الأبرز علي ذلك هو " هتلر " الذي فاز في الانتخابات الألمانية وألغي الديمقراطية عمليا بسلاح الديمقراطية، وهو مشهد تكرر في الجزائر ومع حماس. إذن السبيل إلي الدولة المدنية في مصر هي الديمقراطية الليبرالية والمؤسسات الدستورية والقضائية المستقلة وحقوق الأفراد وحقوق الأقليات وحرية العقائد، كما يقول الدكتور خالد يونس خالد في بحثه القيم : الديمقراطية الليبرالية والدولة المدنية الدستورية : الذي قدم في مؤتمر دعم الديمقراطية في لندن، ونشر موجزه في - دروب - علي حلقتين ( 2 أكتوبر و17 نوفمبر 2007 ) . مهمة الدولة المدنية، كما حددها جون لوك، هي المحافظة علي كل أعضاء المجتمع بغض النظر عن الدين أوالجنس أوالفكر. فهي تضمن حقوق وحريات جميع المواطنين باعتبارها دولة مواطنة، تقوم علي قاعدة ديمقراطية هي المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات. وعليه فالمواطنون لهم حقوق يتمتعون بها، مقابل واجباتٍ يؤدونها. وهذه المواطنة لصيقةٌ كليا بالدولة المدنية، فلا دولة مدنية بدون مواطنة، ولا مواطنة بدون دولة مدنية. وعليه فالمواطنة لا تتحقق إلا في دولة مدنية ديمقراطية تعددية دستورية تصون كرامة المواطن وقناعاته في ممارسة معتقداته وأفكاره بالشكل الذي يؤمن بها في إطار الدستور الذي أقره الشعب. والمواطنة حسب «مونتسكيو» في كتابه «روح القوانين» أو الشرائع، هي الفضيلة السياسية في الدولة المدنية. ذلك ان مفهوم الوطن يقترن بمفهوم المساواة، المساواة في الحقوق، والمساواة أمام القانون، أو قل «المساواة السياسية»، ولذلك كان حب الوطن أو حب المساواة فضيلة سياسية. أي أن المساواة السياسية بهذا المعني مقدمة لازمة وشرط ضروري للمساواة الاجتماعية. لقد جعل «الوطنية» صفة للدولة وتحديد ذاتي لمواطنيها، وهي علي الصعيد القانوني ترادف «الجنسية»، وحسب «حنا أرندت» فإن الجنسية هي «الحق في أن يكون لك حقوق» إذ أن جميع من يحملون جنسية دولة معينة هم مواطنوها، بغض النظر عن انتماءاتهم الأثنية أو اللغوية أو الثقافية أو الدينية، وبصرف النظر عن اتجاهاتهم وميولهم الفكرية والأيديولوجية والسياسية. ويمكن القول أن الوطنية هي التحديد الأخير لمواطن دولة ما، وهو تحديد لا ينفي أو يلغي عن هذا المواطن انتماءه الأثني أو اللغوي أو الديني ... ولكنه ينفي أن يكون هذا الانتماء » ما قبل الوطني « هو ما يحدد علاقته بالدولة، ويعين من ثم حقوقه التي هي واجبات الدولة، وواجباته بما هي حقوق الدولة وحقوق المجتمع. معني ذلك أن الديمقراطية الليبرالية تستند إلي دستور مدني يحقق المواطنة، هي " علمانية " بالضرورة . والعلمانية كمفهوم فلسفي - سياسي، تفصل السياسة عن الدين ولا تتناقض مع الدين، أو تتعارض مع حق جميع المواطنين في ممارسة عقائدهم بحرية كاملة، حسب د. خالد، بينما تكَفر الدولة الدينية فصل السياسة عن الدين، لأن المعارضة في الدولة الدينية ممنوعة باعتبارها مخالفة لشرع الله، في حين أن المعارضة واجبة وضرورية في الدولة العلمانية الديمقراطية الليبرالية الدستورية التي تؤمن بالتعددية كحالة صحية. أضف إلي ذلك أن الدولة الدينية ترفض الديمقراطية لأن الشعب ليس مصدر السلطات وإنما الشرع الديني، وبذلك ليس للشعب دور في الحكم. ولا يمكن بناء الدولة المدنية في ظل الدولة الدينية، لأن العقيدة، أية عقيدة، لا تؤمن بحق جميع المواطنين علي قدم المساواة طالما أن القانون الديني يميز بين العقائد. ومن هنا تبرز أهمية حرية العقيدة في الدولة المدنية، التي هي علمانية بالضرورة، حيث تسمح بممارسة المواطنين لعقائدهم بحرية وبدون تمييز وبنفس الشروط علي أساس حق الجميع في المواطنة بالتساوي.