مساء الجمعة 11 فبراير خرج نائب الرئيس عمر سليمان ليعلن بيانا قصيرا من 27 كلمة، وبصوت ممزوج بالحزن والتأثر أعلن تخلي رئيس الجمهورية عن منصبه، وتفويض صلاحياته للمجلس الأعلي للقوات المسلحة، كان حزن هذا الرجل العسكري علي نهاية فترة رجل يدين له بالولاء، لكنها لم تكن بأي حال من الأحوال مشاعر نهاية رحلة سياسية قصيرة جدا لهذا الرجل في منصب نائب الرئيس استمرت 13 يوما فقط في فترة عصيبة جدا تمر بالوطن. في الأيام الثلاثة عشر التي ظهر فيها سليمان نائبًا للرئيس ضرب مثالا يجب الانتباه له في تنفيذ الأوامر التي تأتي من القيادة، وهو واحد من أهم التقاليد الراسخة في العسكرية المصرية، طلب منه الرئيس ترك منصب مدير المخابرات العامة فلم يتردد، وفوضه الرئيس في صلاحياته فتحملها، ثم صدر قرار الرئيس بالتخلي عن سلطته، وبالتالي خروج نائب الرئيس أيضا فقبل علي الفور وأذاع البيان بنفسه. عمر سليمان نموذج للشخصية المصرية الحقيقية التي تحب الوطن، وتؤمن بضرورة أداء الواجب مهما كانت الصعاب والمخاطر، وحتي حين تولي منصب نائب الرئيس فإنه قبل المنصب في هذه المرحلة الانتقالية، ولم يخف رغبته في إنهاء خدمته العامة للوطن بعدها، حتي يستمتع بأحفاده كما قال. ولد عمر سليمان في محافظة قنا بصعيد مصر في الثاني من يوليو 1936، وتخرج في الكلية الحربية عام 1954، وتلقي تدريبًا عسكريا إضافيا في أكاديمية فرونزي بالاتحاد السوفيتي، كما حصل علي الماجستير بالعلوم السياسية من جامعة القاهرة، إضافة إلي الماجستير بالعلوم العسكرية، وتدرج في القوات المسلحة حتي وصل إلي منصب رئيس فرع التخطيط العام في هيئة عمليات القوات المسلحة، ثم مديرا للمخابرات العسكرية، وفي 22 يناير 1993 عين رئيسًا لجهاز المخابرات العامة. وفي خضم عملية التغيير التي تعيشها مصر الآن، لا يجب أن ننسي الأخلاق المصرية الأصيلة التي نشأنا عليها، ولعل من أهمها أن نقول لرجل أمضي 57 عاما في خدمة الوطن، وفي أخطر وأهم المناصب، وفي أدق المراحل وأكثرها صعوبة كلمة شكر. انتهي عصر الجمهورية الأولي في مصر بكل ما لها وما عليها، ونحن الآن علي مشارف جمهورية جديدة، لم تتحدد معالمها بعد، لكنني أتمني أن تكون البداية الجديدة خالية من تصفية الحسابات مع كل من انتمي إلي المرحلة السابقة، فمصر ليست شعبا من الخونة والفاسدين، وفيها الكثير من الرجال الذين تولوا مناصب وحملوا مهام صعبة علي أكتافهم ونهضوا بها.. وفي هذه المرحلة الجديدة من حياتنا مطلوب منا أن نترك القانون يأخذ مجراه مع من أفسد.. ولا نفتح محاكم تفتيش تفتش في ضمائر الناس، ولا نعتبر كل من كان شريكا في الفترة السابقة عارا يجب التخلص منه.