إذا كان هذا هو حال البلد كله.. فكيف يمكن أن تبرأ منه الصحافة.. لا سيما أنها خلقت هذا المناخ من الاستقطاب؟ بل وقادت إليه.. عن مناخ (تصفية الحسابات) في عالم الصحافة أتحدث.. وعن مناخ محاكم التفتيش الذي بدأ ينتشر أتكلم. مبدئيا: كل هذا لا يمكن أن يحرك شعرة في رأس مهني أو شخص يقوم بمهمته وفق قناعاته.. حتي لو كنا في تلك المراحل الرمادية نتعرض لحملات تشويه مختلفة.. فإن هذا أمر لا بد من توقعه.. والتعامل معه برحابة صدر ورجاحة عقل.. إذا كان رئيس الدولة يُشتم ويطالب بعض الناس برحيله.. فكيف لا يحتمل الصحفيون بعضا من هذه الحمم البركانية التي تجري في المجتمع؟ وجهة نظري أننا أمام اختبار صلادة حقيقي.. المعادن تستبين فيه.. معادن المشوهين ومن يتعرضون للهجوم ومن ينتهزون الفرص.. والذي سوف يعبر هذا الاختبار هو الذي يريد أن يكسب نفسه بالطريقة التي يحترم بها ذاته.. والتي تحسب له في التاريخ.. والذين يؤمنون برؤي بعينها ومواقف محددة.. ويخلعونها الآن لا أعتقد أنهم سوف يجدون رصيدا في التاريخ فيما بعد. لا أعني بهذا أن علي البشر أن يكونوا جامدين.. أو أن يرفضوا التطوير.. ولكن أعني أن كل صاحب فكر عليه أن يثبت أنه كان كذلك.. ويدافع عن رأيه.. وعما يؤمن به.. وأما أصحاب المصالح والذين بلغوا مواقعهم بأي طريقة.. فهؤلاء أولي بهم أنفسهم. النقطة الثانية في هذا السياق تتعلق بموضوع تصفية الحسابات.. ففي ظل المناخات الرمادية والفائرة.. فإن البعض يظنها فرصة لكي ينال ثأرا.. أو يجهز علي خصم يعتقد أنه في حالة ضعف.. أو أنه حان الوقت للفوز بمغنم.. هذه طريقة معروفة.. وقد قلت في مجلة «روزاليوسف» قبل أيام إن هناك ما يعرف بأخلاق الميدان.. ليس أخلاق ميدان التحرير.. وإنما اخلاق ميدان النار.. حين يكون الحريق مشتعلا.. وحين تعج الساحة بظاهرة (فئران السفينة).. تلك التي تتوسع وتتزايد وتصبح في النهاية (سفينة الفئران). لا نريد اشتباكات الآن.. الوطن أولي بالجهد الذي سوف نستنفده في معارك استقطابية أو حزبية أو شخصية.. أعتقد أن علينا أن نضع مواصفات دور جديد لنا في الساحة.. هو للدقة الدور الواجب لنا.. أن نكون عقول تفكيره.. لا أدوات تفجيره.. أن نعين البلد علي اجتياز محنته.. أن نقدم من رؤانا ما يفيد البلد.. ويخدم أهدافه.. أن نفكر له.. أن نسهم في إيجاد حلول.. أن نكون عقولا.. لا معاول إضافية. في لقائنا بالأمس مع السيد نائب رئيس الجمهورية عمر سليمان دار حوار حول شطر من هذا المعني.. طالبنا هو بأن نقدم مما لدينا من رؤي من أجل اجتياز المواقف والأزمة الحالية.. لم يتكلم بالطبع عن تصفية الحسابات بين الصحف والصحفيين.. لكن هذه الظاهرة التي لم يتكلم عنها كادت تطرح نفسها علي المائدة.. لولا العقل الحاكم لإدارة الاجتماع. بلدنا يحتاج الينا.. ولا بد أن نكون علي مستوي المسئولية.. وقد وجهت إلي في الأيام الأخيرة سهام من هذا النوع الراغب في جر الشكل.. أو التي تريد تصفية حسابات قديمة.. عمرها سنة.. أو عمرها ربع قرن.. ولن أستجيب لها.. ضميري الوطني والمهني والفكري يأبي ذلك.. أخلاقي لا تسمح لي بأن أدير وجهي في اتجاه الدفاع عن نفسي والاشتباك مع هؤلاء.. عندي موقف ولدي رؤية وفي عقلي استشراف.. ومن أجل مصلحة بلدي أترفع عن هذه الصغائر. هذه دعوة إلي الزملاء في مختلف الصحف: حكموا عقولكم.. واهدأوا قليلا.. الوطن يحتاج إلينا.. ولا يوجد منتصر في هذه المعارك الفارغة.. الخاسر هو البلد. الموقع الإلكترونى: www.abkamal.net البريد الإلكترونى : [email protected]