عهد القارئ دائما أن المقال يبدو من عنوانه فالسلام هو قلب وصلب وعصب الدين الاسلامي تماما كما أن المحبة هي خلاصة الدين المسيحي ولذلك فإن السلام والمحبة يبدآن بين أهل مصر طبقا للتاريخ القديم والمتوسط والحديث ففي عهد قدماء المصريين كانت الحياة تنعكس في إبداعات الناس من المهد إلي اللحد، حب العبادة والوطن والناس واضحا في حياتهم المرسومة علي البردي والمنحوتة علي الحجر، وفي التاريخ المتوسط كانت العلاقة الآمنة بين عائلة السيد المسيح وأهل مصر بعدها مع أهل الإسلام القادمين من جزيرة العرب علي أكمل وجه. وحديثا لا فرق بين رئيس الوزراء أو رئيس البرلمان القبطي أو المسلم بل هما نسيج واحد ولكن كي يعود السلام في مصر بين كل أبناء الوطن لا بد من تفعيل مصطلح المواطنة وإعلاء شأنه وأنه لا فرق بين هذا وذاك إلا بالعطاء، فإن السلام ليس مجرد كلمة ولكنه حالة خاصة وعامة أيضا، الكلمة تحتمل كل المعاني الدالة علي الكفاية والعدل وعلي حق كل المواطنين في العيش الكريم ولابد من المساواة بين الجميع من رواد المساجد والكنائس، وبين الجميع في العمل والإبداع وحرية الرأي والقول. ولا بد من تغيير النظرة الأحادية لخانة الديانة حيث لا مكان لها في قلب كل المواطنين ولا يعتد بها في درجة انتمائهم للوطن ولا بد من وقف كل أشكال التدين الظاهري والشكلي بين أبناء الوطن الواحد لأن الإيمان في القلوب والصدور وليس علي الرءوس أو الصدور، فقد كانت أوروبا قديما تفرض علي أصحاب الديانة اليهودية وضع علامات تميزهم علي الملابس والمنازل حتي يكون الاضطهاد ممنهجا وهذا لم يحدث في صدر الإسلام ولا في صدر الدولة المصرية في عهد محمد علي وأولاده، ولا يجوز أن يحدث في هذا العصر، كما لم يحدث أي نوع من أنواع التحرش الديني كما قال فضيلة الإمام الأكبر، بل لم يقف أحد مع شيخ الأزهر الراحل حين قال إن نقاب الأطفال لا مرجعية له. وعندما أعلن وزير الصحة عن ضرورة البعد عن النقاب بين هيئة التمريض والطبيبات لم يلتزم البعض بذلك بل هاجمته قوات ظلامية في المجتمع كما هاجمت وزير التعليم ورجال الجامعات لنفس القضية. الأديان جميعها من مصدر واحد ولها هدف واحد وكلها لصالح البشر جميعا، كذلك العلاقات بين أفراد الوطن علي خير ما يرام ولكنها أصبحت علي غير ما يرام وهذا شيء مرفوض إنسانيا ووطنيا ولا بد من التسامح بين أبناء الوطن الواحد بما يطفئ لهيب الاحتقان في الوظائف وفي الدراسة وفي التعيينات، وعند الترقي للمناصب القيادية ولا يهلل الناس لأن هناك مدرسة خاصة كل العاملات بها منتقبات ولكن الدراسة خليط ما بين مناهج اللغات والدين، وبالطبع تحظي من الأمهات المنتقبات بكل الدعم اللوجستي. ناهيك عن اعتزال بعض الفنانات وارتدائهن الحجاب والنقاب كما لو هذا المجال رجسًا من عمل الشيطان، نفس المنطق المقلوب في كليات الفنون وتجريم الرسم والإبداع حتي أن وضع الصور واللوحات في المنازل تجلب الشيطان من داخل جهنم إلي بيوت المسلمين، وبنفس المنطق السقيم يرفعون دعوي الحسبة ووقف العرض أو النشر لكل الأعمال التي لا توافق هواهم المريض. القضية يا سادة أننا في وطن واحد يجمع بين المسلم والقبطي فهل نحرق كل الفنون ونمنع الموسيقي ونعيش في جحور وكهوف الظلام في الوقت الذي سافر الناس للفضاء وتقدمت فيه كل العلوم وتأخرت فيه عقول لا تعتنق سوي الإسلام المتطرف الذي يمنع تهنئة غير المسلمين أو مشاركتهم أعيادهم بل والتصميم علي إقصائهم من المجتمع والحياة لو أمكن. ولقد قال صديقنا الدكتور ميلاد حنا أنه سوف يرحل عن مصر إذا تولي الحكم فيها هؤلاء المتأسلمين، ولكن كيف يعيش بعيدا عن مصر مستحيل بالطبع، ولقد كانت مصر مليئة برجال الأعمال من الديانات الأخري بل ومن الفنانين وذلك في عصر ما قبل الثورة. وكانت محلات داود عدس وصيدناوي وشيكوريل وجاتينيو وهانو والصالون الأخضر وبونتريمولي وغيرها مملوكة لغير المصريين بل ولغير المسلمين كانت من أرقي المحلات في مصر من حيث الإدارة والأمانة التي نفتقدها هذه الأيام والتي سادت فيها شركات الهدي والبركة والتقوي وبقية المسميات الشكلية وكان أهل الفن العربي يموج بأمثال زكي مراد وابنته ليلي وولده منير وكثيرون آخرون، والموضوع به الكثير مما يقال وربما نعود له سويا. كاتب وأستاذ جامعي