الرقابة على المصنفات الفنية» هى الفيصل الأساسى فى ظهور الأعمال الفنية للنور بمختلف أنواعها ولهذا لعبت دورًا كبيرًا فى احباط عدد كبير من المبدعين وكانت أكثر هيئات الدولة الثقافية تعرضًا للهجوم الحاد والاتهامات.. وفور قيام ثورة يناير قرر بعض المبدعين المطالبة بإلغاء جهاز الرقابة ليكن المبدع الرقيب الوحيد على نفسه والغريب ان من ضمن المطالبين بإلغائها هو رئيسها نفسه د. سيد خطاب والذى تولى مسئوليتها قبل أحداث الثورة بعام ونصف العام وما زال محتفظًا بمنصبه.. وعن هذا الجهاز دار هذا الحوار.
▪ هل حدث تغيير فى الرقابة بعد أحداث ثورة يناير؟
- كمؤسسة لا يمكن أن تتغير بهذه السهولة، ونحن نقوم بتنفيذ نفس القوانين الرقابية الموضوعة منذ فترة الخمسينيات وحتى الآن نعمل بها لأنها لم تتغير بعد.. ولكن ما تغير هو رؤية كل من الرقيب والمبدع على حد سواء فقد تفتحت أمامهما مساحة من الحرية لمناقشة المواضيع السياسية الجريئة والروح الجديدة الخاصة بالثورة لا يستطيع أحد كبتها.. فعلى الرغم من ثبوت القوانين إلا ان المتغيرات الاجتماعية والثقافية تحكمنا بشكل كبير.
▪ ما الخطوط الحمراء التى كانت توضع أمامك كرئيس للرقابة قبل الثورة؟
- كان من الممكن ان نظهر الفساد فى بعض الأجهزة مثلما تعرضت العديد من الأعمال لإظهار النماذج الفاسدة داخل جهاز الشرطة وإظهار بعض الممارسات حتى انها كانت تحدث ضجة كبيرة ومنها على سبيل المثال فيلم «هى فوضي» للمخرج الراجل يوسف شاهين.. وكانت هذه المحاولات الابداعية متنافرة وقليلة ولكن بعد الثورة أصبحت أكثر وضوحًا وجرأة حتى أننا نتعامل مع أعمال تنتقد النظام بأكمله..
ولكن لم تظهر أعمال تنتقد شخص الرئيس السابق قبل الثورة..
وكانت الثقافة السائدة بين المبدعين انه لا يعلم شيئاً عن كم الفساد وأن المثقفين والمبدعين عندما يواجهون مشكلة يناشدون رئيس الجمهورية لكى يتدخل وكأنه لا يعلم شيئًا.. فمثلاً فيلم «صرخة نملة» تمت الموافقة عليه قبل الثورة وكانت نهايته بذهاب هذا الشاب لموكب الرئيس ليعطيه رسالة يشرح له فيها أوضاعه الصعبة.
▪ هل كان يتم عرض الأفلام التى ذكر فيها شخص الرئيس السابق على القصر الجمهورى أو رئاسة الوزراء؟
- أرجوكم لا تصدقوا مثل هذه الشائعات فنحن كجهاز رقابى لا نعرض الأعمال على أى جهة من جهات الدولة سوى جهات محددة وفى موضوعات محددة هى الجهات السياسية والتى تعرض عليها الموضوعات التى تمس الأمن القومى ومنها جهاز المخابرات المصرية..
وكذلك القوات المسلحة.. كما أننا نضطر إلى ارسال بعض الأعمال التى تمس العقيدة والديانة إلى الجهات الدينية وهما الأزهر والكنيسة.
▪ لو تم تقديم عمل ينتقد الرئيس الحالى هل ستعرضه على أى جهة سياسية أم سترفضه؟
- كله يقاس على أساس الموضوع وطريقة المعالجة والنقد فأنا لست معينًا بالأقوال ولكن بزاوية الرؤية..
وكانت مشكلة الرئيس السابق انه كان ينتسب لمؤسسة عسكرية وبالتالى تنطبق عليه أحكام هذه المؤسسة ولكن هناك ميزة فى الرئيس مرسى وهو انه أول رئيس مدنى فمن الممكن التعامل معه دون قيود قانونية ولكن لا يزال هناك حقه كمواطن لا يمكن التشهير به.
▪ هل معنى ذلك أنه سيتم تقليل المشاهد الساخنة من الأفلام فى ظل الحكم الإسلامي؟
- طالما المجتمع يرى أنها لا تناسبه فى الوقت الحالى فسوف يتم تقليلها لأننا من أساسيات عملنا أن نقوم بتقديم ما يرضى المجتمع وعاداته، ولكن هذا الشأن سوف يحدده المنتج والمنتج لأنهما لا يريدان خسارة المجتمع والنفور من عملهما خاصة المنتج الذى يقدم على إنتاج ما سيرضى المجتمع وبالتالى سيجنى من ورائه المكاسب أى أنه عندما يتغير فكر المجتمع نحو جزء أو موضوع معين لن نجد الكثير من المبدعين يقدمون ما غضب هذا المجتمع فيتحول المبدع وصاحب العمل الفنى إى رقيب نفسه حتى أن هناك منتجين كانوا يقدمون سلعًا فيلمية معينة يجب أن ينوعوا فيها حتى لايخسروا الجمهور أو دفاعهم لهجومه.
ولماذا رفضت سيناريو بعض الأعمال بعد الثورة والتى تتعرض لشخص الرئيس السابق؟
- لحظى الجيد هو أن أول فيلم قمت بايجازته للتصوير منذ توليت هذا المنصب هو فيلم «الرئيس والمشير» وهو الفيلم الذى كان يحمل العديد من المشاكل السياسية.
أما بالنسبة لباقى الأعمال فمثلا لدينا مسلسل «المزرعة» للكاتب محسن الجلاد وهو عمل قائم على الصراخ السياسى والانتقادات المباشرة الساخرة فالرئيس السابق مبارك بعدما فقد صفته العسكرية أصبح حاليا لا يمكن انتقاده أو التشهير به لأن القانون يكفل له حقوقه كمواطن لا يمكن إتهامه إلا بعدما تنتهى قضيته وتثبت إدانته وينطق الحكم النهائى عليه وهذا حقه الدستورى ولا أستطيع أن أتدخل فى القانون.
▪ ما القوانين التى تعرقلك ويجب تغييرها؟
- المؤسسة كلها تحتاج لتغيير جذرى وتطوير وليست القوانين فقط فنحن فى عصر مختلف فنحن فى عصر الأقمار الصناعية والانترنت فعلينا تطوير دورها وهيكلتها السياسية.. فدورنا يحتاج لحماية المبدع وحرية الإبداع بشكل كبير لأنه لن تتواجد أى نهضة فى أى دولة فى ظل كبت حرية الإبداع ودور الرقيب والمبدع والإعلامى هو حماية المجتمع.. إحنا محتاجين سياسة جديدة تحول المؤسسة من رقابة على المصنفات إلى مراجعة وتقييم للمصنفات من حيث الشكل والفئات العمرية الملائمة لها وهذا القانون له إعداد قائم ودراسة ونملكها من قبل حدوث الثورة وكان قد وافق عليه فاروق حسنى وكل الوزراء يعلمون أن هناك اقتراح تعديل للرقابة لتتحول لمؤسسة لحماية الحقوق الفكرية للمبدعين وحقوق التنازلات بالإضافة إلى مشروع العقد الموحد ويبقى عندنا العقد الفنى واحد يسهل عملية الضرائب.. وإعادة حقوق الإبداع العلنى وفى نفس الوقت تحافظ على تنوع أفكار المجتمع المصري.. فكرنا فى أن نحولها لمكان يجتمع به كل الفئات المجتمعية وتشارك الآراء ونقيم ندوات ومكتبة سمعية وبصرية دون تكلفة الدولة شيء.
كما نريد ان تتحول لجنة المشاهدة إلى شكل جديد يجمع بين مختلف الفئات العمرية والثقافية مثل هيئة المحلفين لتكون المشاهدة بتصور مجتمعى لتتمتع بقدر كبير من الشفافية.. ولا أمل لأى ثقافة مقبلة تقوم على سياسة بناء الأسوار.
▪ هل سيمكن تنفيذ مثل هذا القدر من الحرية فى الفترة الحالية؟
- بالنسبة للناس المتشائمة أريد أن اطمئنها بأن أى سياسة ثقافية فى عصر السموات المفتوحة تبنى على سياسة الأسوار، أصبحت محالة ولا أمل لأى دول تريد النهوض وممارسة دورها فى العالم أن تكون منغلقة، خاصة فى الإبداع والمعرفة وهذه فلسفة ضد التاريخ وضد عصر التكنولوجيا. فالتكنولوجيا ستحطم أى أسوار التى سيحاول أى شخص بناءها.. ويجب على الثقافة المصرية ان تقوم على التعدد والتنوع الإبداعى للوصول للعالم.
وأى مشروع نهضة لمصر سيقوم على الصناعة المصرية التى تصنع فى مصر كلها 100٪ نستطيع أن ننهض بهذه الصناعة لتصبح من أهم عوامل الدخل القومى للبلد.. وأى مشروع لنهضة الدولة لا يضع فى حساباتها تطوير صناعة السينما وحرية الإبداع والثقافة سيكون به خلل كبير لذلك ارى أن أغلب الناس ستلتفت لأهمية صناعة السينما فى المرحلة المقبلة.
▪ وما ردك على اعتراض المبدعين بخصوص عرض أعمالهم على الهيئات الدينية؟
- نحن لا نعرض كل الأعمال التى تناقش زوايا دينية ولكننا نهتم بالتى يوجد بها جانب عقائدي.. فالمبدع يجب أن يكون على دراية بمجتمعه ما يغضبه وما يتقبله. ونحن من أكثر الشعوب التى تهتم بجانب الدين بشكل خاص لذلك نقوم بعرض المواد التى ترجع للعقائد فقط على الأزهر أو الكنيسة وذلك لعدم خبرة الرقباء أو المبدع بالأمور الدينية كلها فأنا فنان لماذا لا أستشير من هم أكثر علمًا منى لأتأكد من معلوماتي.. ثم إن بعض المبدعين يهرب من الأمور باسناد مثلاً بعض القصص للخيال والإبداع ويفصلها عن الواقع لأن هذه المؤسسات تعترض أو تراجع المادة العقائدية فقط وليست الفكرية.
حتى بالنسبة للجهات السياسية فلو ذكر المؤلف ان هناك قصة بطولية من نسيج خياله غير انه يقول إنها من ملف المخابرات التى يجب عرضها عليها قبل الموافقة.. الواقعية دائمًا ما تكون صادمة للمبدع، فكلما ارتبط بالواقع أكثر كلما تحاكمت بقوانين الواقع، وكلما تعاملت مع المستويات الفنية الأخرى تزيد من مساحة المعالجة الإنسانية التى يصعب مقاومتها بالقوانين الاجتماعية.
▪ ما الخط الأحمر الذى لايجب تخطيه؟
- رفض الأعمال التى تمس مصالح الدولة العليا والآداب العامة والمصالح العامة ولكن هذا يترتب على آليات المبدع فى اختيار زاوية الرؤية التى يقدم بها فكرته وفنه دون قيود.. ولكن هذه الخطوط ليست الا مفاهيم عامة وقوانين مرنة مستمرة منذ عام 1955 وتفاعل معها عدد كبير من المبدعين وطبقات كبيرة من المجتمع فبعضهم يرحب بها والبعض ينتقدها بشدة..
ولكن من وجهة نظرى انها نجحت فى التقريب بين فكر المبدع والمجتمع بشكل كبير.
▪ هل الرقابة كانت عائقًا أمام أفلام الثورة كما قيل؟
- التقصير فى الأعمال التى تتناول الثورة تقع على المبدع نفسه فأغلبهم تبنوا المنهج الوثائقى الحديث لتناول أحداث الثورة لأنهم أرادوا تصوير اللحظة وتأريخ الأحداث والنوعية الوثائقية فى الأفلام أو البرامج تتيح لهم جزءًا كبيرًا من الموضوعية والشفافية. ولكن حتى الآن لم يتم تقديم فيلم روائى يعكس أحداث الثورة بشكل جيد وكامل مئة بالمئة لأنهم يحتاجون مبدئيًا إلى بلورة الأمور من حولهم حتى يستطيع كل مبدع أن يقدمها بشكل جيد ومتكامل..
▪ كم رقيبًا ملتحيًا يعمل بالهيئة؟
- لا يوجد لدى أى رقيب بالذقن ولكننى لا أستطيع منعهم إذا كانوا ذوات كفاءة عالية وبالطبع هناك رقباء ينتمون إلى أفكار سياسية واجتماعية كثيرة ولكن لم يتواجد لدى حتى الآن رقيب ذو خلفية إسلامية.. وسأكون مرحبًا به إذا قام بفصل عمله عن معتقداته مثلما يفعل زملاؤه.. ولكننى تعرضت لانتقاد كبير بعدما قمت بتعيين سكرتيرة بالمكتب منتقبة ولكنى دافعت عن نفسى بأنها ذات كفاءة وتعمل كموظفة أى ليست لديها سلطة رقابية غير انها فتاة مثقفة ومجتهدة وخريجة كلية الفنون الجميلة فلماذا أرفض عملها طالما هى تستطيع تقديمه على أكمل وجه.. فأنا ضد النبذ والتمييز.