هل يوجد لدي البعض قدر من الإيمان يكفي لأن يضحي هذا الشخص بحياته من أجل أحبائه؟ يبدو أن الإجابة نعم.. ففي فيضانات استراليا ضحي (جوردان) الصغير بحياته ليتم إنقاذ أخيه الأصغر ويلقي هو حتفه.. (جوردان) البالغ من العمر 13 عاما فقط كان مع والدته وأخيه الصغير ذي ال 10 سنوات في السيارة حين هجمت عليهم مياه الفيضانات.. ولما جاءت قوات الإنقاذ وحاولوا إنقاذ (جوردان) رفض بشدة حتي ينقذوا أخاه الصغير أولا بالرغم من أنه لا يستطيع السباحة ويخاف من المياه.. ولما تم انقاذ الصغير، عاد رجال الإنقاذ ليجدوا أن الحبل الذي كانوا قد ربطوا السيارة به قد قطع وانجرفت السيارة بالكبير وأمه ليلقيا حتفهما.. قد نصدق أن يضحي الأب بحياته لينقذ أبناءه، أو تؤثر الأم أبناءها علي نفسها.. ولكن فتي في هذا العمر يمتلك شجاعة وتضحية وإيثاراً وحباً لأخيه بهذا القدر؛ هذا هو ما يصعب استيعابه.. كيف به في وسط مياه الفيضانات الغاضبة التي تعصف به أن يفكر بهذا الصفو الذهني ويغلب شجاعته علي حبه الطبيعي للحياة؟ وكيف استطاع اتخاذ قرار بالتخلي عن ذاته ما لم يتم إنقاذ أخيه أولا وهو في هذا الخضم المريع الذي يجعل القرار صعبا حتي علي الكبار أصحاب الخبرة؟ لم نعد نتحدث عن الإيثار.. ولا نناقش تلك الفضائل التي صارت مقصورة علي تراث الأجداد وقصص التاريخ.. لا نؤثر الآخرين داخل الأسرة ولا في المجتمع.. ولا يفكر كل منا سوي في مصلحته وذاته وحياته وكرامته.. نعلم أبناءنا الأنانية لا التضحية، ونغرس فيهم حب الذات لا إيثار الآخر.. ونطلب إليهم أن يسعوا وراء طموحهم الشخصي ولا نلفت أنظارهم إلي وجود آخرين من حولهم.. ولما نشيخ وينشغلون عنا بحياتهم، نغضب ونلومهم، وننسي أنهم إنما يتبعون قدوتنا ويعملون ما ربيناهم عليه.. ولا يختلف الأمر كثيرا في حياة الشعوب عنه في حياة الأسر.. يبحث الشعب عما يأخذه من بلاده لا عما يعطيه لها.. ويتعامل مع المجتمع من منطلق ذاتي يحسب بدقة مدي نفع المجتمع له، وقيمة الجنسية التي قد حصل عليها بميلاده في تلك البلد، ومدي تحقق أحلامه علي هذه الأرض، والمكانة الشخصية والمصلحة الفردية التي سيتمكن من تحقيقها هنا.. ذلك لأن هذا المجتمع يفتقد لقدوة الإيثار من ناحية.. ويتجاهل تنشئة صغاره علي تلك القيم اللازمة لنمو المجتمع من ناحية أخري.. لقد نجحت أسرة (جوردان) بامتياز في تعليم صغيرها مفهوم الأسرة، المجموعة، المجتمع.. نجحت في غرس مبدأ الإيثار من أجل أن يحيا الآخر، لا الانتحار من أجل قتل الآخر.. بالتأكيد لم يتردد الصبي في أخذ القرار لأنه قد تدرب علي هذا من قبل.. وعي جيدا مكانته كابن أكبر ينبغي عليه حماية أخيه الأصغر. عرف أن واجبه في هذا الموقف يحتم عليه أن ينتظر دوره بعد انقاذ أخيه، حتي لو كان هذا ربما يؤدي إلي فقدان حياته.. ربما فكر في أنه قد يموت، ولكنه رأي أنه لن يستطيع العيش دون أخيه..