نميل جميعاً إلي ذكر الزمن الجميل وعندما يذكر هذا الزمن فأول ما يستحضره أذهاننا هو ذلك الصوت السماوي الذي ملأ دنيانا شرقاً وغرباً بالطرب الأصيل وهو صوت كوكب الشرق «أم كلثوم» وهذا ما فعله الفنان والناقد السوري «أسعد عرابي» ففي قاعة «أيام» بالزمالك يأخذنا عرابي إلي ذلك الزمن الذي يفتقده ونفتقده معه من خلال رحلة في مجموعة من لوحاته المنفذة بخامة الأكريلك علي توال إلي ذلك الحنين الذي طالما طوقنا إليه «أم كلثوم وفرقتها» والتي لا يعلم عنها الجيل الجديد شيئاً وربما لا يفضلونها ولكنها ستظل أكثر أساطير العرب شعبية في العالم العربي علي مر العصور، يقارب عرابي هذا الرمز بأسلوب تعبيري تلويني وبخطوط متناغمة تبدو كما لو أنها تتمايل علي الأنغام المتخيلة لصوتها العملاق، يصور عرابي أم كلثوم وهي تغني ومن خلفها أوركسترا مكونة من عظماء الموسيقيين محاطة بفضاء سلبي وإيجابي غني بشتي النغمات والأشكال، ويظهر في بعض اللوحات كرسي فارغ يدل علي غياب أحد الموسيقيين أو أنها كانت تستريح عليه في وصلاتها الغنائية الطويلة، وفي لوحات أخري يظهر هذا الموضوع الجامد مقلوباً رأساً علي عقب، وقد تدل هذه التعبيرات الخارجة عن اتزانها علي انقلاب في مزاج الفنان أو ربما تشير إلي استفادة عميقة من النزعة الرمزية حيث تترك هذه الفضاءات النفسية لهذه اللحظات التاريخية بصماتها بقوة غير مرئية. وفي كل ملمح درامي من ملامح السيدة «أم كلثوم»، يوحي عرابي بالتفاعل المقابل للجمهور مع مناخ اللحظة، وعلي الرغم من أن المعجبين يظهرون كجسد قابع في خلفية اللوحة إلا أن لهم حضوراً ملموساً، يستخرج عرابي بأسلوبه التعبيري وضربات فرشاته العفوية حبوراً شجياً لصوت أم كلثوم من خلال الصورة وهو يبحث عن الزمن المفقود لحقبة زمنية مضت عبر لوحاته التي يملؤها الحنين إلي هذا الزمن ضارباً عرض الحائط بكل ما تحمله مخيلاتنا لصورة أم كلثوم والتي اعتدنا عليها بالأبيض والأسود فاستخدام عرابي كل خبراته اللونية كفنان متمكن من أدواته ليروينا بحالة ابداعية مغايرة من خلال كتل اللون المختارة بعناية والتي تؤكد علي روعة ما يقدم.