قل انه انقلاب علي من؟ سلطة تحكم بدعم إقليمي غير مسبوق تريد الانقلاب علي نفسها تجاه سلطة استمدت غالبيتها من شرعية صناديق الاقتراع؟ سلطة تتحكم بقراري الحرب والسلم علي المستوي الوطني العام. سلطة تشل عمل المؤسسات فتفرض جداول الأعمال وتلغيها. تعقد الاجتماعات الوزارية وتقاطعها. تعقد جلسات الحوار وتقاطعها. تفرض صيغتها علي الشكل الحكومي كي تخرج كما تريد وتدخل كما تريد. توقف التعيينات وتقرها. تفبرك شهود الزور وتحتضنهم وتؤمن لهم المسكن والملجأ والمأكل والمشرب والمؤتمرات الصحفية بحراسة مخابراتية ثم تخزنهم في بنادقها كي تطلقهم علي أولياء الدم. ويسألونك عن الانقلاب. قل انه انقلاب ممن علي من؟ اينقلب الانسان علي نفسه بعدما انقلب السحر علي الساحر؟ الانقلاب الحقيقي المنطقي يكون عندما يتمكن سعد الحريري رئيس اكبر غالبية نيابية عرفتها البلاد من الحكم والإدارة وفق الدستور وبالتعاون والتنسيق مع مختلف السلطات. أما بالنسبة إلي الواهمين الحالمين المراهنين علي الإرادة الشعبية والديمقراطية وصناديق الاقتراع فلا عزاء لهم سوي إحصاء الخسائر المستمرة منذ استشهاد الرئيس رفيق الحريري ورفاقه الأبرار كي يقتنعوا أن النظام الأمني السوري اللبناني ترك مكانه للنظام الأمني... اللبناني السوري الإيراني. لم يكن مسموحا لرجل بحجم وطن مثل رفيق الحريري أن يلعب أدوارا كبيرة كالتي لعبها، ولم يعد مسموحا لدماء هذا الرجل أن تلعب أدوارا كبيرة كالتي لعبتها. حصلت مقاومة مدنية سلمية مشرقة بعد استشهاده كتبت تاريخا جديدا لكنها لم توقف مسار الانقلاب. مشي مزهوا بأدواته. مسنودا بمحوره. مدعوما بمنظومته. نظر الي شارع مدني عفوي. رسم حلم الدولة المقبلة وقرر العمل المنظم سياسيا وعسكريا لانهاء النبض الذي اشتعل من قلب بيروت. "وثيقة التفاهم" قضمت جزءا من ساحة الحرية، ثم كانت العبارة الشهيرة علي الهواء مباشرة "عبد مأمور لعبد مأمور" اشارة الانطلاق لتعطيل الحياة السياسية والدستورية في البلد وشل الحكومة، ثم كانت العبارة الأشهر "الغالبية منتج إسرائيلي يجب أن تسقط وستسقط" إشارة الانطلاق لاحتلال قلب بيروت، ثم تقرر تغيير الصيغة وإجراء جراحة لوجه النظام تسمح لاحقا ب"الشد" و"الشفط" والسيطرة علي الأوزان الزائدة و"الثقيلة" وكان لا بد من مبرر لإدخال بيروت غرفة "العمليات" فأتي المبرر سريعا وطارت بيروت الي الدوحة بعد 7 آيار... المجيد. انتخب الرئيس التوافقي وفرضت علي النظام سلة تعيينات في مختلف القطاعات. جرت الانتخابات وفازت الغالبية لكن "السلطة الفعلية" كانت في مكان آخر وبدأت تنفيذ أجندتها المتطورة. فتحت صفحات جديدة بين بيروت ودمشق. "وثائق تفاهم" علنية وسرية أبرمت بين سورية وأقطاب تركت الغالبية وأخري في الغالبية. اقترب استحقاق القرار الظني فاقتربت الرعاية السورية السعودية. صدرت مذكرات توقيف ضد الضحايا. صارت الغالبية أقلية في السلطة والقرار والحركة. اجتاح مسلحو "السلطة الفعلية" مناطق في بيروت وأشاعوا فيها الرعب والقتل والخوف في "بروفة" لتخويف "معارضيها" بما قد يحصل. وضع "الحاكمون" أولياء الدم بين خيارين: اما العدالة وإما الاستقرار. ثم ضاقوا ذرعا بالردود الحوارية الهادئة والرءوس الباردة فقرروا: لا عدالة ولا استقرار... ولا دولة. ويسألونك عن الانقلاب؟ قل ان استشهاد رفيق الحريري كان البيان الرقم واحد... بغض النظر عن اليد التي ضغطت زر التفجير. * كاتب لبنانى نائب رئيس تحرير جريدة الرأى الكويتية