أواصل الحديث عن محتوي التقرير الثالث لمرصد الإصلاح العربي، الصادر عن مكتبة الإسكندية الأربعاء الماضي، لكن قبل الولوج إلي ما احتواه التقرير المهم جدا، أشير إلي أنه خلال أسبوع بعد صدور التقرير وقعت عملية كنيسة القديسين الإرهابية في الإسكندرية، ومات شاب مصري كان قيد التحقيق في هذه الجريمة، وقتل أكثر من عشرين تونسيا في احتجاجات اجتماعية لا تزال تجري في هذا البلد، كما قتل خمسة جزائريين في مظاهرات ضد ارتفاع أسعار السلع الأساسية، واكتمل النصاب القانوني لاستفتاء تقرير مصير جنوب السودان، ودخل لبنان في خضم أزمة سياسية جديدة، وعادت القاعدة لتستأنف هجماتها في اليمن. ومن الخليج إلي المحيط يبدو الغضب الشعبي العربي لا حدود له، وأصبح من الصعب جدا وضع مؤشرات لمدي قدرة البلدان العربية علي الاستقرار سياسيا واجتماعيا، ولا أبالغ إذا قلت إنه بين لحظة وضحاها يحدث الكثير في العالم العربي، وهنا أعود إلي تقرير مرصد الإصلاح العربي الذي يري أن الإصلاح السياسي بدا خافتا خلال العام الماضي. وأنقل بعض الأرقام الواردة في التقرير: 78.9% من النخبة العربية لا يعتقدون بوجود شفافية في العمل السياسي العربي، وفي حين يؤكد نحو 86% وجود منظمات لمراقبة أوضاع حقوق الإنسان في العالم العربي رأي أكثر من 50% أنها تتمتع بحرية نسبية.. لكن الغريب أن الأكثرية تشير إلي تطور حرية الصحافة في العالم العربي بشكل إيجابي. وتكشف نتائج الاستطلاع أن الدول العربية لا تزال تعاني من مركزية شديدة، ورغم موجات الإصلاح السياسي والعولمة لاتزال السلطة عزيزة علي المراكز العربية، ولا تتنازل عنها بسهولة للمجالس المحلية والشعبية.. ولا تعتقد أغلبية النخبة العربية أن المؤسسات الدينية في العالم العربي تقوم بدور ملحوظ في الإصلاح السياسي.. إضافة إلي عدم رضا كبير عن أداء ودور الأحزاب السياسية في الحياة العامة، وفي الإصلاح السياسي. إجمالا الإصلاح السياسي يراوح مكانه في العالم العربي بشكل عام، وبينما تتقدم الحريات العامة في كل مكان في العالم، وبينما تتقلص سلطات الحكومات لصالح المجتمعات المدنية النشطة، يبدو العالم العربي وكأنه عصي علي التغيير، بل يعود إلي الوراء فعلي سبيل المثال شهد العام الماضي تغيير دساتير الجزائر واليمن للسماح لرئيس الدولة بالترشيح للرئاسة دون تحديد المدد الرئاسية كما كان معمولا به، بينما بلد مثل فرنسا أجري قبل ثلاثة أعوام تغييرا مهما خفض ولاية رئيس الجمهورية من سبع سنوات إلي خمس فقط. وفي معظم دول العالم تشتعل المظاهرات الاجتماعية والفئوية والسياسية، لكنها غالبا تلتزم بالمطالب التي يرفعها المحتجون، ولا تتحول إلي صدامات مميتة مع قوات الأمن، ولا تتخللها أعمال حرق وتدمير ونهب للمؤسسات العامة، كما يحدث في عالمنا العربي، وهو أمر يشير إلي أن من يفعلون ذلك فقدوا الكثير من الإيمان والانتماء الوطني، وأصبحوا يعتقدون أن في العالم العربي إجمالاً سلطة حاكمة ومتحكمة، وشعوباً غريبة في أوطانهم!