يوم اغتصاب الوطن

في يوم غاب فيه نور الحق، وخَفت فيه ضوء العقل، وعَميت فيه عيون العدل، وأُبعد عنه سلطان دين الله، وحُجبت عنه شريعة الإسلام ، ورقصت النساء في الشوارع شكراً لربهن، وتمايلت اللحى طرباً لإبداعهن، وأضحى الرويبضة فيه مثقفاُ أريباً، وصارت العقرب حملاً وديعاً، وأنطلق في شوارعنا الحمقى والسفهاء، وتوارى خلف قضبان الأسر المفكرون والعلماء وبكت أم الشهيد لوعة واندهاشاً، ووقف الثائر متحيراً مرتاباً ،وهلل الصهاينة وأعلنوا الأفراح ، وعاد نظام مبارك سافراً في ضوء الصباح،
وتداعى للحفل الأوربيون والأمريكان، وأنفق على الخمور ولوازم العربدة شيوخ آل نهيان !!
وقبع الأحرار خلف القضبان، وصرخت الحرائر من أسرهن أين ما تبقى من الإنسان، وانتشر جنود الطغاة في كل الأرجاء، لحماية صندوق الاغتصاب من عين الرقباء ، حتى لا يرى الناس عورة الوطن، ولا يشاهدون دماء الفُجر ، ولا يسمعون صريخ الألم، ومرارة الإهانة !!
وولي الأمر في القيد مُختطف، وإرادة الشعب تحت أحذية الغجر، وشرطة الطغيان تُمشط المكان، بحثاً عن حر أو بقية إنسان!!
وليتأهب الجيران والأصحاب والشركاء والأعداء للتهنئة بفرحة الفراغ من الانتهاب والاغتصاب ، والتخلص من ثورة الشباب، وحمية الشيوخ وصرخة الأحرار، وسلطان العلماء ، وفكر النبهاء ، وإغلاق باب الأمل في المستقبل الباهر، أو الوطن الرائد ، أو الإنسان المصري الآبي!!
نعم.. إنهم يبدون سعادتهم، ويعلنون بهجتهم، لبلوغهم مأربهم ، وتحقيقهم أمنياتهم، فهاهي عين الوطن مكسورة، وأنفه في التراب مرغمة، وقواته في بلاطهم خادمة ، وفاجرهم يتأهب للرئاسة ،ويعرض البلاد في سوق النخاسة.. فيا بؤسها من ليلة، وما أشقاه من صباح !!
ولكن سكرة الفرحة أنست الشياطين رؤية الفُرجة ، أنستهم رؤية الولد الحر الثائر ، والطفل الصغير الشاهد، والمرأة الحرة المجاهدة، والعالم القائد الصامد، والنخوة في صدر الإعلامي الحر، والقوة في يد الابن التقي النقي ، والأمل الراقي في عيون شاب جيل النصر، والتضحية في كل بيت وقصر !
نعم غفلوا عن الحق القائم، الذي تتأهب أركانه ليكتمل بنيانه، ويستعيد قوته وعنفوانه ،ليزلزل قريباً بعون الله باطلهم ،ويمحوا من البلاد أثرهم، وتُشرق شمس الحرية من جديد، وتعود الحُرة بلدي رائدة فوق الجميع، تشرأب لرؤية قامتها جرزان بني نهيان، ومن حولهم من صعاليق الوديان.
نعم.. إن وطناً صمد أهله من أجله أمام الطغيان عاماً كاملاً في حَره وقَره لحري به أن يفخر على سائر الأوطان ، وحري به أن ينفُض عن كاهله غبار الاعتداء، ليعود وطناً أغلى من كل الأوطان، شامخاً عزيزاً كريماً يرفض الذل والإذعان...بوركت يا وطني... وبورك شبابك الأبطال...