استعمل رئيس الحكومة سلاحًا فعالًا للرد على شعبوية النقابات وغوغائيتها أول أمس في مجلس المستشارين.. إنه سلاح "السخرية" أو "التمشخير"، كما يقول المراكشيون. قال للنقابية ثريا لحرش التي أدخلت إلى البرلمان مع فريقها لوحات وشعارات ويافطات وصور الشباب الذين تعرضوا للتعنيف في محاولة لنقل أسلوب الاحتجاج من الشارع إلى قبة التشريع، قال لها بعد أن لاحظ أنها تحمل صورة مقلوبة: "قلبيها راها مقلوبة"، ثم أتبع هذه الجملة بقهقهاته المعهودة تعبيرًا منه عن السخرية من هذا الأسلوب في المعارضة. السيدة ثريا وبعض زملائها النقابيين لم يجدوا من طريقة فعالة للرد على سياسات الحكومة سوى الصراخ في البرلمان، وعدم احترام النظام الداخلي، وتحويل الجلسة إلى "سويقة" مفتوحة، ظنًا منهم أن هذا الأسلوب سيروق الناس، وسيفضح "تنكر" بنكيران لمطالب الفئات الشعبية. بنكيران قبل أن يذهب إلى البرلمان للدفاع عن الحصيلة الاجتماعية لحكومته، ومخططه لإصلاح صناديق التقاعد المعرضة للإفلاس، أعطى أمره للوزراء المعنيين بتعميم المنحة الدراسية على أكثر من 80 ألف طالب في مراكز التكوين المهني دون أن يطلبها منه أحد، ويوم الخميس الماضي عندما وقع على مشاريع قوانين إصلاح صناديق التقاعد، التي قال عنها إنها علاج مر لكنه ضروري، وقع مع هذه المشاريع "غير الشعبية" على قرار تاريخي بإدخال أكثر من ثلاثة ملايين مواطن في المهن الحرة إلى نظام التغطية الصحية ونظام التقاعد، ولهذا فإن ما سيخسره مع الموظفين من أصوات انتخابية سيربحه مع القطاع الخاص "فلاحون، محامون، أطباء ومهندسون وموثقون وسائقو التاكسي وأصحاب البيسريات". بنكيران عفوي نعم لكنه سياسي يحسب جيدًا، وهو يتحرك في ملعب شبه فارغ، فالمعارضة تشكل له خصما عنيدا ويدها ضعيفة على المناطق الحساسة في سياساته، ولا النقابات تشكل أمامه عقبة كبيرة، كلاهما حائط قصير يقفز عليه بخفة، ووحده الشارع غير المؤطر الذي يشكل لبنكيران قلقًا مستمرًا، لكن الشارع متقلب المزاج، وهو صاحب آلة دعائية وتواصلية جبارة، وقد رأينا كيف كسب حزب العدالة والتنمية أصوات المدن الكبرى رغم أن سكانها كانوا من أكبر المتضررين من قرارات الزيادة في الماء والكهرباء وفي المحروقات، ومن نقص مناصب الشغل، وغياب سياسة واضحة وجريئة لمحاربة الفساد، وارتدادات القمع على حرية التظاهرات والصحافة وتأسيس الجمعيات. كان يمكن للنقابات أن تلعب أدوارا مهمة في إحداث التوازن الاجتماعي بين حكومة مهمومة بالتوازنات المالية، وتدعي أن لها حساسية اجتماعية خاصة إزاء الفقراء، لكن «شعبوية» النقابات وغياب بعد النظر لديها، وارتهانها إلى نظرة تقليدية للعمل النقابي، حرمها وحرم قطاعات واسعة من مكاسب اجتماعية حقيقية. مثلًا، كان يمكن للنقابات أن تحصل على العديد من المكاسب للموظفين والأجراء لو وقعت على خطة إصلاح صناديق التقاعد، عِوَض معارضتها واختيار المزايدة السياسية على الذكاء النقابي، كان يمكن للنقابات أن تحصل على زيادة في التعويضات العائلية عن الأبناء من 200 درهم للطفل إلى 300 أو 400 درهم لكل طفل. كان يمكن الحصول على منحة للعائلات التي يدرس أبناؤها في القطاع الخاص، والتي تعفي الدولة من ملايين الدراهم كل سنة، كان من الممكن التفاوض على نظامين للتقاعد للموظفين والأجراء، الأول إجباري وتساهم فيه الدولة بنسبة معينة، وآخر تكميلي وتساهم فيه الدولة والمشغل بنسبة أقل، ويكفل تقاعدًا مريحًا للمغاربة في خريف العمر. كان يمكن للنقابات أن تحصل على أشياء كثيرة، وأن تخفف من قسوة الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لإنقاذ نظام التقاعد لو اختارت أن تدخل إلى غرفة العمليات، عِوَض الجلوس وراء الباب والصراخ احتجاجا على إصلاحات لا تمتلك عنها بديلًا. بنكيران يشبه تشرتشل في نقطة واحدة، عندما لا يجد ما يسخر منه يسخر من نفسه، مرة حكى لي رئيس الحكومة المغربي نكتة على الهاتف حول أسلوبه وشخصيته، فقال: "يحكى أن مواطنًا تعرضت عجلة سيارته للتلف أمام مستشفى للمجانين، فنزل لتغيير العجلة، وهو منكب على ذلك ضاعت منه البراغي التي تثبت محور العجلة في السيارة، ولم يعرف أين وضعها عندما كان يفتح العجلة "المفشوشة" فوقف حائرًا ماذا يفعل، وإذا بأحد نزلاء مستشفى الأمراض العقلية "احمق" يشير عليه بالحل! قاله له انزع برغي "كرو" من كل عجلة من العجلات الثلاث الأخرى في السيارة وضعها في العجلة الاحتياط، فعلق صاحب السيارة بمقولة أصبحت مثلًا دارجًا على الألسن: "احمق وحاضي حوايجو". هذا المقال لا يعبر الا عن رأي كاتبه