منذ اليوم الأول لولاية الرئيس مرسى حكم مصر فى 30 يونيو 2012 والاصطدام بكل سلطات الدولة يسير بصورة عاجلة ومتعجلة .. وكان آخرها التحرش بالقوات المسلحة من خلال التسريبات الخاصة بلجنة تقصى الحقائق التى نشرت عمدا بصحيفة “الجارديان البريطانية” مرورا بالصدام مع السلطة القضائية والقضاة والذى بدأ منذ اليوم الأول لممارسة حكم الرئيس مرسى .. وانتهاء بالدعوة لمظاهرة لتطهير القضاء يوم الجمعة 19/4/2013 وهى التى سبقتها تصريحات فجة من المرشد السابق لجماعة الأخوان مهدى عاكف عن مذبحة قادمة للقضاة من خلال خفض سن الاحالة للمعاش ، ثم الهجوم المتعالى الصيحات على الاعلام المستقل عن الحكومة أما الشرطة فقد أسلمت قيادها لجماعة الأخوان بعد اقالة اللواء أحمد جمال الدين . والسؤال هو لماذا تصطدم جماعة الأخوان بكل سلطات الدولة ؟ وبعبارة أخرى السعى لتدميرها بغرض اعادة بنائها بمواصفات الجماعة؟ فى البداية تجدر الاشارة الى ما ذكرته الكندية ” نعومى كلاين” بكتابها المهم ” عقيدة الصدمة – صعود رأسمالية الكوارث” “من أن الصدم والترهيب يترتب عليهما مخاوف ومخاطر ودمار يتعذر على الشعب عموما والقطاعات المهددة بالاصطدام فهم مراميها على غرار الأعاصير والزلازل والفيضانات والحرائق والمجاعة والمرض التى تزرع الرهبة فى نفوس المواطنين”. فى هذا الاطارفان جماعة الأخوان تمارس الصدمة والترهيب مع مؤسسات الدولة وبالتالى مع الشعب المصرى لغرض أساسى هو الانصياع لفلسفة ” أخونة الدولة” والمقصود بالأخونة هو صبغ الدولة بمنهاج جماعة الأخوان الذى يقوم على الغموض والتلون فى القول والسلوك .. وهو مايمكن تسميته بمفهوم ” الدولة الغامضة” التى تقوم على مبدأ فرعونى قديم ” ما أريكم الا ما أرى” وأن يسلم الجميع قياده لهذه الجماعة دون ادراك لمراميها الاقتصادبة والسياسية، اذن الأخونة تعنى اقامة الدولة الغامضة. انظروا الى الفوضى المتسعة فى جميع أرجاء مصر بشكل غير مسبوق والتى وصلت مؤخرا الى الجامعات والمدارس ، هذه الفوضى متروكة عمدا .. كبديل استراتيجى للسيطرة على سلطات الدولة .. اذ ستكون هذه الفوضى المبرر لقهر الشعب وسلطات الدولة باجراءات استثنائية بفرض حالة الطوارىء وتعطيل القوانين القائمة وهذا من مظاهر الترويع التى تفرض على الشعب المصرى!!. وكنموذج دال على هذه السيطرة لنتذكر أنه فى أعقاب نجاح وساطة الرئيس مرسى فى وقف تبادل اطلاق النار بين اسرائيل وحركة حماس (التابعة للاخون) فى نوفمبر 2012، انتهز الرئيس (بوازع من الجماعة بالطبع) اشادة الولاياتالمتحدة وأوربا بهذا النجاح فانتزع ما اسماه ” اعلانا دستوريا” لبسط هيمنته وهيمنة جماعة الأخوان على كل السلطات وتحصين قراراته وما يترتب عليها من آثار من أى طعن أمام القضاء .. وهذا تطبيق حرفى لعقيدة الصدمة والترهيب بتوظيف حدث لتحقيق أهداف أخرى ..وهذا يماثل ما قامت به مارجريت تاتشر باستغلال نتائج حرب جزر الفوكلاند فى عام 1982 و ما أحدثته من حماسة قومية بين الشعب البريطانى باستخدام قوة هائلة لسحق عمال الفحم المضربين واطلاق أول حملة مسعورة من الخصخصة فى بلد ديمقراطى غربى ( ولعل ذلك يفسر احتفال عمال المناجم فى بريطانيا بوفاتها الأسبوع الماضى), ولنتذكر كذلك مجزرة ساحة “تيانامين” أو الميدان السماوى بالصين عام 1989 حيث قتل فيها الآلاف وتم توقيف عشرات الألوف من المواطنين بما أشاع الصدمة والرعب فى الشعب الصينى .. وكان ذلك بغرض تحرير يدى الحزب الشيوعى كى يقوم بتحويل معظم البلاد الى منطقة تصدير واسعة النطاق اكتظت بالعمال الذين غلبهم الرعب الشديد مما منعهم من المطالبة بحقوقهم فى ظل اقتصاد السوق الجديد ، وفى عام 1993 كان قرار بوريس يلتسين فى روسيا بارسال دبابات لقصف مبنى البرلمان وحجز قادة المعارضة ، هو الذى مهد الطريق أمام الخصخصة الجنونية فى روسيا التى أنتجت طبقة الأقلية الحاكمة الذائعة الصيت. اذن ما قام به الرئيس مرسى فى 21 نوفمبر 2012 يسير فى اطار مايسمى ب” عقيدة الصدمة” مراميها فى النهاية هى السيطرة على الاقتصاد من خلال الاستبداد السياسى .. و مفهوم ” الدولة الغامضة” يتناسب مع تاريخ جماعة الأخوان وممارساتهم عبر أكثر من ثمانين عاما .. لأن تكيف الجماعة مع القوانين القائمة أو مفهوم الدولة الحديثة التى تقوم على الشفافية والافصاح والحوكمة أو الادارة الرشيدة ليس له سوى معنى واحد وهو حل جماعة الأخوان وكشف المستور عن الطبقة الحاكمة فيها والتى تسير الجماعة نحو مصالح اقتصادية عظمى وهذه الطبقة تستغل أعضاء الجماعة سواء باشتراكات باهظة (8% من دخل العضو شهريا) ويعضد ذلك أن الدخول لنادى الجماعة ليس ميسورا لأى فرد .. فالشروط المعلنة والموضوعة جعلت الجماعة أقرب الى شكل ” الجيتو” وبالتالى فان من ينال عضويتها يشعرونه بتميزه وعلوه على من هم خارج الجماعة من باقى الناس وهو ما جعل أحد عناصر الجماعة فى أحد البرامج يرد على الطرف المقابل له بأن ” الأخوان أسيادكم!!” وهذا ما ييسر اقتطاع هذه المبالغ من العنصر الاخوانى بافهامه بأنه شخص هام للغاية VIP فى الوطن والدين .. لذلك يتم سلب العضو قياده ويزرعون به عقلا طائعا وقلبا مستسلما لقيادات الجماعة ( مفهوم السمع والطاعة) أى أن السمع والطاعة تحكمه دوافع اقتصادية باستغلال النوازع الدينية الطبيعية للفرد. مصادمات الجماعة لم تقف عند حدود سلطات الدولة وانما امتدت الى رجال الأعمال بالمطاردة والابتزاز لصالح رجال الأعمال الجدد الموالين للجماعة (سياسة الأرض المحروقة).. مما يعد قرينة على السعى الحثيث للهيمنة على الاقتصاد المصرى باستغلال السلطة التى دانت اليهم .. وامعانا فى الصدمة والترهيب(مثال مايحدث مع آل ساويرس وقرارات النائب العام بالتحفظ على أموال 21 رجل أعمال عربى ومصرى ). وعندما طالبت فئات متنوعة من الشعب بتدخل الجيش لوقف التدهور الاقتصادى والاجتماعى والسياسى .. خرج علينا عصام العريان متوعدا بأن ” جيوشهم” على الحدود جاهزة للمواجهة ونفس المعنى قال به حازم أبو اسماعيل.بما يؤكد نهج الصدمة والترويع. وفى لقائه بمن تم انتقائهم من الجالية المصرية فى قطر فى زيارته الأخيرة قال الرئيس مرسى ” اننا ماضون فى طريفنا بسرعة حتى لانعطى المعارضين فرصة للمقاومة “ ، ويستفاد من ذلك أن جماعة الأخوان لا تعبأ بأى معارضة أو انتقاد لتحقيق مشروعهم الذى بدأ دعويا ووصل الآن الى محطته الاقتصادية .. هل لاحظ أحد أى مجهود دعوى للجماعة بعد 25 ياير 2011 ؟ ..لقد تحقق من الدعوة (حيث كانت وسيلة) المراد باعتلاء السلطة ولابد من السيطرة الاقتصادية حتى يستمر التمكين السياسى الذى بدوره يساعد على مزيد من التمكين الاقتصادى . ان ماحافظ على استمرار جماعة الأخوان على مدار تاريخها هو التمويل والسيولة التى فاضت و زادت من الداخل والخارج وهو مامكنها من رعاية أسر الأعضاء الذين سجنوا فلم يعد الأخوانى قلقا على ذويه حيث حياة أسرته فى سجنه تسير بشكل أفضل مما لو كان حرا طليقا ولم يكن عضوا فى الجماعة. لذلك تهتم الجماعة بالتمويل والسيولة أكثر من اهتمامها بالتنمية ، وهذا يفسر اللجوء للقروض والودائع الخارجية على التركيز فى الداخل الاقتصادى ، وأيضا الترويج لقانون الصكوك بحسبانه مفجرا لأنهار الأموال بعد اقراره ويقدرونها بعشرات المليارات من الدولارات والتهوين من المخاطر التى ستصيب أصول الدولة خارج نطاق النفع العام .. وفى سبيل الاستمرار فى ذلك ينهكون المعارضة فى مسألتى الحكومة والنائب العام حتى تتحقق مراميهم الاقتصادية وبالأحرى “أوليجاركية الجماعة” التى تسعى الى استرداد ماتم انفاقه على انتخابات الرئاسة والمقدرة بنحو 650 مليون جنيه ومثلها تقريبا فى انتخابات البرلمان المنحل ولعل ذلك ما يفسرالحسرة الدائمة عليه ومحاولات استعادته الفاشلة الى أن وصلوا الى احلال مجلس الشورى ليقوم مقامه فى التشريع .. ولعل الفوضى الضاربة فى البلاد تهيىء لهم فرصة استعادة الأموال التى تم انفاقها على الانتخابات من خلال شراء الأصول الاقتصادية بأسعار بخسة يمكن اعادة بيعها فى المستقبل بأسعار مضاعفة .. لذلك يحرصون على استمرار هذه الفوضى بل وتغذيتها اذا ماخبت .. وعندما يصبح مالديهم من أصول محققا لأرباح فوق تكاليف الانتخابات السابقة والقادمة فان اللجوء للاجراءات الاستثنائية سيكون واردا لاستعادة الهدوء وكبت المعارضة .. وسيكون التحالف مع الكيانات الاقتصادية الخارجية بتبادل الأصول الاقتصادية الداخلية معها وسيلة من وسائل تخفيف الضغط السياسى الدولى على استبداد الحكم آنذاك. هذا ما يجب أن ينتبه له الجميع وخصوصا المعارضة ..فليست المشكلة فى حكومة قنديل و لا النائب العام .. فهما الفخ الذى ينصبه الأخوان للمعارضة .. لتبرير الاجراءات القمعية المتوقعة ..لابد من فهم المسألة من المنظور الاقتصادى ، فالاقتصاد فى النهاية هو النتيجة المستهدفة من كافة الممارسات .. و لابد من مواجهة مفهوم ” الدولة الغامضة” التى يقوم الأخوان بتدشينها .. دولة لا تسأل عما تفعل .. دولة على الجميع القبول بما تقرره بقاعدة ” ما أريكم الا ما أرى” و “الأخوان أسيادكم” ليظل “الجيتو الاخوانى” مهيمنا بلا رقابة أو محاسبة ويتمدد ويتوغل وينتشر.