كنيسة بغزة_أرشيفية المسيحيون في قطاع غزة جزء أصيل من نسيج المجتمع الفلسطيني،كانوا وما زالوا شركاء في النضال والتضحية والفداء، وعاشوا مع أبناء شعبهم من المسلمين فترات الألم والفرح في ظل الاحتلال الجاثم على أرض فلسطين منذ عام 1948. ومثلهم مثل المسلمين من سكان القطاع الساحلي الضيق الممتد على البحر المتوسط، ويعاني مسيحيو غزة ويلات الاحتلال وعدوانه المستمر، فصواريخه الغادرة تطال الجميع ولا تفرق بين مسلم ومسيحي،كما يواجهون المشاكل المعيشية ذاتها التي حولت حياة الغزيين إلى جحيم نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية والحصار الإسرائيلي الخانق منذ عام 2007. ورغم أنهم يمارسون طقوسهم الدينية بحرية وبلا قيود،فإنهم يعانون الأمرين للتوجه إلى الضفة الغربية للاحتفال بالأعياد في كنيستي المهد ببيت لحم والقيامة بالقدس،إذ تمنعهم سلطات الاحتلال من الانتقال إلا في حدود ضيقة وبعد تدقيق أمني. ويعلق سلامة سابا على أوضاع المسيحيين في القطاع قائلا لمراسل وكالة أنباء الشرق الأوسط :"هنا في غزة..لا فرق بين مسلم ومسيحي..نعيش سويا في محبة في أوقات السراء والضراء ولا ينغص علينا سوى الاحتلال والحصار والعدوان والانقسام". ويضيف "سابا" "64 عاما" الذي يقطن في حي الشيخ رضوان بمدينة غزة "لا استطيع أن أميز نفسي عن أصدقائي وجيراني المسلمين لأني تربيت وترعرعت معهم..نحن ننتمى لشعب واحد ولدينا هدف واحد هو تحرير فلسطين،وعدونا واحد هو إسرائيل". ويشير إلى أن واقع مسيحيي غزة لا يمكن فصله عن واقع المسلمين والأوضاع الاقتصادية الصعبة والحصار الخانق وما نجم عنه من أزمات لم يسلم منها أحد ، وسخر قائلا"هل الكهرباء تصل عندي ولا تصل لمنزل جاري المسلم؟" وينتمى المسيحيون في القطاع إلى أربع طوائف دينية هي:الروم الأرثوذكس "الذين يشكلون الغالبية العظمى"، والكاثوليك ، والمعمدانيون، والانجيليون ، وهم يعملون في قطاعات متعددة كالتجارة والعقارات والمصانع والمهن المختلفة. واحتفلت الطوائف التي تتبع التقويم الغربي وأهمها الطائفتان الكاثوليكية "اللاتين" والبروتستانتية بأعياد الميلاد المجيدة في 25 ديسمبر الماضي،في حين بدأت الطوائف التي تسير حسب التقويم الشرقي في فلسطين أمس الاحتفال بالأعياد وهي طوائف الروم الأرثوذكس والسريانيون والمسيحيون الأقباط. ويؤكد سابا الذي ينتمى إلى الطائفة الكاثوليكية أن أهل غزة جميعا يتعرضون لعدوان إسرائيل بغض النظر عن دينهم.مضيفا "الاحتلال لا يفرق بين مسلم ومسيحي عندما يشن حروبه على القطاع،فقد هدم بيتي في حرب 2008-2009 بزعم انه مخزن سلاح لحماس،كما قتلت طائراته ابني الذي كان يسعف المصابين في ذلك الوقت". وشنت إسرائيل عملية عسكرية واسعة على قطاع غزة أطلقت عليها اسم "الرصاص المصبوب" في 27 ديسمبر 2008 وتواصلت على مدار 22 يوما وأدت إلى مقتل نحو 1500 فلسطيني وإصابة 5000 آخرين. ويقول الرجل الستيني:"لا استطيع زيارة القدس أو بيت لحم مهد السيد المسيح خلال الأعياد لأن سلطات الاحتلال تمنعي من السفر واسمي مدرج عندهم في قوائم الممنوعين". وسمحت إسرائيل هذا العام بعد الفحص الأمني لسبعمائة مسيحي من غزة بالدخول إلى الضفة الغربية خلال فترة أعياد الميلاد عبر معبر بيت حانون "إيرز" الحدودي شمال القطاع من خلال منح تصاريح لمن هم دون سن ال 16 وفوق سن ال 35 عاما بهدف زيارة الأقارب والمشاركة في الاحتفالات بالأعياد. ويعبر الشاب فؤاد عياد "عامل" في كنيسة الروم الأرثوذكس بغزة عن ألمه لمنع سلطات الاحتلال للمسيحيين الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و35 عاما من التوجه إلى بيت لحم لحضور أعياد الميلاد.موضحا أن عددا كبيرا من المسيحيين بغزة لا يستطيعون مشاركة أقاربهم في الضفة الغربية أو "أراضي 48″ الفرحة بالأعياد. ويؤكد عياد "27 عاما" عمق العلاقات التي تربط بين المسيحيين والمسلمين في غزة قائلا "نحن شعب واحد..فالدين لله والوطن للجميع".غير أنه لا يخفي حنقه على تردى الوضع الاقتصادي وتفشي البطالة بسبب الحصار. ويقول بنبرة غضب وتحد "لا يوجد بصيص من الأمل في غزة وأفكر في الهجرة الى بلد يحترمني كأمريكا..فلم يقدم لي عباس "الرئيس الفلسطيني" ولا هنية "نائب رئيس المكتب السياسي لحماس" شيئا كي أظل هنا". ويعيش في قطاع غزة الذي يبلغ عدد سكانه نحو 8ر1 مليون نسمة نحو 1200 مسيحي معظمهم في غزة القديمة أو على أطراف مخيم الشاطئ غرب المدينة،حيث أجبرت الظروف الصعبة المئات على الهجرة إلى دول مختلفة.في حين يقدر عدد المسيحيين في الضفة الغربية بنحو أربعين ألفا، وفي الأراضي الفلسطينيةالمحتلة عام 1948 بنحو 150 ألفا يحملون الهوية الاسرائيلية. ويؤكد مدير العلاقات الدينية في كنسية الروم الأرثوذكس جبر الجلدة إن المسيحيين في غزة يعيشون حياتهم بصورة طبيعية وهم كالجسد الواحد مع إخوانهم المسلمين ويلقون احتراما وتقديرا ومعاملة حسنة من الجميع ويؤدون طقوسهم الدينية بحرية ولا يتعرضون لأي ضغوط أو اضطهاد. ويقول الجلدة لوكالة أنباء الشرق الأوسط "من الصعب التمييز بين المسيحي والمسلم..فعاداتنا وتقاليدنا هي تقريبا نفس عادات وتقاليد المسلمين،كما أننا نتبادل الزيارات والتهنئة في الأعياد والمناسبات الاجتماعية". وتعد كنيسة الروم الأرثوذكس أكبر وأقدم الكنائس الثلاث المتبقية في قطاع غزة ويعود تاريخ بنائها إلى عصر إمبراطور القسطنطينية اركاديوس عام 402 ميلادي،وتقع على مساحة تقدر بنحو 216 مترا مربعا معانقة جامع "كاتب ولاية" الأثري الذي يجاورها في حي الزيتون أحد أقدم الأحياء الشعبية بغزة. وتكتظ الكنيسة خلال القداس الأسبوعي يوم الأحد بالمسيحيين من مختلف الأعمار الذين يتوافدون للصلاة ، فيما يحمل أطفال الشموع بين روائح البخور التي تعبق المكان الأثري بجدرانه الذي تزينه صورة المسيح عليه السلام والسيدة مريم العذراء. وللكنيسة مؤسسات فرعية تابعة لها لخدمة المسيحيين،فهناك مجلس وكلاء الكنيسة والمسئول عن الأملاك والأموال في الكنيسة،وجمعية "حاملة الطيب" الخيرية لمساعدة المسيحيين الفقراء وفرقة كشافة ومكتب الشبيبة لخدمة الشبان المسيحيين، بالإضافة إلى مدرسة الروم الأرثوذكس الخاصة والتي يرتادها مسيحيون ومسلمون.كما أن هناك محكمة خاصة بالكنيسة للنظر في القضايا الخاصة بالزواج والطلاق ويتم فيها أيضا معالجة القضايا الخاصة بالخلافات بين المسيحيين. ويقول الجلدة "لا يوجد تقييد على حرياتنا الدينية من قبل حركة حماس بل يساعدوننا في أمور كثيرة" .. واستدرك:"كانت هناك بعض الإشكالات لكنها لا تتعدى كونها حوادث فردية،وإذا ظهرت مشكلة يتم حلها فورا بين الكنيسة والحكماء". وواجه المسيحيون صعوبات في بعض الأوقات بعد تولي حركة حماس الحكم في قطاع غزة في صيف 2007 إثر ظهور بعض الجماعات السلفية المتشددة التي استهدفت بعضا من المؤسسات المسيحية بالتفجير والحرق. ودأبت "حماس" على تقديم التهنئة للمسيحيين من أبناء الشعب الفلسطيني بمناسبة أعياد الميلاد.وخلال هذا العام،وجهت الحركة التهنئة للمسيحيين بمناسبة أعياد الميلاد. وقالت في بيان مقتضب:"نأمل أن تظل الوحدة الوطنية عنوان علاقاتنا الوطنية وأن نعمل على تحرير أرضنا ومقدساتنا الإسلامية والمسيحية من رجس الاحتلال". كما أعلنت حكومة التوافق الفلسطينية تعطيل الدوائر الرسمية بمناسبة أعياد الميلاد وفق التقويم الغربي يوم 25 ديسمبر ويومي رأس السنة الميلادية 1 يناير و7 يناير الذي يوافق عيد الميلاد وفق التقويم الشرقي. ويضيف الجلدة:"نحن شعب تحت الاحتلال..قضيتنا واحدة ونعاني سويا من الحصار والعدوان وما يجري على المسلم يجري على المسيحي".وتابع:"الصاروخ الاسرائيلي لا يميز فبيتي تضرر، كما سقطت شهيدة مسيحية خلال العدوان الأخير". وخلال العدوان الإسرائيلي على غزة "8 يوليو-26 أغسطس 2014″،شيع الفلسطينيون جليلة عياد "60 عاما" أول شهيدة مسيحية سقطت في قصف جيش الاحتلال لمنزلها شرق مدينة غزة والذي أدي أيضا لإصابة زوجها وأحد نجليها بجروح خطيرة. ووسط أجواء حزينة، شارك في تشييع عياد إلى مثواها الأخير عشرات الفلسطينيين من المسلمين الذين لجأوا إلى الكنيسة فرارا من القصف الوحشي وبعد أن دمر جيش الاحتلال منازلهم في حي الشجاعية القريب شرق مدينة غزة. ويعزو مدير العلاقات الدينية في كنيسة الروم الأرثوذكس تناقص أعداد المسيحيين في القطاع إلى وجود هجرات كثيرة إلى الخارج بسبب الظروف الاقتصادية القاسية التي يعيشها القطاع.نافيا أن تكون الهجرة نتيجة اضطهاد او ضغوطات نمارس بحقهم. وأوضح الجلدة أن معظم المهاجرين هم شبان خرجوا من غزة بهدف الدراسة وبعد التخرج فضلوا البقاء في البلدان العربية والأوروبية التي درسوا فيها بسبب الحصار وعدم توافر فرص العمل في القطاع المحاصر. وتفرض إسرائيل حصارا بحريا وبريا وجويا على غزة منذ فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية يناير 2006، وشددته عقب سيطرة الحركة على القطاع في يونيو 2007،وما زال الحصار مستمرا رغم تخليها عن الحكم وتشكيل حكومة التوافق الوطني في 2 يونيو الماضي.