انتهي أمس مجلس حقوق الانسان لمنظمة الأممالمتحدة في جينيف من مراجعته الدورية لحالة و تطور حقوق الإنسان في مصر ، في السنوات الأربعة الأخيرة ، بعد أن كان قد بدأ مراجعته الأولي لذات الموضوع في عام 2010، أي بعد انشاء هذا الجهاز الرئيسي المعني بترقية والدفاع عن حقوق الأنسان في سائر الدول الأعضاء في منظمة الأممالمتحدة بأربعة سنوات، حيث كانت الجمعية العامة لمنظمة الأممالمتحدة قد أنشئت هذا المجلس في عام 2006 . إن الملفت للنظر في هذه المرة، أن 125 دولة عضو في منظمة الأممالمتحدة قد وجهت للوفد المصري أكبر عددا من الأسئلة، و الملاحظات والانتقادات عن حالة حقوق الانسان في مصر فضلا عن المنظمات الحكومية وغير الحكومية ، و ذلك في السنوات الاربعة الأخيرة ، ما أدي الي أن يصدر مجلس حقوق الأنسان 300 توصية للحكومة المصرية من أجل أن تتخذ الأجراءات و التدابير وتصدر وتعدل التشريعات و القوانين اللازمة بهدف مراعاة هذه التوصيات . ان الدلالة الرئيسية التي يجب علي الكافة أن يقروا بها ، أن حقوق الانسان وحرياته العامة ، ليست شأنا داخليا أو اقليميا أو دوليا بل شأنا كونيا ، تعني به سائر المعمورة فلا يقتصر الاهتمام بالانسان وحقوقه علي الدول أو المنظمات أو الكيانات أو الأفراد ، بل سائر أعضاء الجماعة الدولية ، و ما المراجعة الدورية لحالة حقوق الانسان في الدول أعضاء منظمة الأممالمتحدة من قبل مجلس حقوق الأنسان للمنظمة الا تجسيدا لهذه الكونية ، ودحضا لكل دفوع واهية عن احتكار الدولة السيدة لشأن حقوق الانسان في اقليمها باعتبارها شأنا داخليا أو سياديا ، كما تزعم بعض الدول التي تعجز عن الرد عن الأسئلة أو الانتقادات بشأن حقوق الانسان في هذه الدول . إن الكونية تعني أن حقوق الانسان المعلنة بميثاق الاممالمتحدة ، أو المكرسة في الاعلانات العالمية لحقوق الانسان، والمعاهدات الدولية تتجه الي الجميع دون تمييز، وعلي قدم المساواة، كما تعني أن حقوق الانسان هي نتاج لمسيرة طويلة ساهمت فيها شعوب و ثقافات كثيرة و مختلفة ، وهي حقوق كونية لانها لا تنحصر داخل الحدود الوطنية، بل تهم المجتمع الدولي، خاصة وأن العالم أصبح قرية كونية تتشابك فيها المصالح يوما بعد يوم نتيجة للعولة والثورة الاتصالية . ان عالمية حقوق الانسان تعني أن الناس جميعا يتمتعون بالحقوق نفسها ، و أنه لا اساس للتمييز بينهم ، أو بالأصح وجوب تطبيقها في كافة المجتمعات الأنسانية أيا كان موقعها ، و أيا كانت التمايزات الاجتماعية ، و الاقتصادية ،و السياسية ، والثقافية التي تميز كل مجتمع عن الأخر، وقد سبقت مرحلة العالمية في معايير و مبادئ حقوق الانسان مرحلة الخصوصية، وهي تلك التي أصدرت فيها النصوص الوطنية لحقوق الانسان كاعلان حقوق الانسان و المواطن الفرنسي، والوثيقة الأمريكية لحقوق الانسان . و لئن كانت حقوق الانسان كونية فانه يجب الأخذ في الاعتبار خصوصية بعض البلدان و الحضارات و امكانياتها و ظروفها، ولكن بشرط عدم اتخاذ ما سبق حجة أو ذريعة للتنصل من التزامات الدول تجاه حماية و صيانه حقوق الانسان و حرياته العامة، وضرورة توافر العزم الصادق و النية الحسنة تجاه حماية هذه الحقوق و الحريات . لقد أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 ديسمبر 1948 اعلانا " عالميا " وليس دوليا لحقوق الانسان، حيث يشير الي كل أعضاء المجتمع الدولي بغض النظر عن الدولة التي ينتمون اليها أو عن عقيدتهم أو دينهم ، و لقد وصفت الجمعية العامة للأمم المتحدة لاحقا هذه الأعلان بأنه : " مستوي موحدا من الانجاز لكل الشعوب وكل الأمم من أجل تعزيز احترام حقوق الانسان ، و ضمان الاعتراف الفعال بها علي نطاق عالمي " . لقد كان للمؤتمرات الدولية حول حقوق الانسان دور في تكريس كونية حقوق الانسان ، فقد أعلن مؤتمر طهران في 13 مايو 1968 أن : " الاعلان العالمي لحقوق الانسان يقرر فهما مشتركا لدي شعوب العالم بخصوص الحقوق التي لا يمكن التنازل عنها أو انتهاكها لكل أعضاء الأسرة الانسانية ، و يشكل التزاما علي عاتق المجتمع الدولي ". و ختاما ، أن الأوان للتعامل بموضوعية و اهتمام لتساؤلات المجتمع الدولي بشأن حالة حقوق الانسان ، و دحض أية اتهامات جزافية سياسية لتطور حقوق الانسان في مصر ، و عدم ادراك الظروف و المستجدات الخطيرة التي تواجهها مصر علي سائر الأصعدة ، و التي أغفلتها العديد من الدول و المنظمات في أسئلتها و انتقاداتها الأخيرة لمصر أثناء المراجعة الدورية لحالة حقوق الانسان في المجلس الدولي لحقوق الانسان في جينيف . دكتور أيمن سلامة - أستاذ القانون الدولي العام