نقرير: مارينا ميلاد مكتبة مدبولي بائع صحف لم يجيد القراءة، أسسها فى ميدان طلعت حرب، لتصبح ملتقى للأدباء و الشعراء و المثقفين والسياسيين منذ ستينيات القرن الماضى، الأمر الذى جعل صاحبها يطلق عليها "العتبة المقدسة التى تخطاها الجميع" .. مكتبة مدبولى، أحد أهم وأعرق المكتبات المصرية الشاهدة على تاريخ و حكايات احاطته جدرانها و حملته كتبها. أمام مقهى ريش بمنطقة وسط البلد كان يفترش محمد مدبولى الرصيف بالكتب والصحف، ليقوم ببيعها لزوار المقهى، ثم تحولت "فرشته" إلى كشك ازالته البلدية أكثر من مرة، إلى أن استطاع شراء أحد المتاجر المواجهة لتمثال طلعت حرب لتكون مكتبته، التى تضم آلاف الكتب و المراجع والدراسات المصرية و العربية و الأجنبية القديمة و الحديثة، ولذلك اشتهر "مدبولى" ب"وزير ثقافة العرب" .. يقول ابنه أحمد مدبولى، الذى يتولى إدارة المكتبة حاليًا ل "أونا":"وقت إزالة كشك مدبولى كانت جميع الصحف تحتج، والكاتب أنيس منصور كان أبرز من دافعوا باستماته عن وجود كشك لبيع الكتب كما هو الحال فى الدول الأوروبية، إلى أن تم تأسيس المكتبة سنة 1967″، مشيرًا إلى أن المكتبة اصدرت كتابًا يحكى قصة كفاح هذا الرجل، الذى ظل مناصراً للفن و الثقافة، ومعادياً الرقابة وقمع الأفكار، منذ مولده عام 1938 وحتى وفاته عام 2008. "كان هدفى تعليم الناس و بناء صرح ثقافى؛ فلقد سمعت الرئيس جمال عبد الناصر يدعو كل مواطن يمكنه أن يبنى طوبة للبلد أن يفعل ذلك، وأنا وجدت الكتب هى الطوبة التى اجيدها".. هكذا قال الحاج مدبولى – كما كان يفضل أن يٌقال له، فى أحد حواراته، مما جعله يصر على أن يتعلم القراءة من خلال محاولته لقراءة الصحف و الكتب يومياً. صور الشيخ الشعراوى، الرئيس جمال عبد الناصر، الكاتب الكبير يوسف السباعى تعتلى جدران المكتبة، التى تتكون من دورين و حجرة مكتب .. يروى أحمد مدبولى:"زوار المكتبة كانوا من أعضاء مجلس قيادة الثورة، شخصيات سياسية، وجميع الكتاب والأدباء؛ أبرزهم نجيب محفوظ، يوسف السباعى، إحسان عبد القدوس، عباس العقاد، جمال الغيطانى، ويوسف القعيد، إضافة إلى مثقفى العالم العربى، الذين كانوا يدرسون فى مصر، و منهم حاكم الشارقة و صدام حسين، كما أن عبد الناصر و السادات كانوا يرسلون مندوبين لشراء الكتب من مكتبة مدبولى" .. يصمت لحظات ثم يتذكر:" والدى كان يحب عبد الناصر كثيراً ودائماً ما يتحدث عنه، وحدثت مكالمة بينهما عاتبه فيها الرئيس على بيع الكتب التى تهاجم النظام". صورة يوسف السباعي داخل المكتبة بعينين زائغتين بين أرفف المكتبة، التى تحمل مئات الكتب السياسية و الدينية و دواوين الشعر .. يحكى:"قامت المكتبة بالتواصل مع دور النشر فى لبنان و عدد من الدول العربية و مكتبة لندن لإستيراد كتب وتكليف أساتذة بالجامعات المصرية بترجمتها، ثم تحولت المكتبة لدار نشر وكان هناك عدد من الكتاب الحريصين على نشر مؤلفاتهم بمكتبة مدبولى تحديداً ومنهم أنيس منصور". لم تتأثر مكتبة مدبولى بانتشار باعة الكتب حولها فى منطقة وسط البلد، وذلك لأن ما تحويه المكتبة لم يوجد فى أى مكان أخر- حسبما يؤكد صاحبها، ويضيف:"الروايات الأدبية الحديثة هى الأكثر مبيعًا، لكن الكتب الكلاسيكية القديمة مازالت محتفظة بقيمتها، ويحن إليها المثقف دائمًا، خاصة رواد هذه المكتبة". ويختتم أحمد محمد مدبولى، الذى قرر إستكمال مسيرة والده، حديثه:"من يقبل على شراء الكتب حالياً هم المثقفون و الدارسون، أما معظم الشباب فمن يقرأ منهم يكون عبر الأنترنت، خاصة أن المواقع الإلكترونية تطرح الكتب مجاناً، لكنهم لا يمكن أن يشعروا بمتعة القراءة التى يمنحها الكتاب الورقى، وهو ما له رونق و عظمة لا تنتهى ابداً". مكتبة المدبولي جانب من الكتب بمكتبة المدبولي صورة من داخل المكتبة صورة من داخل المكتبة صورة جمال عبد الناصر داخل المكتبة مكتبة مدبولي مكتبة مدبولي