كتبت مارينا ميلاد: لم يكن "مواقف" مجرد اسم عمود ينشر فيه مقالاته على مدار 50 عاماً ، و لكن كان درساً و تسلية و حكمة ينتظرها جمهوره كل يوم فى الصفحة الاخيرة لجريدة الاهرام ..عاش محباً للحياة و الفنون ، بسيطاً ، مغامراً ، متأملاً ، ساخراً ، جامعاً بين الادب و الفلسفة و الصحافة ، ليصبح واحداً من أشهر الرموز الثقافية فى مصر و الوطن العربى .. إنه الكاتب الكبير أنيس منصور ، الذى نحيى اليوم ذكرى ميلاده. "الدنيا كلها تخرج منا و تتشكل و تتلون و تقرب و تبعد كما نريد" .. هكذا رأى أنيس منصور الحياة ، التى يمكن أن نجعلها كما نريد أن تكون ، رافضاً أى دعوه لليأس و الاحباط ، وظل يؤكد على أهمية العمل و السعادة و الحب ، رغم سخريته الدائمة للواقع : "السعادة أن تعيش بعض الوقت ، و تضحك معظم الوقت ، و تحب كل الوقت". ولد فى 18 اغسطس عام 1924 فى مدينة المنصورة ، لاسرة متوسطة، وحصل على ليسانس الاداب قسم فلسفة من جامعة القاهرة عام 1947، ثم تعين أستاذا للفلسفة فى جامعة عين شمس، لكنه ترك منصبه ليبدأ رحلته الصحفية فى مؤسسة أخبار اليوم ، التى ظل يعمل بها حتى عام 1976 ،و أصبح بعدها رئيساً لمجلس إدارة دار المعارف. تنقل خلال فترات عمله بين صحف الاخبار و الاهرام و أخر ساعة ، وعمل رئيساً لتحرير مجالات العروة الوثقى ، مايو ، الكاريكاتير ، الكاتب ، إلى أن كلفة الرئيس السادات بتأسيس مجلة أكتوبر عام 1976 ، و هى مجلة سياسية اجتماعية شاملة ، كونه كان الصديق المقرب له ، و هو ما شبهه الكثيرون انذاك بعلاقة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ، و الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل ، كما إنه رافقه خلال زيارته إلى اسرائيل. "فى حياتنا مصيبتان ؛ أن نعيش بلا حب و أن نحب" ، لخص أنيس منصور بهذه الجملة علاقته بالحب ؛ فقال:"لم استطع العيش بدونه ، و لكن عندما احببت و قررت الارتباط اعترض أخوال زوجتى ، و كانوا يشغلان منصبى وزير التموين و الشئون الاجتماعية ، لان الملف الأمنى ذكر أن لدى قصص غرامية كثيرة ، لكن أحدهما قال لزوجتى :"لو ثبت أنه يعرف ألف واحدة سأزوجه لكى ، و لو كان يعرف واحدة فقط ؛ فلن تتزوجيه لأنه لن يتركها" ، و ثبت ما جعلهم يوافقوا على الزواج ، ثم اعترض الرئيس عبد الناصر بسبب أنه لا يجوز لصحفى أن يناسب الضباط الاحرار ، لكن "هيكل" توسط له و شهد على الزواج". "ينفتح قلب المرأة لمن يدق عليه كثيراً ".. "المرأة خرجت من الرجل ، لا من رأسه كى يتحكم فيها ، و لا من قدمه كى توقعه ، و إنما من أحد جانبيه لكى تكون بجواره ، و من تحت ذراعيه لكى تكون فى حمايته ، و بالقرب من قلبه لكى يحبها" ، رغم كلماته عن المرأة و الحب لكنه رأى أنه حلم لكن الزواج حقيقة و نظام إجتماعى صعب ربما يكون حزين ، و لذلك قرر عدم الانجاب. "السياسة هى فن استغفال الناس ، لعبة الدم و النار ، ليست علما و إنما نشاط داخل السيرك ، و الساسة لا سياسة لهم " ، هكذا وصف أنيس منصور السياسة ، ولم يرد أن يقترب منها أو يكتب عنها ، لكنه قال :"إن مجرد ذكر أوصافها هو صميم السياسة ؛ فهى شر لابد منه" . "من الذى لا يحب فاطمة" ، "غاضبون و غاضبات" ، "حول العالم فى 200 يوم" ، "الرئيس قالى لى و قلت ايضا" ، هذا جزء من مؤلفاته، التى تحول بعضها إلى مسلسلات تلفزيونية ، و ساعدته اجادته اللغات الانجليزية و الالمانية و الايطالية فى ترجمة الكثير من الكتب إلى العربية بلغ عددها 12 كتاباً ، و 5 روايات و 9 مسرحيات ، و حصل على جائزة مبارك للاداب عام 2001 ، إضافة إلى جائزة الفارس الذهبى من التلفزيون المصرى لاربع سنوات متتالية، وغيرها ، كما فاز بلقب الشخصية الفكرية العربية الاولى من مؤسسة السوق العربية فى لندن. "ما الذى خرجت به من هذه الدنيا؟..الجواب:لا شئ .. فالذى يموت لا يأخذ شيئاً و لكنه يترك أِشياء يحددها هو " .. هذه كلمات الكاتب الراحل أنيس منصور فى إحدى مقالاته بعمود "مواقف" بجريدة الاهرام ، لتتحول تلك الكلمات إلى حقيقة معه ؛ فهو لم يأخذ شئ عندما رحل فى 21 اكتوبر 2011 ، و لكن ترك الكثير من الارث الثقافى و الصحفى و الفنى ، ليظل باقياً دائماً.