قضى العالم 12 يومًا يحدّق فى السماء.. سماء تل أبيب وطهران، وهي تضيء بوميض الصواريخ، وتشتعل بألسنة اللهب، وتصخب بأزيز الطائرات المسيّرة، ودخان الضربات المتصاعدة.. وبينما احتدم الاشتباك العسكري على الأرض وفى الجو، كان هناك اشتباك موازٍ لا يقل ضراوة: حرب للسيطرة على العقول ومعركة على الوجدان، سلاحها الرئيسى هو الإعلام، وساحتها الأوسع الفضاء الرقمى فى العالم والإقليم، والمنطقة العربية. .. كيف أدار الطرفان هذه الحرب الإعلامية؟ وما كانت ردة فعل الجمهور المستهدف، سواء فى الداخل الإيراني والإسرائيلي، أو فى نطاق الإقليم الأوسع؟ من طهران إلى تل أبيب، حاول كل طرف تقديم نفسه باعتباره المنتصر، مسوّقًا روايته لجمهوره المحلي، وساعيًا أيضًا للتأثير فى معركة كسب العقول على الساحة الإقليمية. على الجبهة الإيرانية، قدّم الإعلام الرسمي وشبه الرسمي المعركة بوصفها ردًا سياديًا مشروعًا على "عدوان غادر" استهدف منشآت مدنية وعلماء نوويين. وأكدت الرواية الإيرانية أن طهران نجحت فى كسر هيبة الردع الإسرائيلي من خلال توجيه ضربات إلى العمق، بل واستهدفت قواعد أمريكية شريكة فى "العدوان".. وفى هذا السياق، صاغ الإعلام الإيراني رسائله تحت عناوين مثل: "المعركة ليست مع إسرائيل فقط، بل مع شريكها الأمريكي" و "إيران تردّ.. وتسقط أسطورة الجيش الذي لا يُقهر". وداخليًا، ركز الخطاب الإعلامي الإيراني على تعزيز الثقة فى النظام، والتأكيد على أن المقاومة مستمرة، وأن الحرب جزء من "مهمة إلهية" ضد "العدو الصهيوني"، وأن ما تحقق هو نصر رمزي يؤكد صلابة الجمهورية الإسلامية رغم تفوق العدو التكنولوجي والعسكري. على الجانب الآخر، قدّمت الرواية الإسرائيلية المعركة بصورة معكوسة تمامًا؛ إذ سعت تل أبيب إلى تصوير إيران على أنها الخطر الوجودي الأكبر فى المنطقة، وأن الضربة الإسرائيلية كانت استباقية وناجحة، ألحقت أضرارًا كبيرة بمنظومة إيران الصاروخية، وبرنامجها النووي، وقادة الحرس الثوري. وأكدت الرواية الإسرائيلية أن الرد الإيراني كان متوقعًا وتم امتصاصه عبر نظام دفاعي فعال، وأنه لم يحقق أي اختراق استراتيجي، فيما ركز الإعلام العبري على رسائل الطمأنة الداخلية، مثل قوة الدولة، وانسجام القيادة، وتفوق الجيش، خصوصًا سلاح الجو، الذي "فرض سيطرته الكاملة على سماء إيران". وسعى كلا الطرفين إلى استخدم الإعلام كأداة لتعزيز شرعيته الداخلية وتثبيت صورته فى الخارج: إيران تسوّق لانتصار معنوي يعيد تثبيتها كقوة إقليمية قائدة لمحور المقاومة، و إسرائيل تسعى لتأكيد تفوقها العسكري والتكنولوجي، واستمرار قدرتها على الردع. لكن الجمهور المستهدف، سواء داخل إسرائيل وإيران أو فى دول الجوار، لم يتفاعل مع هذه السرديات بنفس الدرجة من التلقّي، فالدول العربية، خصوصًا الخليجية التى باتت تنظر بريبة إلى هذا التصعيد المتكرر بين قوتين توصفان أحيانًا ب"اللاعقلانية فى اتخاذ القرار"، وهو ما يجعل المنطقة كلها رهينة لحالة من اللايقين الجيوسياسي. وفى النهاية، لم تُحسم المعركة عسكريًا بقدر ما تم ترحيلها إلى أروقة السياسة، حيث يحاول كل طرف استثمار ما جرى كأوراق تفاوض. وبينما تستمر المعركة الإعلامية، تبقى الشعوب فى المنطقة، وداخل إيران وإسرائيل على حد سواء، تدفع الثمن النفسي والاقتصادي لصراعات ليس لها الخيار، لا فى توقيتها ولا استمرارها، أو كتابة كلمة النهاية فيها.