إقليم بائس تشتعل بأركانه النار فوق الرماد، فلا تلبث أن تخمد النيران لتشتعل فوق رمادها نيران جديدة، عودة التصعيد العسكري بغزة والضفة وبالتوازي مع اشتعال الأوضاع باليمن وجنوب البحر الأحمر بجانب تصاعد التوتر على الحدود السورية اللبنانية، واستمرار انتهاك جيش الاحتلال لسيادة سوريا ولبنان بينما تدفع الولاياتالمتحدةالأمريكية بثلاث حاملات طائرات إلى المنطقة وتلوح بالخيار العسكري بوجه إيران، جميعها مؤشرات أن الشرق الأوسط أمام موجة جديدة من الفوضي الإقليمية، وعلى رغم حديث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حينما كان على أعتاب البيت الأبيض الذي أشار خلاله إلى وقف الحروب وإقرار السلام إلا أن الواقع الحالي يؤكد أن ترامب قد انغمس فى مستنقع الحرب بالشرق الأوسط، بل إنه قد وجه فى السابق انتقادات حادة للرئيس السابق بايدن بشأن إشعال الحروب، بينما هو الآخر انجر وراء رغبة نتنياهو واندفع عسكريا نحو منطقة الشرق الأوسط كما فعل بايدن تماما. التصعيد الإقليمي الآني سبقته مؤشرات مهدت له، أولا على صعيد الداخل الإسرائيلي حيث عدد من الاستقالات أو الإقالات بمناصب وزير الدفاع، ورئيس الأركان، ثم رئيس الشاباك، فى دلالة واضحة على أن نتنياهو أزاح كل من عارض العودة للحرب والتصعيد ليحقق رغبته فى البقاء بالحكم والحفاظ على تماسك الحكومة التي يهدد وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش بالرحيل منها، ومن ثم انهيارها والتي استقال منها فى وقت سابق إيتمار بن غفير وزير الأمن القومي واثنين من حزبه، ثانيا فشل خطط كل من ترامب أو خطة الجنرالات الإسرائيلية فى تحقيق نفس غرض الحرب على غزة من تهجير وإعادة احتلال للقطاع ما جعل إسرائيل تخشى من الحلول السياسية والدبلوماسية التي تتجه نحو دعم دولي للخطة العربية لإعادة إعمار غزة، ومن ثم العودة للحرب هو السبيل الأمثل أمام نتنياهو للمحافظة على مخططات تهجير سكان القطاع والتملص والهروب من اتفاق وقف إطلاق النار وعدم الذهاب إلى المرحلة الثانية من هذا الاتفاق، وهو الوعد الذي أخذه نتنياهو على نفسه أمام سموتريتش، أو التفاوض تحت القصف لجعل الاتفاق من مرحلة واحدة لا تشمل تثبيت وقف إطلاق النار أو الإعمار. مستقبل الشرق الأوسط على المحك، بل إن إسرائيل نفسها التي تشعل المنطقة ستنكوي بنفس النيران فهي ليست بمعزل عن الإقليم، فلا يمكن الحديث عن سلام واستقرار إسرائيل دون سلام واستقرار إقليمي يشمل الجميع، ولا يمكن أيضا الحديث عن مستقبل لخفض التصعيد فى ظل وجود نتنياهو الذى هو أحق بالإقالة والرحيل عن المشهد الذي بات عبثيا؛ بسبب رغباته الشخصية فى البقاء على سدة الحكم، وإن كان هذا على حساب أمن واستقرار الإقليم.