«مصر مش فيها حاجة حلوة.. مصر كلها حاجة حلوة «.. لم تكن المداخلة الودية التي قام بها الأميرعبد العزيز بن سلمان وزير الطاقة السعودي خلال مشاركته فى مؤتمر ومعرض مصر الدولي الثامن للطاقة «ايجيبس»، وحديثه بود ومحبة شديدين، مجرد حديث عابر وإنما كانت كلماته البسيطة وطريقته الباسمة تحمل إشارة صريحة إلى تقارب كبير وقوى – ربما تنامى أكثر فى الفترة الماضية – بين القاهرةوالرياض، وتحمل أيضا توثيقا لعلاقات تاريخية متجذرة بين البلدين . العلاقات بين مصر والسعودية تمتاز بالعمق التاريخي والتعاون الاستراتيجي والتنسيق المستمر تجاه المسائل والقضايا التي تهم البلدين على الساحتين الإقليمية والدولية، لدعم وتعزيز الأمن والاستقرار فى المنطقة والعالم، نظرًا للمكانة العالية والموقع الجغرافى اللذين يتمتعان بهما البلدان، مما يعزز من ثقلهما على الأصعدة العربية والإسلامية والدولية. الدولتان تتمتعان بثقل وقوة وتأثير على الأصعدة الثلاثة، مما يعزز من مستوى وحرص البلدين على التنسيق والتشاور السياسي المستمر بينهما، لبحث مجمل القضايا الإقليمية والدولية فى مواجهة التحديات المشتركة، وخدمة قضايا الأمتين العربية والإسلامية، والأمن والسلم الدوْلِيين. النظام العربي ولأن مصر والسعودية دولتان رئيسيتان فى النظام السياسي العربي، وقائدتان نظرًا لتاريخهما الطويل وحضارتهما وإمكانياتهما الاقتصادية وموقعهما الجغرافى لعوامل كثيرة تربط البلدين، فإن موقفهما فيما يتعلق بالقضايا العربية وتحديدا قضيتنا الأولى «القضية الفلسطينية»، هو موقف واحد مستند إلى رؤى متوافقة وجهد دؤوب ومستمر من أجل الوصول إلى الهدف الأساسي وهو حل القضية على أساس ما جاء فى المبادرة العربية. ولقد ظهر التقارب والموقف الواحد بين الدولتين بشكل ملحوظ مؤخرًا حول خطة ترامب لقطاع غزة، فبينما تضغط واشنطن لإعادة رسم المشهد الفلسطيني، تعلن القاهرة موقفا صلبًا ضد التهجير سواء لسيناء أو للأردن أو للسعودية مؤكدة أن أمن المملكة خط أحمر، كما أنها – وأقصد القاهرة – تطرح بديلاً عربيًا يحظى بدعم الرياض، خلال لقاء الرياض الأخير وهو ما يمكن أن يوحد الموقف الدبلوماسي العربي فى مواجهة التصعيد الإسرائيلي، والذي تعلن تفاصيله بشكل أكبر وأوضح فى القمة الطارئة بالقاهرة المزمع عقدها أوائل الشهر المقبل. سياسة واقتصاد وفى واقع الأمر فإن الحراك والحيوية لم تكن فى العلاقات السياسية فقط بين البلدين وإنما هناك نشاط وحراك كبيران فى العلاقات الاقتصادية فهي مدعومة بحرص قيادتي الدولتين على تعزيز الشراكة الاقتصادية والاستراتيجية وتحقيق التكامل الصناعي، خاصة وأن الدولتين تستهدفان تكامل التنمية وتعظيم الإمكانيات، خاصة مع وجود توجهات سعودية بزيادة حجم استثماراتها فى مصر، وكانت هناك توجهات خلال الشهور الماضية من ولي العهد السعودي لصندوق الاستثمارات العامة السعودي بضخ استثمارات بنحو 5 مليارات دولار فى مصر كمرحلة أولى، ومتوقع أن تشهد الفترة المقبلة ضخ المزيد من الاستثمارات السعودية فى مصر خاصة فى قطاع الصناعة بعد تأسيس المجلس التنسيقي بين مصر والسعودية وبعد توقيع اتفاقية حماية وتشجيع الاستثمارات المصرية السعودية، بما يفتح الباب أمام الشركات السعودية لضخ نحو 15 مليار دولار خلال 3 سنوات، بالتزامن مع الجهود المبذولة للحكومة المصرية لحل مشاكل المستثمرين السعوديين، ولمن لا يعرف فإن حجم الاستثمارات السعودية فى مصر المتمثلة فى شركات القطاع الخاص السعودي تبلغ نحو 35 مليار دولار، بينما الشركات التابعة لصندوق الاستثمار السيادي السعودي بلغت نحو 3 مليارات دولار، وفقا لتصريحات منشورة ل «بندر العامري» رئيس مجلس الأعمال السعودى المصرى، تعمل فى مصر نحو 7400 شركة سعودية، كما تعمل 6500 شركة مصرية فى السعودية، متوقعا اتجاه السعودية لتحويل ودائعها الموجودة فى مصر والتي تقدر بنحو 10.3 مليار دولار إلى استثمارات مباشرة تضخ فى شرايين الاقتصاد المصري خلال الفترة المقبلة. اجتماع الرياض لم يكن كما تردد وأشيع أن الاجتماع غير الرسمي الذي دعا إليه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، سوف يؤثر بشكل مباشر على القمة التى دعت إليها مصر وإنما الأمر كما وضح تماما فقد جاءت فلسفة تكوين هذا الاجتماع غير الرسمي – كما أعلن – من كون هذه الدول معنية بالاتصال المباشر بالقضية الفلسطينية وما يُطرح من جهة الإدارة الأمريكية، كحال مصر والأردن، بجانب الصلة الوثيقة لقطر مع حركة حماس، وما تلعبه من أدوار ضمن الوساطة الدائرة بشأن وقف إطلاق النار، ثم ثقل السعودية والإمارات السياسي والمعنوى والمادي، من جهة علاقاتهما مع واشنطن، ومصالحها الاستراتيجية معهما، وقُدرتهما على حشد الجهود المطلوبة لتمويل خطة إعمار غزة، كونها خطة باهظة التكلفة. كما أن اجتماع الرياض فى حقيقته وجوهرة يبعث برسالة إلى الجميع بأن المعنيين المباشرين بالوضع فى فلسطين يرفضون «خطة ترامب»، ويقدمون البديل، ولديهم من وسائل تفعيله وضمان تحققه عمليّا ما يكفى للاطمئنان إلى الخطة المُقترحة، وأيضا فى قمة القاهرة رسالة قوية وجوهرية للعالم وفى مقدمته أمريكا وإسرائيل بأن هناك موقفا عربيا واحدا وموحدا وهناك حاضنة عربية لكل العناصر الأساسية فى مشهد الاعتراض على الخطة الأمريكية بشأن التهجير «ريفيرا الشرق» والاستبدال بخطة عربية كاملة وواقعية وقابلة للتنفيذ. عناصر القوة وهذا هو المنطقى، ولا يجب أن نترك الأمر لتأويلات وتفسيرات موجهة، وكلنا نعلم أغراضها وأهدافها ومن يقف وراءها، فمن الطبيعى بل ومن الحتمي حاليا أن ينظر العرب فى هذا الإقليم المضطرب إلى عناصر قوتهم، ويفرزوها ويعيدان ترتيبها، بما يسمح لهم بتوظيفها على الوجه الأكمل والأكثر فاعلية، وأعتقد أن الفاصل الزمنى بين اجتماع الرياض والقمة الطارئة بالقاهرة، إنما يترك هامشا للإدارة الأمريكية أن تنظر إلى الصورة من كل زواياها، وأن تعيد حساباتها، فيما تعده منافع فى «خطة التهجير»، وما تحمله لها رياح الرفض من أجراس إنذار لا تتصل بمصالح واشنطن الحيوية فقط، بل تنفتح على خيارات كثيرة تمس السلم والاستقرار فى المنطقة كلها، وتطول أول ما تطول إسرائيل نفسها، والتي تظن أنها بما تفعله تعطيها مفاتيح المنطقة، ولكن فى الحقيقة هى تعطيها مفاتيح أبواب تسكن وراءها نار مستعرة هي نار من الجحيم العربي الغاضب.