هذا الرجل (يجبرك) على حبه واحترامه وتقديره، تحبه.. لأدبه الجم وتواضعه وتعامله الإنسانى مع الجميع، وتحترمه.. لإنجازاته العلمية وتاريخه المهنى، ومؤلفاته المتخصصة حول السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية، والإصلاح المؤسسى، والنظريات المختلفة للتنمية. ومع تخصصه فى "الاقتصاد" بما يعنيه ذلك من تعبيرات جافة وأرقام صعبة، إلا أنه مفكر وشاعر وأديب، وصدر له العديد من الروايات والقصص القصيرة.. وتقدره.. لأنه خدم بلاده بجدية وإخلاص فى كل مهمة كُلِّف بها أو وظيفة تولاها، كان آخرها وزيرًا للتربية والتعليم، ومن قبلها رئيسا لجامعة المنصورة، ومن قبلهما أحد أبطال حرب أكتوبر المجيدة.. كما حصل على نوط الامتياز، وجائزة الدولة التقديرية، ثم أنه مازال يحاول نشر الوعى الثقافى والاقتصادى ومساعدة المجتمع فى فهم وحل ما يعانيه من مشكلات. من خلال تأسيسه وإدارته "للصالون الثقافى" الذى يعقده شهريًا بمنزله بالتجمع أو فى مقرات الجامعات والنقابات المهنية. مناسبة ما تقدم هو صدور كتاب "مشاهد تنبض فى ذاكرة مثقوبة"، للدكتور أحمد جمال الدين موسى، "سيرة ذاتية"! وقد حضرت أكثر من لقاء لمناقشة "السيرة"، أدار إحداها باقتدار د. أحمد زايد ببيت السناري بحي السيدة، التابع لمكتبة الإسكندرية، شارك فيه العديد من الأدباء والنقاد، الذين أشادوا بالكتاب ومحتواه. ومع ذلك.. وبعد قراءتي "للسيرة"، التى استعرتها من أحد الأصدقاء، اكتشفت أنها ليست مجرد سيرة، كما أنها ليست مذكرات.. وإنما هى وصف ورصد للأحوال المصرية، من الريف إلى المدينة، وبعض الدول العربية والأجنبية، ومن خلال رواية "صاحبها" لنشئته وتطور مراحله الدراسية، مرورًا بعضويته فى منظمة الشباب والبعثة، ثم ممارسة العمل الأكاديمى بحقوق المنصورة. وأعتقد أن – السيرة – كتبت بأسلوب وصفى متدفق تثير الشغف لمتابعة الأحداث والمواقف، التى تعرض لها صاحبها فى الأمكنة والأزمنة المختلفة، خاصة أنه يجيد الوصف والحكى، مع ذكر التوقيتات والأسماء، وكأنك تتابع أحداث روائية مشوقة. ومن ثم أختلف مع العنوان، فالذاكرة إذن ليست مثقوبة وإنما حية وحاضرة، ولكن قد يكون هناك تفضيل لبعض المشاهد تم ذكرها دون غيرها! وإذا كان الراوي قد توقف عند مرحلة العودة من الإعارات الخارجية وممارسة العمل الأكاديمى.. فماذا عن رئاسته للجامعة، وعن فترة توليه الوزارة؟.. فى الفترة التى وصفت بأنها كانت "تجارب تعليمية" على الطلاب، نحن فى انتظار.. الجزء الثانى من السيرة أو المذكرات!