يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا» .. تلك هي القاعدة الربانية التي أرساها المولى عز وجل فى القرآن الكريم للتعايش الإنساني بين البشر، والتي كانت النواة الأولى للعديد من الاتفاقيات والتفاهمات بين المسلمين وغيرهم من الأمم والشعوب، من أجل التعايش المشترك والتمسك بقيم السلام وإعلاء قيم التعارف المتبادل والأخوة الإنسانية والعيش المشترك. ياسر حسني من هذا المنطلق، كانت صحيفة المدينةالمنورة، التي أقرها النبي عليه الصلاة والسلام عقب استقراره بالمدينة، والتي تعد أول وثيقة للأخوة الإنسانية بما تضمنته من مبادئ إسلامية وإنسانية للتعايش والتآخي بين المسلمين وبعضهم البعض، وبينهم وبين اليهود وغيرهم من أهل يثرب «المدينةالمنورة» وكذلك بين غير المسلمين وبعضهم البعض، بل بين أهل يثرب وغيرهم من القبائل والشعوب المجاورة لهم. وفى عصرنا الحالى، وتحديدا فى 4 فبراير 2019، استلهم الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، روح «صحيفة المدينةالمنورة» فدشن مع البابا فرنسيس بابا الفاتيكان، «وثيقة الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك»، والتي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع، ضمن مبادرة قدمتها كل مصر والإمارات والبحرين والسعودية، وليحتفل المجتمع الدولي فى الرابع من فبراير من كل عام، باليوم العالمي للأخوة الإنسانية ابتداءً من عام 2021. الاحتفال العالمي الثالث بيوم الأخوة الإنسانية فى 4 فبراير 2023 ، يأتى فى وقت تعاني فيه البشرية أشد المعاناة من أزمة اقتصادية طاحنة فاقمت من تداعياتها تلك الحرب التي نشبت منذ عام تقريبا بين روسيا وأوكرانيا، وكذلك تئن الأراضي الفلسطينية المحتلة من اعتداءات جيش الاحتلال الاسرائيلي على ابناء الشعب الفلسطيني الصامد، وغيرها من الأزمات السياسية والإنسانية التي تعاني منها العديد من شعوب العالم فى شتى بقاع الكرة الأرضية. وتأكيدًا على ما جاءت به بنود وثيقة الأخوة الإنسانية، وإيمانًا منه بأهمية السلام ودوره فى تحقيق الاستقرار عالميا، فقد دعا الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، روسيا وأوكرانيا إلى الاحتكام لصوت العقل، والوقف الفوري للحرب الروسية الأوكرانية، وحفظ دماء الأبرياء وطالب قادة العالم والمؤسسات الدولية بدعم الحلول السلمية لإنهاء هذا النزاع الدامي. وقال الإمام الأكبر فى تغريدة له على حسابه فى تويتر: «لن تجلب الحروب لعالمنا سوى مزيد من الدمار والكراهية، ولا يمكن تسوية النزاعات إلا بالحوار»، مضيفا فى تغريدة لاحقة: «ما نشاهده من ترويع الأوكرانيين الآمنين وخروجهم من ديارهم بحثًا عن الأمن والأمان؛ لهو اختبار حقيقي لإنسانيتنا، أدعو المجتمع الدولي لمضاعفة المساعدات الإنسانية لأوكرانيا، وبذل مزيد من الجهد لوقف الحرب، وأسأل الله أن يعجِّل بذلك ويعود هؤلاء الأبرياء إلى ديارهم سالمين.» وأكد الدكتور أحمد الطيب، أن الاحتفال باليوم الدولي للأخوة الإنسانية، يأتي فى إطار «احترام المجتمع الدولي لخصوصية الأديان والعقائد، من أجل عالم أفضل تسوده روح التسامح والإخاء والتضامن والتكافل»، مشيرًا إلى أن «وثيقة الأخوة الإنسانية كتبت تحت قباب الأزهر الشريف، وبين جنبات حاضرة الفاتيكان؛ إيمانا من الجميع بضرورة التفاهم بين المؤمنين بالأديان، بل غير المؤمنين بها». وخلال ملتقى البحرين للحوار، الذي عقد فى نوفمبر الماضي، قال د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر، إن وثيقة الأخوة الإنسانية قدمت نموذجا للحوار وسلطت الضوء على أهمية العلاقة بين الشرق والغرب، منوها إلى أن الشرق والغرب بحاجة لبعضهما البعض ويجب ألا نيأس من أن تستعيد العلاقات بين الطرفين صحتها، مؤكدا أن سبب المآسي التي تشهدها بعض دول العالم هو غياب ضوابط العدالة الاجتماعية، داعيا إلى وقف خطابات الكراهية المتبادلة. ومن جانبه، حرص الرئيس عبد الفتاح السيسى، على أن يكون فى أوائل الداعمين للاحتفال الأول باليوم العالمى ل»الأخوة الإنسانية»، فى 4 فبراير 2021 فوجه رسائل مهمة عبر حسابه الرسمى بموقع «فيس بوك»، قائلاً: «يحتفى العالم اليوم بقيمة إنسانية مهمة لعلنا نحتاج إليها أكثر من أى وقت مضى، وهى قيمة الأخوة الانسانية.. إن هذه المناسبة المهمة تذكرنا جميعا بأهمية الحوار لفهم وتقبل الآخر، كما تذكرنا بأهمية تعزيز التعاون لنبذ التعصب والتصدى لخطاب الكراهية، ونشر قيم التسامح والعدل والمساواة من أجل تحقيق السلام والاستقرار». وأضاف الرئيس: «إن مصر مهد الحضارة الإنسانية، وعلى أرضها كلم الله موسي، وارتحل إليها السيد المسيح وأمه العذراء السيدة مريم، ودخلها الإسلام منذ فجر بزوغه، ونسعى دوما لتوطيد دعائم الأخوة بين أبناء المجتمع كنسيج وطنى واحد يتمتعون بكل حقوقهم دون تمييز، ونتصدى لدعاوى الكراهية والتحريض على العنف، وفى هذا السياق، تبذل المؤسسات والقيادات الدينية فى مصر قصارى جهدها لتعزيز الحوار بين أتباع الأديان السماوية المختلفة ورفع مستوى الوعى بالقيم الانسانية المشتركة». وتابع: «وإننى فى هذا اليوم، أتوجه بدعوة عامة للعمل من أجل نشر ثقافة السلام وإعلاء قيم التسامح والتعايش السلمى، ونبذ كل مظاهر العنف والتطرف التى راح ضحيتها العديد من الأبرياء وسلبتهم حقهم فى الحياة». وأكد البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، أن وثيقة الأخوة الإنسانية تضع أسس الحوار والتقارب من أجل مصلحة البشرية. وقال بابا الفاتيكان، خلال كلمته فى ختام أعمال ملتقى البحرين للحوار: «عازمون على اختيار طريق اللقاء والحوار بين الشرق والغرب وليس طريق المواجهة»، محذرا من العنف واللجوء للسلاح حول العالم. ونبه البابا فرنسيس، إلى ضرورة تطبيق بنود وثيقة الأخوة الإنسانية قائلا: «إما أن نكون إخوة أو سينهار كل شيء»، موضحا أن هذا الأمر هو «تحدي القرن الذي نعيشه، والأخوة تعني الاحترام والاستماع بقلب منفتح، والقبول الصادق، وعلينا ألا نتخلى عنها». ومن جانبه، قال أنطونيو جواتيريش، الأمين العام للأم المتحدة: «إن إعلان الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك، الذي صدر عن الإمام الأكبر أحمد الطيب شيخ الأزهر، والبابا فرنسيس لنموذجٌ للوئام بين الأديان والتضامن الإنساني. فدعونا نتخذْ من ذلك مصدر إلهامٍ لنا جميعا ونجددْ التزامنا بالوقوف معا كأسرة بشرية واحدة». وحرصت الجمعية العامة للأمم المتحدة، على أن تؤكد أهمية تلك الخطوة التي انتهجها شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان بتوقيعهما وثيقة الأخوة الإنسانية، ومدى حاجة الإنسانية لتفعيل بنودها حقنا للدماء ووأدًا للمشاحنات والاضطرابات، فقالت فى بيان اعتماد اليوم العالمي للأخوة الإنسانية أنه «فى هذه الأوقات بصفة خاصة، ينبغي علينا، أكثر من أي وقت مضى، الإقرار بالمساهمة القيمة التي يقدمها الأشخاص من جميع الأديان أو المعتقدات إلى البشرية والمساهمة التي يمكن أن يقدمها الحوار بين جميع المجموعات الدينية فى زيادة الوعي بالقيم المشتركة بين جميع البشر وتحسين فهمها» وأضاف بيان الأممالمتحدة: «يجب علينا جميعًا أن نسلم بأن التسامح والتعددية والاحترام المتبادل وتنوع الأديان والمعتقدات عوامل تعزز الأخوة الإنسانية. كما أن علينا أن نشجع الأنشطة الرامية إلى تعزيز الحوار بين الأديان والثقافات من أجل تعزيز السلام والاستقرار الاجتماعي واحترام التنوع وتوخي الاحترام المتبادل، وتهيئة بيئة مواتية لتحقيق السلام والتفاهم المتبادل على الصعيد العالمي وأيضا على الصعد الإقليمي والوطني والمحلي». ننشر أهم بنود «وثيقة الأخوة الإنسانية» التعاليم الصحيحة للأديان تدعو إلى التمسك بقيم السلام وإعلاء قيم التعارف المتبادل والأخوة الإنسانية والعيش المشترك. الحرية حق لكل إنسان: اعتقادا وفكرا وتعبيرا وممارسة، وأن التعددية والاختلاف فى الدين واللون والجنس والعرق واللغة حكمة لمشيئة إلهية، قد خلق الله البشر عليها، وجعلها أصلا ثابتا تتفرع عنه حقوق حرية الاعتقاد، وحرية الاختلاف، وتجريم إكراه الناس على دين بعينه أو ثقافة محددة، أو فرض أسلوب حضاري لا يقبله الآخر. العدل القائم على الرحمة هو السبيل الواجب اتباعه للوصول إلى حياة كريمة، يحق لكل إنسان أن يحيا فى كنفها. الحوار والتفاهم ونشر ثقافة التسامح وقبول الآخر والتعايش بين الناس، من شأنه أن يسهم فى احتواء كثير من المشكلات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والبيئية التي تحاصر جزءا كبيرا من البشر. الحوار بين المؤمنين يعني التلاقي فى المساحة الهائلة للقيم الروحية والإنسانية والاجتماعية المشتركة، واستثمار ذلك فى نشر الأخلاق والفضائل العليا التي تدعو إليها الأديان، وتجنب الجدل العقيم. حماية دور العبادة، من معابد وكنائس ومساجد، واجب تكفله كل الأديان والقيم الإنسانية والمواثيق والأعراف الدولية، وكل محاولة للتعرض لدور العبادة، واستهدافها بالاعتداء أو التفجير أو التهديم، هي خروج صريح عن تعاليم الأديان، وانتهاك واضح للقوانين الدولية. الإرهاب البغيض الذي يهدد أمن الناس، سواء فى الشرق أو الغرب، وفى الشمال والجنوب، ويلاحقهم بالفزع والرعب وترقب الأسوأ، ليس نتاجا للدين – حتى وإن رفع الإرهابيون لافتاته ولبسوا شاراته – بل هو نتيجة لتراكمات الفهوم الخاطئة لنصوص الأديان وسياسات الجوع والفقر والظلم والبطش والتعالي. مفهوم المواطنة يقوم على المساواة فى الواجبات والحقوق التي ينعم فى ظلالها الجميع بالعدل لذا يجب العمل على ترسيخ مفهوم المواطنة الكاملة فى مجتمعاتنا. العلاقة بين الشرق والغرب هي ضرورة قصوى لكليهما، لا يمكن الاستعاضة عنها أو تجاهلها، ليغتني كلاهما من الحضارة الأخرى عبر التبادل وحوار الثقافات. الاعتراف بحق المرأة فى التعليم والعمل وممارسة حقوقها السياسية هو ضرورة ملحة، وكذلك وجوب العمل على تحريرها من الضغوط التاريخية والاجتماعية المنافية لثوابت عقيدتها وكرامتها. حقوق الأطفال الأساسية فى التنشئة الأسرية، والتغذية والتعليم والرعاية، واجب على الأسرة والمجتمع، وينبغي أن توفر وأن يدافع عنها، وألا يحرم منها أي طفل فى أي مكان. حماية حقوق المسنين والضعفاء وذوي الاحتياجات الخاصة والمستضعفين ضرورة دينية ومجتمعية يجب العمل على توفيرها وحمايتها بتشريعات حازمة وبتطبيق المواثيق الدولية الخاصة بهم. وثيقة المدينة أول دستور للمواطنة والتسامح بين الأديان «الأخوة الإنسانية تجمع البشر جميعا، وتوحدهم وتسوي بينهم، والحرية وهبها الله لكل البشر وفطرهم عليها وميزهم بها، والعدل والرحمة، أساس الملك وجوهر الصلاح».. كلمات استلهمتها وثيقة الأخوة الإنسانية من وثيقة سبقتها بأكثر من 1400 عام، هي صحيفة المدينة أو دستور يثرب، أو العهد النبوي، وكلها أسماء وضعت لوصف أول دستور مدني متكامل فى التاريخ أرسى قواعد المواطنة وثبت أركان العدل بين مكونات المجتمع وطوائفه، أكثر الأدلة وضوحا على سماحة الإسلام فى التعامل مع المخالفين له فى الاعتقاد، بل وأول وثيقة حقوقية، وعقد مواطنة متقدم على عصره. هذه الوثيقة المحمدية التي استلهمت منها وثيقة الأخوة الإنسانية مبادئها، بعد 14 قرنا من الزمان، وضع بنودها نبيّنا محمد، صلى الله عليه وسلم، عندما هاجر من مكة إلى المدينة فى السنة الأولى للهجرة، أي عام 623م، كانت حاضرة فى مبادئها النبوية وبنودها الإيمانية الداعية إلى المساواة والعدل وحرية العقيدة فى «وثيقة الأخوة الإنسانية»، التي تعد بدورها أول خارطة طريق لخير البشرية فى العصر الحديث، يتفق عليها رمزان دينيان بقيمة وقامة شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان. فبعد هجرة النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى المدينةالمنورة، أقام قواعد المجتمع الإسلامي الجديد على قاعدة التعايش السلمي والتسامح والتعاون بين المسلمين وبقية الطوائف الأخرى، فدخل المسلمون فى ميثاق مع القبائل العربية واليهودية المقيمة هناك، فكانت «وثيقة المدينة» هي الدستور الذي ينظم العلاقات بين مكونات المجتمع الجديد وبين من انضوى تحته من الطوائف، والتزموا جميعًا بموجبها مسلمين أكانوا أم غير مسلمين بالتعاون فيما بينهم على إقامة العدل، والحفاظ على الأمن وحماية الدولة الجديدة من أي عدوان خارجي. وقد احتوت هذه الوثيقة على كل المبادئ التي ترسخ التسامح والتعايش والسلم داخل المجتمع الواحد بين كل أفراد المجتمع باختلاف أعراقهم ودياناتهم وتوجهاتهم على أساس المواطنة، كما أنها وضعت ضوابط للعلاقة بين هذا المجتمع الجديد «يثرب» وبين المجتمعات التي تحيط به فى هذا الوقت أو المجتمعات التي قد تتداخل معه فى المستقبل. وقد أرست البنود الأولى لصحيفة المدينةالمنورة مبدأ التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع، حيث استفاد النبي من الجانب الإيجابي للترابط القبلي والعشائري فى التكافل الاجتماعي، وأبقى على بعض وظائف القبيلة التي تحمل معاني التعاون فى الخير والتواصي بالبر، وفى المقابل جعل العقيدة هي الأصل الأول الذي يربط بين اتباعه. كما ضمنت بنودها الحريات الأساسية للأفراد، وعلى رأسها حرية الاعتقاد، فرعاية دولة الإسلام لمواطنيها وحسن إداراتها لشؤونهم لايؤثر فيها كون بعضهم غير مسلمين، إنما للجميع البر وحسن الرعاية. ومن المبادئ الرئيسية والمقاصد العظيمة التي يراد تحقيقها وجعلها واقعاً من خلال هذه الوثيقة، مبدأ العدل وقد كانت عناية الإسلام به واضحة فى كل بنودها، فالإسلام جاء لينبذ ما كانت تقوم عليه المجتمعات الجاهلية من نصرة للقريب سواء كان ظالمًا أو مظلومًا، وذلك بدافع الأعراف القبلية الجاهلية، فجعل نصرة الظالم بالأخذ على يديه ومَنْعِهِ من الظلم فنصت الوثيقة على «أن النصر للمظلوم»، وأورد مصطلح «المظلوم» غير مقيد ليعلن فى الإنسانية جمعاء حق الإنسان فى العدل بغض النظر عن جنسه أو لونه أو ديانته، ومثلما وضعت صحيفة المدينة بذرة ما يُسمى اليوم «التضامن الاجتماعي».. حيث جاء فيها: «إن المؤمنين لا يتركون مفرحا بينهم أن يعطوه بالمعروف فى فداء أو عقل..»، و»المفرح» هو المثقل بالديون، لكننا إلى جانب هذه القيمة الإنسانية الرّاقية وهي مساعدة الناس وعونهم فى سداد ديونهم، نلاحظ أيضاً عبارة «أن يعطوه بالمعروف..»، وكل هذه القيم من غوث ومساعدة وعطاء نجد أصولها موجودة فى القرآن الكريم دستور الإسلام الأول. مبدأ حرية الاعتقاد تضمنته صحيفة المدينة الصادرة قبل 1400 عام فى البند رقم (25) والذي جاء فيه «وأن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين لليهود دينهم وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم إلا من ظلم أو أثم فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته»، وهذا فيه ضمان للحريات الأساسية للأفراد، وعلى رأسها حرية الاعتقاد، وهو مبدأ يهدم الكثير من الأسس التي تبني عليها الجماعات الإرهابية هجماتها. وفى ختام «صحيفة المدينة»، أسست الوثيقة النبوية لمفهوم المسؤولية والحرية فكل مسؤول عن عمله، فرداً وجماعة، لا يؤاخذ واحد بوزر واحد، ولا أمة بوزر أمة، وهذا ما عنته «الوثيقة» فى الفقرة قبل الأخيرة من البند رقم (46) التي نصت على أنه «لا يكسب كاسب إلا على نفسه». من جانبه، قال الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء فى العالم، إن وثيقة المدينة تعد أول دستور للعيش المشترك بين الأجناس المختلفة فى الوطن الواحد، ونموذجا للتعايش والتآخي والتسامح بين كافة الشعوب والأمم وأتباع العقائد والديانات المختلفة فى كل زمان ومكان، مشيرا إلى ضرورة التعايش والتسامح مع الآخر سَيْرًا على نهج النبي صلى الله عليه وسلم موضحًا أن فكرة المواطنة مأخوذة من وثيقة المدينة التي تُعدُّ أول دستور للتعايش بين الأجناس المختلفة فى الوطن الواحد. وأضاف مفتي الديار المصرية، أن الإسلام لم يهدف أبدًا إلى صراع الحضارات أو العيش فى عزلة وانغلاق عن الآخرين، بل هدف إلى إيجاد قدر كبير من الطمأنينة فى العلاقات الإنسانية والتواصل والتعارف، يقول تعالى: {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات: 13]. وأوضح أن الاختلاف والتنوع سنَّة كونية موجودة وملحوظة فى الخلق، نراها فى الإنسان والنبات والحيوان، وهي مقصودة شرعًا، موضحًا أن الاختلاف ليس شرًّا ما دام قد ابتعد عن التعارض المضر بالأمة. وأشار إلى أن التنوع البشري أمرٌ حتمي ومقصد إلهي، مؤكدًا أن الإكراه على اعتناق العقائد مرفوض شرعًا؛ فالتعارف الإنساني صيغة إلهية لتحقيق التعايش البشري ونبذ الخلاف والشقاق، بل إنَّ الإسلام أرسى قواعدَ وأسسًا للتعايش مع الآخر فى جميع الأحوال والأزمان والأماكن.