لماذا نكتب هذه الحلقات ونبدأ من أحداث مر عليها عشر سنوات بل نسبقها فى بعض الأحيان عند سردنا للتداعيات لنقف على ما أوصلنا إلى أحداث يناير 2011 ومن ثورة قصيرة المدى إلى فوضى كبيرة عمت أرجاء البلاد، وبعدها حكمنا الإخوان ليتعرف الشعب على وجههم القبيح وليزرعوا عداوة وكره مع المصريين لم يذكر من قبل فى حضارتنا التاريخية، وتأتى ثورة 30 يونيو 2013 ليظهر من بين صفوف الجيش (منقذ) ينادى عليه الشعب ليحنو عليهم ويحميهم من بطش (حكم المرشد) ويضع لهم خارطة طريق يواجه بها المجتمع الدولى أجمع الذى كانت أجهزة مخابراته تساعد (الخلافة الأممية) لتكمل مشروعها فى تقسيم مصر (الجائزة الكبرى) للجميع دون استثناء للانقضاض على حضارتنا وثقافتنا وقبلهم مقدراتنا من ثروة انتظرناها كثيرا لتدعم ثروتنا البشرية التى لا تقدر بثمن. وفى طريقنا إلى ما أوصلنا إلى هذا الحكم الجائر، نجد مشروع آخر أطلق عليه (التوريث) الذى ثورنا عليه عام 1952 ولن نسمح بوجوده مرة أخرى، هذا المشروع أيضا الذى لم يقل ضراوة عن (الإخوان) نشر الفساد والمحسوبية والشللية وأباح للطبقية أن تستقر بيننا وتفرق شملنا وصارت هناك قصور يقابلها عشش؛ ورفاهية مفرطة يقابلها حرمان وسوء توزيع للثروة والكفاءات، ومن التوريث للإخوان يأتى (السيسى) ابن المؤسسة العسكرية مدرسة الوطنية والرجال ليبدأ (الجمهورية الرابعة) فى عمر مصر، هذه الحلقات هى تسلسل الإجابة عن (كيف ولماذا حكم السيسى مصر؟). وقد وجدت ضرورة كتابتها من باب التبصر عندما خرج علينا (المقاول المستأجر) بعد أن لقنه أرباب التوريث السيناريو الفج الذى يحاولون فيه الإيحاء بأن أسرة (السيسى) تحذو حذو أسرة (مبارك) وذلك عندما عقد المستأجر مماثلة لمحاكاة أن أبناء السيسى يشغلون مراكز قوية لمساعدة أباهم مثل جمال، ولكنه فاته أن أبناء السيسى ضباطا بالجيش قبل أن يكون والدهم رئيسًا وهم لا يتدخلون فى الحكم ولا يعينون وزراء، وأيضًا قام بالإيحاء بأن حرم الرئيس السيسى لديها حُب المظاهر مثل سوزان، وبعدها ذكر أسماء تعامل معهم أثناء إسناد أشغال مقاولات ذكر أنهم فاسدين ليقول أن الفساد فى عهد السيسى ومن رجال يعملون معه وليس نتاج العصر المباركى فقط، لكن هذه الإيحاءات لا تخيل على من يتابع ويحلل الأحداث والأكثر أن يكون على دراية بالفرق الشاسع بين نظام فاسد ونظام منقذ، وحلقاتنا أيضًا من أجل (التذكرة) التى تعد خير وقاية من أن نكرر معاناة شعب بأكمله لن نستثنى فئة عن أخرى ودفعنا ثمن غالى من الدماء ومازلنا، كل ما فى الأمر أن قائد استجاب لندائنا ووضع روحه على يده فداء لوطنه وأهله المصريين شبكنا يدنا بيده وعبر بنا ثم وعدنا بأنه لن يخذلنا وسيصحبنا إلى بر الأمان والطمأنينة والاستقرار والأكثر رفاهية بإذن الله. «جمال» والمسافة العسكرية كان د. أسامة الباز هو صاحب وضع اللبنة الأولى فى مشروع التوريث، وقد بدأه منذ عام 98 عندما قدم (جمال) بأهم محفل أقيم فى مصر وقتها بمناسبة مرور 25 عاما على حرب أكتوبر المجيدة، وأقيمت تفاعلات كانت حديث الساعة هى (الندوة الاستراتيجية) التى نظمتها إدارة الشئون المعنوية تحت رعاية وزارة الدفاع والقائد الأعلى للقوات المسلحة (حسنى مبارك) وكان رؤساء الندوات (د. مصطفى خليل رئيس وزراء مصر الأسبق، د. أسامة الباز) ونخبة من قادة أكتوبر الذين كانوا على قيد الحياة فى هذا التاريخ علاوة على مفكرين ومسئولين كبار. كانت الندوة تضم أربع محاور (المحور العسكرى، السياسى، الاقتصادى، الاجتماعى) لكن بالطبع كان أهمهم (العسكرى) الذى منحته الندوة أهمية قصوى كمحور أساسى، والغريب فى الأمر إن ورقة (جمال) الذى قدمها للندوة وموضوعها اقتصادى يحمل عنوان (وجهة النظر الاقتصادية) وقدم على أنه (عضو المركز المصرى للدراسات الاقتصادية) كان قد جاء لتوه من رحلة دراسية لبلاد المعقل الاقتصادى الرأسمالى المتوحش (أمريكا وإنجلترا) وهناك قالت بعض المراكز الاقتصادية بأن عائق مصر لدخولها العولمة الاقتصادية هى الديون المكبلة بها والحل يكون بشراء بعض الشركات العالمية لتلك المديونية من مصر لتقوم هى بالسداد مقابل فوائد ودخول تلك الشركات فى شراكة استثمارية بمشروعات اقتصادية ذات منفعة عالية وحصولها على تيسيرات بالغة، اقتنع جمال وتم الزج أمامه بشركة أبناء الكاتب الكبير هيكل ليكونوا وسطاء بين الشركات العالمية والحكومة المصرية فى ذلك، بالطبع علاقات هيكل الدولية هى التى وضعت شركة الأبناء فى المقدمة، المهم أن جمال أقنع والده بذلك ودخل الشراكة مع شركة (القلعة) التى يملكها أحمد هيكل وشقيقه، وتم جمع جوقة الاقتصاديين أصحاب تطبيق النظرية الرأسمالية بكل توحشها الذين هم أبناء السياسيين الذين تمتعوا ونالوا طموحاتهم من النظام الاشتراكى الذى يحارب النظام الذى شربوه لأبنائهم فى تعليمهم وعملهم. فى الندوة سالفة الذكر عرض جمال وجهة نظره فى المحور العسكرى وليس الاقتصادى، وكان قصد (الباز) من هذا إعطاء فرصة كبيرة لظهور جمال وسط قادة الجيش العظام وخاصة أصحاب النصر العظيم ومن ناحية أخرى أن المحور يلقى الاهتمام البالغ فى متابعته جماهيريا ونخبويا وهذا يفى بما يأملوه فى وضع (جمال) فى بؤرة الحدث الأهم، فى هذه الندوة أيضا كان بزوغ المجموعة الاقتصادية التى كوّن منها جمال لجنة السياسات والأكثر انه اختار منهم وزراء يرتبون له ما يصبو إليه وكان على رأسهم (يوسف بطرس غالى ومحمود محى الدين). ومع أن هذه الندوة جعلت من (جمال) حديث الساعة فى مصر بعد تكليف بعض الكتاب بالقيام باللازم من تلميع وإلقاء الضوء على حضوره وكلمته، إلا أن جمال استشعر شيئا وهو أن قادة الجيش لم يعطوه الأهمية التى كان ينتظرها منهم والأكثر أنه وجد نفسه بين عظماء بمعنى الكلمة فكرا وثقافة واستنارة.. إنهم (قادة أكتوبر) حتى بعد مرور 25 عام على معركة المصير مازالوا محتفظين بوقارهم وثقتهم ولياقتهم النفسية والبدنية، ووجد هوة واسعة تفصل بينه وبينهم رغم أنه ابن أحدهم، ولكنهم تعودوا أن العمل العسكرى لا يدخل فى حساباته المحسوبية التى نالها (جمال) بعرض ورقته البحثية فى غير المحور الذى يجب أن يكون فيه، وأيضًا احتاطوا لطرحه الذى استشعروا أنه سيعرج بمصر إلى منحى لا يتوافق مع الشعب الذى يجب أن يصل إلى (العولمة الاقتصادية) بشكل مرحلى وليس متسرع لأن نتائجه ستكون وبالا على البلد هكذا قال لى القادة وتنبئوا بالكثير من التداعيات التى حدثت. هذه العلاقة التى ألقت بظلالها بين جمال والقادة العسكريين جعله يفكر كثيرا فى كل مرة يحدث الاصطدام عندما يقوم بطرح تنزلق فيه البلاد بشكل غير مدروس ولكنه الجرى للحاق بسباق غير مؤهلين له وأيضًا القائمين على تنفيذه غلب عليهم المصلحة فهم معتنقى الرأسمالية المتوحشة بأبشع صورها والتى تضمن لهم عمولات وامتيازات وتقريب من يقوم بالأعمال الغير نظيفة حتى ساد الفساد فى كل مكان. هذا الانطباع الأول الذى وصل (جمال) من قادة الجيش جعله غير مستبشر منهم لمساعدته أو حتى قبوله فى مشروعه (التوريث) الذى يسعى إليه بخطى واسعة، ومنذ تاريخ الندوة عمل (للخلف در) باحثا عن قوة أمنية تعضده ملوحا بها للمؤسسة العسكرية وأراد أن يضعها فى مقام الندية، وهنا فقد بوصلته تمامًا لأن هذا لا يجوز بأن يضع قوة حماية الوطن والحفاظ على سيادته مقابل حفاظ على الأمن الداخلى الذى يقوم بعمله فى ظل الوقار السيادى الذى تحققه له مؤسسة الجيش، وهنا الندية والمقارنة لا تجوز. ولكن (جمال) لعب بالنار واستغل شغف وزير داخلية يطمح فى مزيد من السلطة التى لا يحق له أن يتولاها، خاصة وهو الذى جاء بزهو من على رأس جهاز معلوماتى خطير (أمن الدولة) ووشى بوزيره الذى تقاعس فى الاهتمام بالمعلومات الذى أمده بها عن احتمال حدوث عمل إرهابى فى الأقصر، كان ذلك عام 97 عندما أقيل (حسن الألفى) وتقلد بدلا منه (حبيب العادلى) وزارة الداخلية، تقابلت طموحات (جمال – العادلى) وركب الغرور كل منهم وهم ينخرون فى جسد الوطن بعد أن أوهموا الجميع بقوتهم وسيطرتهم على زمام الأمور، ولن أنسى رد فعل (اللواء أمين غانم) مسئول أمن مجلس الوزراء فى 2011 عندما ترأى أمام أعين الرجل ما يحدث من فوضى فى وزارة الداخلية والشارع معا فقال (ده إحنا ضعفاء قوى عبارة عن بدل وكرافتات) وكان يقصد أن النظام ليس بالقوة التى صورها لأربابه وأيضا للعاملين معه. كان جمال يعلم جيدًا أن الجيش والمشير طنطاوى غير راضين عن وزرائه ومجموعته فى لجنة السياسات، وربما يسأل البعض ألم يكن فى مقدور جمال التخلص من (طنطاوى) والإتيان بآخر يعضده ومشروعه التوريثى؟ بالتأكيد حاول مرارا وتكرارا ولكنه لم يصل إلى ما يصبو إليه، فقد لمس أن المؤسسة العسكرية على قلب رجل واحد وأن فكرهم يعبر عنه القائد العام وقد لمس هذا بنفسه من قادة قدامى فى ندوة عام 98 وتأكد من أن القادة الحاليين يحذون حذو أساتذتهم وقادتهم وشاهد هذا عندما كان يحضر احتفالاتهم ويقابلهم فى مناسبات عدة، كان جميع القادة يضعون مسافة كبيرة بينهم وبينه، وعندما يتم دعوته فى احتفالاتهم كرجل من النخبة السياسية ومسئول حزبى لا يكون جلوسه فى الصفوف الأولى ولا يقف أحدهم بالخارج لاستقباله كرئيس منتظر، كل هذه المظاهر وأكثر أعطته مؤشر بأنه غير مرغوب فيه منهم جميعا فكيف له بأن يأتى بأخر بديلا عن طنطاوى، ومن ناحية أخرى كان (مبارك) يرى فيه وزير دفاع ذو حرفية عسكرية غير طامح سياسيا وقد اختاره بدقة فى مايو 91 بعد إقالة المشير أبو غزالة، وتعيين يوسف أبو طالب الذى كان قد ترك الجيش له حوالى عشر سنوات عمل خلالهم محافظ ليرده مرة أخرى للجيش فى استدعاء كمرحلة انتقالية للجيش استمرت ثلاث سنوات بعدها اختار مبارك وزيرا للدفاع بمعايير محددة حافظ عليها طنطاوى لمدة عشرين عاما كان فيها وزيرا، ومن أهمها عدم الظهور الإعلامى إلا نادرا وبعد أن يسمح له، والمشير طنطاوى لم يقم بأى حوارات تليفزيونية إلا مرتين فقط خلال العشرين عاما والأخير كان حوارا جمع فيه بين الأستاذين مفيد فوزى ومكرم محمد أحمد وكان بمناسبة احتفالات أكتوبر فى عام 2000. كان المشير (طنطاوى) يعلن من وقت لآخر عدم رضائه عن المجموعة الاقتصادية وأرباب التوريث بالحكومة والحزب الوطنى وتصدى للكثير من التوحش فى الاستحواذ على أراضى الدولة خاصة عندما طلبوا أرض فى منطقة القاهرة الجديدة بالظهير الصحراوى ليقوموا بتسقيعها وبيعها لكى يجعلوها امتداد للتجمع الخامس، ولكنه قال لهم أنها فى نطاق وزارة الدفاع حتى يحميها من وضع يدهم عليها، وبالمناسبة هى الأرض التى يتم عليها الآن إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة، لتكون ملكا لكل المصريين وليس لرجال الأعمال المدللين وهذا جعل زبانية النظام المباركى ينصبون له العداء الذى زاد عندما أوقف مسألة بيع (بنك القاهرة) والإبقاء عليه واستثمار القوات المسلحة فيه بأسهم من فوائد مشاريعها الاقتصادية للحفاظ على ملكيته للشعب المصرى. «طنطاوي» يترك زفاف ابنه «رشيد» غاضبا ولكن الفعل الذى كان أكثر حساسية لعائلة مبارك وخاصة وريثه وحاشيته هو ذلك الزفاف الأسطورى الذى صاحب اغتيال (أشرف مروان ) عام 2007 ولكن لماذا ربطت بينهما؟ لأن هذا الزفاف استعد له علية القوم فى مصر بشكل غير عادى، كان الزفاف لابنة وزير التجارة وقتها (رشيد محمد رشيد) على ابن شقيق وزير الإسكان وقتذاك (أحمد المغربى) وتم الاستعداد له شهور، وقبل الزفاف ذهبت سيدات المجتمع المخملى ومنهن (منى عبد الناصر) إلى فرنساولبنان لشراء الأزياء المناسبة لهذا العرس الأسطورى، واختارت منى لبنان لشراء ثوب لحضور هذه المناسبة وتلقت خبر مقتل زوجها (أشرف) وهى تتسوق بلبنان التى غادرتها إلى لندن لترجع مع جثمانه. ونعود إلى الزفاف الأسطورى الذى لم تتوقف فعالياته حيث جاءت الطائرات من أنحاء دول العالم محملة بأشهر المأكولات من الخارج، وطائرات أخرى حاملة وصيفات الشرف قادمات من فرنسا. واصطفوا لاستقبال المدعوين عند باب قصر يملكه (رشيد) بالمنصورية ليقدموا لهم الزهور التى تم استيرادها، وعلى موائد المدعوين تراصت الهدايا الذهبية بجانب المأكولات، وكان ضمن المدعوين من المحافظين والوزراء المشير طنطاوى الذى بدت على وجهه علامات الازدراء لهذه المراسم بالعرس الذى تكلف مليارات الدولارات، وعندما دخل القاعة وجلس إلى إحدى الموائد والتف حوله بعض الوزراء والمحافظين نهض بعد خمس دقائق بالضبط وقال لا أقدر على الجلوس أكثر من ذلك ولا يمكننى تذوق تلك المأكولات والشعب المصرى بالخارج يصيح من غلاء المعيشة وافتقاد أبسط السلع الاستهلاكية. غادر المشير القاعة وسط عيون حائرة وتناقل الذين جلسوا قريبين منه عدم رضاءه واستيائه مما رأى، وفى اليوم التالى أفضى «طنطاوى» لتلميذه (السيسى) عن هؤلاء الوزراء الذين يستفزون الشعب، ولكن غضب المشير جعل (الوريث) يفكر ألف مرة فى زفافه بنفس العام، بأن يكون بسيطا حتى يقدم نفسه للشعب والمسئولين الغاضبين منه وعليه نموذجا لبساطة لم تكن موجودة لديه أبدا.