حظيت مكالمة الرئيس عبد الفتاح السيسى التى أجراها مع عمرو أديب، الأسبوع الماضى فى برنامج «القاهرة اليوم»، وتحدث خلالها عن العديد من مشكلات الشباب باهتمام كافة الدوائر الرسمية والشعبية لأهمية هذا القطاع العريض الذى يمثل المستقبل، لمصر ولا شك أن اهتمام رئيس الجمهورية بقضايا الشباب والحديث عنها مباشرة من خلال وسائل الإعلام حرك المياه الراكدة فى العديد من الملفات خاصة «قضية الألتراس» وبات الشباب الآن مطالبًا بضرورة الاستجابة لمبادرة الحوار التى طرحها الرئيس فى هذا الملف. كما جاءت المبادرة لتحد من الأصوات المطالبة بمواجهة شباب الألتراس وإلقائهم فى السجون، إذ لا يوجد حكم قضائى الآن يقضى بأن الألتراس جماعة إرهابية.. كما جاءت مبادرة الرئيس لرأب صدع العنف الذى يمكن أن يولده غضب هؤلاء الشباب صغار السن المغرر من ذوى الدوافع و الأهداف التى تستهدف إثارة الفتن. لعل البيان الذى أصدرته رابطة «ألتراس أهلاوى» عن ترحيبها بمبادرة الرئيس يؤكد أهمية هذه المبادرة فى احتواء غضب هؤلاء الشباب وحرصهم على دعوة الرئيس لهم للمشاركة فى لجنة لبحث ملابسات المذبحة التى وقعت قبل أربعة أعوام وراح ضحيتها أكثر من سبعين من مشجعى النادى الأهلى. وقد أكد أعضاء الألتراس فى بيان عبر صفحتهم على فيسبوك على مطالبهم بعودة حق القتلى والقصاص من الضالعين فى تلك المذبحة التى مر عليها أربع سنوات وهو نفس الهدف الذى تسعى الدولة ممثلة فى الرئيس إلى تحقيقه. كما أظهر بيان رابطة الألتراس الاستياء من الموقف العدائى لوسائل الإعلام المصرية بشأنهم، حيث أكد على أن الدولة تسعى الآن للنقاش مع الشباب، فى حين أن الإعلام يحاربهم ويصفهم ليلا ونهارا بالممولين و«الإرهابيين». وقالت رابطة ألتراس أهلاوى: إن دعوة الرئيس السيسى تظهر اهتمام رئيس الدولة بإيجاد حل للمشكلة. واختتمت رابطة ألتراس أهلاوى بيانها قائلة: «الشباب طرحوا المبادرات مرارًا وتكرارًا من أجل العودة إلى مكانهم الطبيعى داخل المدرجات، ونحن الآن نمد أيدينا إلى الوطن لعودة الروح إلى المدرجات والاستقرار للبلاد». ولكن لا يمكن اعتبار أن بيان «الألتراس» نهاية سعيدة لأزمتهم بل إنها البداية، إذ لا يمكن السكوت على استمرار هؤلاء الشباب المتحمسين فى إهانة مؤسسات الدولة فى ظاهرة لم يعد من الممكن السكوت عليها، وإلا تغولت واستقوت أكثر مما حدث قبل طرح مبادرة الرئيس، وجارت على سلطة الدولة كما جرى منتصف الأسبوع الماضى قبل حديث الرئيس السيسى بيوم واحد فى ملعب مختار التتش بالنادى الأهلى فى الذكرى الخامسة لضحايا «مجزرة بورسعيد». حيث اقتحم أعضاء رابطة الألتراس النادى والملعب واحتلوا مدرجاته وأرضيته، وبدأوا فى ترديد الشعارات والهتافات المسيئة للجيش والشرطة ولقيادات تاريخية بالقوات المسلحة، وهى نفس الشعارات المقيتة والكريهة والتى لا تليق برجال قادوا البلاد فى ظروف سياسية وأمنية واجتماعية غاية فى الصعوبة، وعبروا بها إلى بر الأمان وجنبوها مصير الهاوية التى سقطت فيه العراق وسوريا واليمن وليبيا بعد ثورة 25 يناير. قوه الدولة وهيبتها غابت عن مقر النادى الأهلى، وتغاضت الدولة عن سلطتها وهيبتها لحسابات سياسية وأمنية مفهومة ومقدرة. لأن الحالة التى وقعت من جماهير الألتراس لا تكييف لها فى القانون أو تعريف لها إلا بأنها جريمة الاعتداء على منشأة من منشآت الدولة، فالنادى الأهلى منشأة رياضية تابعة للدولة، ممثلة فى وزارة الشباب والرياضة وليست كيانًا مستقلًا. ومن الإنصاف ألّا نحمل إدارة الأهلى الحالية مسئولية ما حدث، فأفراد الأمن لا يستطيعون مواجهة عدة آلاف من الشباب المتحمس الذى عقدوا العزم على اقتحام النادى فى ظل وجود أسر وأطفال وسيدات، بينما غضت الشرطة الطرف عن عملية الاقتحام ولم تتصد لهم، فى تقدير سياسى وأمنى يحسب لها، فلو تمت المواجهة لحدثت مجزرة جديدة وسقط ضحايا جدد وسالت دماء بريئة جديدة، وألقينا أنفسنا من جديد فى أتون تعقيدات أمنية وسياسية جديدة، لذلك فإن الحل بات فى يد الدولة ممثلة فى وزارة الشباب وكل المؤسسات التى لها صلة بهذا القطاع فى مواجهة هؤلاء الذين اخترق صفوفهم جماعة الإخوان الإرهابية حتى لا تسمح بالمصالحة مع الدولة. وهنا علينا أن نطرح الأسئلة بعد أن فتح الرئيس باب الحوار لحل الأزمة.. كيف سيتم التعامل مع هؤلاء الشباب فيما هو قادم؟.. وهل الشعارات المسيئة لرموز الدولة من الجيش والشرطة ستقف حائلاً أمام محاولات المصالحة؟.. فهى بلا شك إهانة لا يقبلها أحد.. وهو ما يعنى أن على أطراف الحوار الاستعداد جيدا قبل الجلوس مع هؤلاء الشباب واحتواءهم وإجراء حوار معهم لإيضاح الصورة الكاملة لهم فيما حدث، بعد أن تأكد أن هناك من يلعب بأفكارهم ويبث العداوة بينهم وبين الدولة ولتصحيح مفاهيمهم المغلوطة عن رموز مصر من الجيش والشرطة، وأيضا احتواؤهم والاستماع إلى آرائهم وعدم التقليل منها، بل وإشراكهم فى صناعة القرارات المتعلقة بهم ومنها كيفية تأييد مباريات الكرة والتصدى لمحاولات استغلالها لصالح أهداف سياسية تخدم جماعات هدفها الأعظم النيل من استقرار مصر. واخيرا أقول إن الخروج لبر الأمان من هذه الحالة وتحقيق الاستقرار الحقيقى يحتاج إلى تكاتف جهود كل الأطراف الحريصة على مستقبل الوطن وفتح المجال لحل الخلافات والتوقف عن تغذية جذور الخلاف حتى وإن بدت صغيرة. وبذلك نكون قد أسهمنا فى حماية هؤلاء الشباب من حاضر يحاول البعض استغلال متاعبهم فيه إلى مستقبل أفضل ينأى بهم عن الوقوع فى المفاسد والأخطاء. ولابد أن تكون لهذه المبادرة التى أطلقها الرئيس استجابة فورية من كل مؤسسات الدولة المعنية بالشباب حتى يتحقق الوئام وتتحطم كل محاولات التغرير بهؤلاء الشباب من أصحاب الدوافع الذين يستهدفون إثارة الفتن وعدم استقرار الوطن.