ربما يكون مفيدًا أن نتذكر النصيحة التى تطالبنا بالنظر إلى نصف الكوب الممتلئ وعدم الاكتفاء بالنظر إلى نصفه الفارغ! والمعنى أن هناك أمور قد تحمل سلبيات وعيوبا.. لكن هذا لا يمنع من أن هناك أيضا إيجابيات وفوائد! الكلام بمناسبة الحادث الإرهابى الذى وقع قبل حوالى أسبوع فى أحد فنادق الغردقة.. والذى يبدو من وجهة نظر كثيرين حادثا سيئا يمكن أن يؤثر سلبا فى السياحة المصرية.. لكن الحقيقة أن الحادث رغم خطورته لا يخلو من الدروس المهمة والمفيدة! ولعل أول هذه الدروس المهمة والمفيدة والتى يجب علينا أن نتعلمها ونستوعبها.. أن الإعلام الغربى يبدو متربصا بمصر.. متعمدًا أن يلحق بها الضرر.. وعلينا أن نتعلم كيف نواجه هذا الإعلام المغرض! انظر مثلا إلى صياغة عنوان الخبر الذى نشره موقع ال بى بى سى البريطانى.. يقول العنوان: هجوم مسلح على فندق بمنتجع الغردقة شرقى مصر وإصابة 3 سائحين. ليس هناك خلاف على أن الحادث صحيح وأنه تم بالفعل إصابة 3 سائحين.. لكن اختيار مصطلح «هجوم مسلح» يعطى انطباعا بأن الغردقة تعرضت لكارثة لن تقوم لها قائمة بعدها! ومن المؤكد أن الانطباع الأول للمصطلح جعل كثيرين يتصورون أن عددًا غير قليل من الإرهابيين قاموا بمهاجمة الفندق مستخدمين أسلحة نارية وربما مدافع آلية. هكذا يوحى المصطلح المستخدم وهكذا يبدو الانطباع الأول عن الحادث.. مع الوضع فى الاعتبار أن الانطباع الأول عادة يستقر فى عقل المتلقى حتى لو اختلفت التفاصيل. والحقيقة أن التفاصيل مختلفة.. فالحادث كله ليس أكثر من نجاح اثنين من الإرهابيين فى التسلل من مطعم الفندق الذى له بابان.. باب مفتوح على الفندق من الداخل وباب مفتوح على الشارع الخارجى.. وعندما حاولا الاعتداء على السُيّاح تعاملت على الفور معهما أجهزة الأمن التى تقوم بحراسة الفندق فقتلت أحدهما وأصابت الآخر. وكما تعامل الإعلام فى مصر مع الحادث فقد نشرت بعض وسائل الإعلام الخبر: قوات الأمن تقتل مسلحا وتصيب آخر أثناء محاولتهما اقتحام فندق بالغردقة. ويبدو الفارق بين عنوان يقول هجوم مسلح وعنوان يقول قوات الأمن تقتل وتصيب اثنين أثناء محاولتهما اقتحام فندق. وتتحدث قناة سكاى نيوز عن نفس الحادث بأنه وقع بمدينة الغردقة بشمال سيناء! الغردقة تقع على ساحل البحر الأحمر وليس فى شمال سيناء.. وقد يكون الخطأ غير مقصود لكن الاحتمال الأكبر أنه مقصود لكى يستقر فى ذهن القارئ أن الغردقة تتعرض للإرهاب الذى تتعرض له منطقة شمال سيناء. وفى كل الأحوال فقد حان الوقت الذى يجب فيه أن نتعلم كيف نواجه هذا الإعلام المغرض.. كيف نخاطب الغرب بلغته.. كيف نتكلم معه أكثر مما نتكلم مع أنفسنا! ولا تزال هناك دروس مهمة ومفيدة! الحادث بما لا يدع مجالا للشك كفاءة أجهزة الأمن وسرعتها فى التعامل مع الإرهابيين. أجهزة الأمن قتلت واحدًا من الإرهابيين وأصابت الثانى.. ورغم أن الحادث وقع بأسلوب فاجأ أجهزة الأمن وفاجأ السُيّاح إلا أن أجهزة الأمن أسرعت بالتعامل بمنتهى الكفاءة مع الإرهابيين قبل أن ينجحا فى قتل أحد من السُيّاح. صحيح أن الحادث أسفر عن إصابة ثلاثة من السُيّاح (اثنين من النمسا وواحد من السويد) لكن الإصابة جاءت غير خطيرة لأن الإرهابيين لم يتمكنا من أن يصيبا السُيّاح بضرر أكبر. ومن المؤكد أن نجاح أجهزة الأمن فى التعامل مع الإرهابيين قبل أن ينجحا فى قتل أحد السُيّاح.. ساهم إلى حد كبير فى تخفيف آثار الحادث وتداعياته على السياحة المصرية. المهم أن أجهزة الأمن نجحت بامتياز فى التعامل مع الحادث وهى صورة إيجابية من الضرورى أن ننقلها إلى الخارج لكى يترسخ فى أذهان السُيّاح الذين يفكرون فى السفر إلى مصر أن أجهزة أمنها قادرة على حمايتهما. ويأتى الدور على درس آخر.. مهم ومفيد! استطاعت أجهزة الأمن الكشف بسرعة عن شخصية الإرهابى المصاب.. شاب صغير السن اسمه محمد واسم شهرته شيكا.. وتبين أنه طالب فى إحدى الأكاديميات الخاصة وأنه كان يعمل فى أحد مطاعم الوجبات السريعة الشهيرة وأنه كان ينتمى للأولتراس الزملكاوى! قادة الأولتراس الزملكاوى أصدروا بيانًا قالوا فيه إن شيكا كان يحضر مباريات الزمالك لكن فجأة غادر المجموعة وأصبح مشغولا بالأمور الدينية وكثيرًا ما كان يردد أن كرة القدم حرام لأنها مضيعة للوقت. أجهزة الأمن توصلت إلى حساب شيكا الشخصى على موقع فيس بوك فتبين أنه متأثر بأفكار ابن تيمية وأفكار ونظريات الخلافة التى يتبناها الإخوان. ماذا تعنى كل هذه البيانات وماذا تعلمنا؟! الحقيقة أنها تعلمنا الكثير.. تعلمنا أن الفقر ليس هو السبب الأساسى لانخراط الشباب فى الجماعات الإرهابية.. فالشاب محمد شيكا طالبا فى أكاديمية خاصة لا يقدر عليها الفقراء ثم أنه يعمل ويكسب فى مطعم شهير. فى نفس الوقت كان ينتمى إلى مجموعة الأولتراس.. ومعنى ذلك أنه يشجع الرياضة والذين يشجعون الرياضة عادة يكونون من أصحاب العقول المنفتحة.. لكن شيكا وقع فى براثن الإرهاب والتطرف.. لماذا؟! ببساطة لأننا لا نزال بعيدين عن الهدف الذى نسعى لتحقيقه.. تغيير الخطاب الدينى. وهذا هو أهم دروس الحادث وأكثرها فائدة! وصفت دروس حادث الغردقة الإرهابى بأنها جميلة.. لأنه ليس هناك أجمل من أن نتعلم الدرس ونستوعبه ونستفيد منه.. فى هذه الحالة يستحق الدرس أن يكون جميلا!