لا تزال توابع الخطوة المفاجئة التى اتخذتها الدول الأعضاء فى حلف شمال الأطلسى «الناتو» مؤخرًا بدعوة جمهورية الجبل الأسود «مونتينيجرو» للانضمام للحلف، تلقى بظلالها القاتمة على العلاقات بين روسيا والناتو من جهة، وبين روسيا والجبل الأسود من جهة أخرى، خاصة أن توقيت الدعوة التى وجهها وزراء خارجية دول الناتو لهذه الجمهورية «البلقانية» الصغيرة لتكون الدولة رقم 29 فى الحلف، جاءت فى توقيت بالغ الحساسية بالنسبة للعلاقات المتوترة بين روسيا والغرب جراء التدخل الروسى فى سوريا، وما تبعه من إسقاط تركيا لطائرة عسكرية روسية فوق سوريا، ووقوف الناتو إلى جانب تركيا فى هذه الأزمة. هذه الخطوة غير المتوقعة من دول حلف الأطلسى لضم إحدى دول البلقان للناتو، أوقدت نارا كانت شبه خامدة مؤقتًا بين روسيا والناتو، وهو ما دفع بالطرف الروسى إلى اعتبار قرار الناتو بضم الجبل الأسود، ضربة خطيرة من قبل الكتلة الأوروبية الأطلسية، ومحاولة جديدة من دول الناتو للتوسع شرقًا فى مناطق نفوذ روسية، بعد افتعال الغرب للأزمة الأوكرانية فى مثل هذا التوقيت قبل عامين، وأعلنت موسكو رسميًا أن هذه الخطوة من الناتو تشكل «استفزازا» لها، وسوف تهدد الاستقرار وتعقد العلاقات بين روسيا والحلف، ولن تعزز الاستقرار والسلام فى البلقان ولا فى أوروبا بشكل عام. وعلى الفور، سعت موسكو إلى بث رسائل التخويف إلى النخبة السياسية الحاكمة فى جمهورية الجبل الأسود التى انفصلت عن صربيا فى عام 2006 من توابع الانضمام إلى حلف الناتو، وجاء على لسان رئيس لجنة المجلس الاتحادى الروسى أن موسكو ستوقف جميع البرامج المشتركة، بما فيها العسكرية، مع «مونتينيجرو» إذا انضم هذا البلد الشيوعى السابق إلى حلف شمال الأطلسى، وخرجت بعض الدعوات من موسكو تطالب بالرجوع للإرادة الشعبية لشعب مونتينيجرو البالغ 600 ألف نسمة، على غرار ما جرى فى القرم سابقًا، وهم يستندون فى هذا إلى استطلاع للرأى أجراه مركز خاص بالديمقراطية وحقوق الإنسان فى مدينة بودجوريتسا عاصمة الجبل الأسود، وأظهر الاستطلاع معارضة 37% من سكان البلاد للانضمام إلى الناتو، بينما دعم القرار 36%، وامتنع 27% عن التصويت. فى المقابل، لم يبد حلف شمال الأطلسى «ناتو» اهتماما كبيرا بالاعتراضات الروسية على مساعيه للتوسع شرقا ودعوته الجبل الأسود لنيل عضويته، وأكد الناتو على لسان الأمين العام ينس ستولتنبرج أن وزراء خارجية الحلف اتخذوا قرارا تاريخيا بالإجماع لبدء محادثات انضمام مونتينيجرو. وفى نفس السياق، أكد «تد سى» مستشار السياسة فى المجلس الأمريكى البريطانى للمعلومات الأمنية، أن الناتو - بدعوته جمهورية الجبل الأسود للانضمام إلى عضويته والتوسع شرقا - يريد أن يقول نحن أيضًا موجودون فى القرن ال 21، مشيرًا إلى أنه سيمضى قدما فى سياسة التوسع بغض النظر عن التصريحات الروسية الرافضة لذلك. التدخل الروسى فى سوريا لم يكن بعيدًا عن مشهد الصراع بين موسكو والناتو، خاصة مع اشتعال الموقف الدولى والغربى تحديدًا من الإرهاب عقب تفجيرات باريس الأخيرة، وفى ظل التغيير الذى طرأ بعد هذه التفجيرات على الموقف الأوروبى والأمريكى من مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» فى سوريا والعراق، بدأت بعض التحليلات تتجه للربط بين التدخل العسكرى الروسى المباشر فى سوريا، واستفزازات حلف الأطلسى لها فى البلقان من جديد، مبررين هذا التوجه بأن التدخل الروسى ونتائجه الأولية فى سوريا تسبب فى ضرب مخططات حلف الناتو فى الصميم لإدامة الصراع الدامى والحيلولة دون التوصل لحل سياسى للأزمة السورية، لا سيما وأن دخول أحدث الدفاعات الجوية للأراضى السورية أضاع فرصة تركيا ودول الحلف فى إنشاء «منطقة آمنة.. أو حظر للطيران» فى الشمال السورى. عند هذا الحد، طرح المحللون السؤال الأكثر الخطورة: هل يمكن أن تقود هذه الإرهاصات إلى نشوب صدام عسكرى بين القوات الروسية وقوات الناتو المرابضة فى مواجهة بعضها مباشرة على جانبى الحدود السورية؟ وجاءت الإجابة لتحمل أحد احتمالين: الأول يرى أن القيادة الروسية قد تغامر بالدخول فى مواجهة عسكرية ولو محسوبة مع الناتو، للدفاع عن مصالحها كما جرى فى أوكرانيا، وذلك استنادا إلى تصريحات ديمترى بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين، التى أكد فيها إن التوسيع المستمر للحلف الأطلسى جهة الشرق سيؤدى حتما إلى إجراءات انتقامية من روسيا.. بينما يرى أنصار الاحتمال الآخر أن قرار الدخول فى حرب جديدة لن يكون الخيار الأفضل بالنسبة للجانبين وللدول الأوروبية تحديدًا والتى «فرضت» عليها واشنطن اقتطاع مزيد من الموارد المالية بنسب متفاوتة من 2 إلى 7% لدعم ميزانياتها العسكرية، فى ظل أزمات اقتصادية متجددة.