النموذج الناجح لعملية الانتقال الديمقراطى عقب ثورات الربيع العربى مهدد بالفشل، بعد أن ضرب زلزال سياسى حزب «نداء تونس» الذى يقود الائتلاف الحكومى وفقدانه الأغلبية، بعد انشقاق 32 نائبًا عن كتلته النيابية، وذلك بعد خلافات حادة فشل الرئيس قائد السبسى فى تفاديها. الاستقالات الجماعية جاءت نهاية لخلافات علنية، انتهت بعراك وعنف متبادل بين قيادات الحزب التى انقسمت إلى جناحين، الأول يقوده نجل الرئيس التونسى، نائب رئيس الحزب حافظ قائد السبسى، ويقود الجناح الثانى أمين عام الحزب محسن مرزوق. النائب حسونة الناصفى الناطق باسم النواب المنشقين صرح بأن انسحاب النواب من كتلة الحزب فى البرلمان جاء احتجاجًا على عدم انعقاد الهيئة التنفيذية التى تعد الهيكل الشرعى الوحيد للحزب، وأن الاستقالات جاءت احتجاجًا على محاولات فرض مسار غير ديمقراطى على الحزب. إذ يُتهم نجل الرئيس بالسعى إلى الهيمنة على «نداء تونس» الذى أسسه والده منذ 3 سنوات، وسط اتهامات من المعارضين للرئيس بالتواطؤ فى مخطط لتوريث نجله الحزب والسلطة. وكان حافظ قائد السبسى - نجل الرئيس - قد أكد أنه لا ينوى خلافة والده فى رئاسة البلاد أو فى الحزب. وقال إن تونس لها «الأولوية» وأنها تمر بمرحلة صعبة يجب حلها. وكان بعض نواب «نداء تونس» قد اتهموا حافظ باستخدام العنف لمنعهم من حضور اجتماع اللجنة التنفيذية للحزب. هذا الانشقاق جعل «نداء تونس» يفقد عمليًّا مركزه الأول فى الانتخابات البرلمانية التى أجريت العام الماضى. حيث استعادت حركة «النهضة» الإسلامية الصدارة فى البرلمان بعد أن باتت صاحبة الكتلة الأكبر ب 69 نائبًا، فى مقابل 52 ظلوا على ولائهم للسبسى.. ورغم الغالبية التى أصبحت تؤهلها استعادة السلطة، فإن مصادر بحركة «النهضة» أكدت أنها لن تطالب حاليًا بتغيير رئيس الحكومة. وكان لقاء قد جمع بين السبسى وراشد الغنوشى الذى أعلن عقب اللقاء تجديد دعم «النهضة» للرئيس ورئيس الوزراء الحبيب الصيد. ويبدو أن النهضة لا تبدو متسرعة فى الاستفادة من أزمة «نداء تونس» على المدى القريب لأن استفادتها ستتم خلال الاستحقاقات الانتخابية القادمة. فإذا حدث انشقاق داخل الحزب الحاكم وتفرق أعضاؤه إلى حزبين، فإن ذلك سيفتح المجال أمام حركة «النهضة» للعودة لصدارة المشهد السياسى التونسى. وفى إطار محاولات حل الخلاف أرسل رئيس حزب «نداء تونس» - بالوكالة - محمد الناصر رسالة للأطراف المتنازعة دعا فيها للتوافق والحفاظ على وحدة الحركة وتماسك كتلتها البرلمانية، كما دعا مجموعة النواب المستقيلين إلى التراجع عن قرار الاستقالة. وكان لقاء فى قصر قرطاج قد جمع الرئيس السبسى ووفد من النواب المستقيلين يوم الأربعاء الماضى، جاء اللقاء إيجابيًا، وأكد الرئيس أنه فوق كل الخلافات داخل الحزب، ودعا لضرورة تماسكه وفتح باب الحوار للجميع سعيًا لتوحيد الحزب. وصرح النائب حسونة الناصفى أنه قد تم توضيح الرؤية أكثر للرئيس، وأضاف أن التمسك باجتماع المكتب التنفيذى هو من الأولويات التى سينبنى عليها الحوار، وسيكون بادرة إيجابية مستقبلاً داخل النداء. ولكن يبدو أن أزمة «نداء تونس» تدفع بالبلاد نحو المجهول، وإلى مستقبل سياسى غامض إذا أصر النواب المستقيلون على موقفهم الذى يهدد بتفكك الحزب، خاصة أن 20 نائبًا آخرون أعلنوا دعمهم للنواب المستقيلين، ولكنهم سيبقون فى الكتلة البرلمانية. فهل ستواصل تونس مسيرة الاستقرار أم تعود إلى مربع الفوضى.. هذا ما ستكشف عنه الأحداث فى المستقبل القريب.