ديكتاتورية أكبر، انفراد بالسلطة، صراع سياسى أشد، سمات حددها سياسيون ومحللون للسياسة التى سينتهجها الرئيس التركى رجب طيب أردوغان مستقبلا بعد أن حقق حزب العدالة والتنمية مفاجأة فى الانتخابات البرلمانية التى أجريت الأسبوع الماضى، فاقت حتى توقعات قياداته، حيث استعاد الحزب غالبيته المطلقة فى البرلمان مما سيمكنه من تشكيل الحكومة منفردا. وتعد هذه الانتخابات البرلمانية الثانية خلال خمسة أشهر بعد أن أخفق حزب العدالة والتنمية الذى أسسه أردوغان فى الاحتفاظ بالأغلبية فى انتخابات يونيو الماضى، وذلك للمرة الأولى منذ صعوده للحكم فى 2002، ونجح أردوغان فى رهانه على إعادة الانتخابات وفاز حزب العدالة ب 316 مقعدا وهو ما يزيد عن ال 276 مقعدا اللازمة لتشكيل الحكومة منفردا، وهو ما جاء مخالفا لكل استطلاعات الرأى التى توقعت عدم حصول الحزب على النسبة الكافية للحكم منفردًا، لذا اهتم المحللون بكشف أسباب هذا الارتفاع غير المتوقع لشعبية الحزب الحاكم فى تركيا وأجمعوا على أن الاستقرار كان العامل الأبرز فى تغيير قرار الناخب التركى بهذه السرعة إذ استطاع العدالة أن يقنع الناخب بأنه عنوان الاستقرار والتنمية فى البلاد وبأن فقدانه للأغلبية كان السبب فى التدهور الحاصل، كذلك التغيير حيث حرص الحزب على التأكيد على أن رسالة الناخب قد وصلت للحزب بضرورة التغيير والتعديل وأنه يعمل على أساسها. وذكر المحللون أن ارتفاع شعبية الحزب ارتبط أيضا بأحزاب المعارضة التى خذلت ناخبها الذى أعطاها الفرصة فى يونيو الماضى لكنها أضاعتها، فتيار الحركة القومية مارس طفولة سياسية برفضه تشكيل حكومة مع العدالة والتنمية أو مع المعارضة ورفض كل السيناريوهات المطروحة بعناد أغضب ناخبه الذى عاقبه بحرمانه من ربع أصواته، وأيضا عاقب الناخب التركى اليسارى حزب الشعوب الديمقراطى الموالى للأكراد بسبب موقفه الرمادى من حزب العمال الكردستانى المصنف إرهابيا ودعوته للحكم الذاتى فى جنوبتركيا فتركه لأصوات بنى جلدته الأكراد فقط، فيما حافظ حزب الشعب الجمهورى على شعبيته بسبب أدائه الجيد، بالمقابل فإن ناخب حزب العدالة والتنمية الذى عاقب حزبه فى يونيو الماضى بدا خائفا من اندثار الحزب أو تمزقه فى حال تراجعت أصواته أكثر هذه المرة فتتحول تركيا إلى مجموعة أحزاب صغيرة يصعب التوفيق بينها. وقد تصدر فوز حزب العدالة والتنمية التركى بالأغلبية فى الانتخابات المشهد السياسى فى وسائل الإعلام العالمية، وفى هذا السياق وصفت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية الفوز الذى تحقق لحزب العدالة بأغلبية مقاعد البرلمان بأنه يشكل نوعا من الانقلاب السياسى، مشيرة إلى قول المراقبين بأن خيبة الأمل من أحزاب المعارضة والخوف من الانقسام أو انهيار حزب العدالة والتنمية هما العاملان الرئيسيان اللذان انتجا هذه النتيجة المفاجئة، بالإضافة طبعا إلى الظروف الأمنية والسياسية التى سعى إليها الرئيس التركى مهددا الناخب باستمرار القتال مع الأكراد واستمرار الأزمة الاقتصادية إن لم يصوت له فذهب الناخب إلى صندوق الاقتراع تحت تهديد نفسى وخوف من المجهول فكان إنقاذ العدالة والتنمية من الهاوية أسهل السيناريوهات عليه. من جانبها اعتبرت صحيفة «الاندبندنت» البريطانية أن فوز حزب أردوغان بالسلطة وتشكيل الحكومة منفردا سيعطيه مزيدا من القوة لاحتكار السلطة والتدخل فى سوريا ويمنحه أفضلية التحكم فى أذرع الجيش والجهات الأمنية والإعلامية، مشيرة إلى أن العدالة والتنمية اعتمد منذ وصوله إلى السلطة فى 2002 على سياسة استئصال كل أوجه المعارضة، وتم وضع الغالبية العظمى من الإعلام الخاص تحت سيطرته، وتم إفساح المجال بالكامل لأردوغان وحزبه على شاشات قنوات التليفزيون المحلى بينما تم تجاهل المعارضة تماما. فى حين شبهت «التايمز» أردوغان بساحر السياسة الذى تمكن رغم موقفه الحرج من الفوز بالانتخابات حيث لم يتوقع أحد أنه سيتمكن من تغيير مسار الأصوات خلال هذه الفترة القصيرة وأنه سيستعيد الأصوات من الأكراد والقوميين بتصعيد العنف، مشيرة إلى أن القضية تتمحور الآن حول هل سيعود أردوغان إلى سنواته الأولى كمصلح أم أنه سيواصل حالة الاستقطاب التى شهدتها تركيا خلال الآونة الأخيرة، فلعل هذا الانتصار يقلل من جنون العظمة الذى بدا ظاهرا عليه خلال الشهور القليلة الماضية.