لا تبدو ليبيا على مشارف حل نهائى ينهى الصراع السياسى والمسلح المستمر لأكثر من 5 سنوات، مع استعداد المبعوث الأممى الجديد للوصول إلى ليبيا خلفا لسابقه برناردينو ليون. فلا يزال النفق مظلمًا لاسيما بعد معركة طرابلس التى أنتجت سلطتين متنافستين ويبدو المشهد الليبى مفتوحاً على جميع الاحتمالات، ابتداءً من استكمال حوار أممى بإطار جديد، أو انطلاق آخر داخلى ترعاه القبائل بنتيجة غير مضمونة. أما الاحتمال الأكثر خطورة، فهو انزلاق أكبر إلى دوامة العنف والاقتتال، وحرب دولية بالوكالة قد تكون مكلفة وطويلة. ولا يزال المبعوث الأممى إلى ليبيا برناردينو ليون يصارع الزمن من أجل تسميه حكومه الوفاق الوطنى برئاسه فايز السراج قبل استلام المبعوث الجديد الالمانى «مارتن كوبلر» لمهام عمله تلك الحكومه التى كان من المفترض أن يوافق عليها البرلمان الليبى المعترف به دولياً قبل ال20 من الشهر الماضى، ولم تلق قبولاً، لا من سلطات طرابلس التى يهيمن عليها الإسلاميون، أو من سلطات الشرق المتمثلة ببرلمان طبرق وعجز البرلمان الليبى عن حسم موقفه من الاتفاق السياسى الهادف إلى إنهاء النزاع على السلطة وحكومة الوفاق الوطنى التى اقترحت الأممالمتحدة تشكيلها، معلنا عن تأجيل المناقشات إلى الأسبوع المقبل لمناقشه الأسماء المطروحة لرئاسة الحكومة ومسودة الاتفاق السياسى. و لم تكن حالة الرفض التى قوبلت بها حكومة الوفاق الوطنى المُقترحة بمثابة مفاجأة لأى من المتابعين للشأن الليبى عن كثب. فالحوار السياسى الليبى لايزال متجمدا عند نقاط محددة يرفض المشاركون فيه تقديم أية تنازلات بشأنها، كما أن حجم الترابط والتوافق داخل الكتل المتصارعة فى ليبيا يتضاءل يوماً بعد الآخر، هذا بالإضافة إلى استمرار غياب التنسيق الكافى بين الكيانات السياسية والأذرع العسكرية التى تمثلها داخل ليبيا، وعدم قيام القوى الإقليمية المختلفة بأى دور فاعل فى سياق هذا الحوار. وبالرغم من كون ما حدث من رفض للتشكيل المُقترح لا يُعد مفاجئاً، إلا أن هناك عددًا من الدلالات لهذا الرفض تتعلق بتطور الصراع السياسى داخل ليبيا وبمستقبل عملية الحوار كآلية لإنهاء حالة الانقسام بين الشرق والغرب. وتتنوع الأسباب المعلنة وراء هذا الرفض، بين عدم الرضا عن الأسماء التى طرحها ليون للحكومة والمجلس الرئاسى، الذى يفترض أن يشكل السلطة الاستشارية الأعلى فى البلاد فى مرحلة ما بعد المصالحة، إلى انتقاد الطريقة التى أدار بها المبعوث الأممى المفاوضات والصلاحيات التى أعطاها لنفسه بفرض الأسماء، وصولاً إلى توزيع الأدوار والصلاحيات التى يعطيها الاتفاق لكلا الطرفين، والتى يراها كلاهما غير عادلة. ومن جهة أخرى، ما يزال اسم خليفة حفتر، قائد الجيش الليبى يعد رقما صعبًا فى المعادلة الليبية وأحد أسباب تعثر تسميه الحكومة فالسلطات فى الشرق ترى ضرورة أن يكون لحفتر دور فى مرحلة المصالحة، بينما تصر سلطات طرابلس، وبضغط من ميليشيات «فجر ليبيا»، ذراعها العسكرية، على أن يخرج حفتر من المشهد السياسى والعسكرى الليبى نهائيا. ويرى برلمان طبرق أن مشكلة الجيش الوطنى والخشية من إبعاده عن العملية السياسية فى ليبيا هى سبب أساسى وراء رفض المجلس التشريعى فى طبرق لمقترح ليون الأخير فضلا عن تمسك البرلمان المنتخب بالمسودة الرابعة لاتفاق السلام التى وقعها فى الصخيرات والتى لم يوقع عليها أصلاً المؤتمر الوطنى العام فى طرابلس. كما أن البرلمان فى طبرق يرفض إضافة نائب ثالث لرئيس المجلس الرئاسى، لأن ذلك يعنى فعلياً تقسيم ليبيا إلى أربعة أقاليم بدلا من ثلاثة هى برقة وفزان وطرابلس، بخلاف اسم عبد الرحمن السويحلى الذى طرحه ليون كرئيس للمجلس وهو امر مثير للجدل فالمشكلة الأساسية هى فى الاعتراض من قبل سلطات طرابلس على اسم قائد الجيش الحالى، فيما ينظر برلمان طبرق إلى ضرورة بناء سلطة عسكرية موحدة. وقد وضع المحللون عدة سيناريوهات إذا فشلت الجهود الدولية والإقليمية فى خروج حكومه فايز السراج للنور أهمها أنه ستكون هناك جلسة أخرى فى الصخيرات بوجود ليون الذى انتهت مدته، على أن يتسلم مهامه الألمانى مارتين كوبلر، معتبراً أن هذا التغييرسيسمح بتغيير أيضاً فى إطار الحوار، ويضم المجالس البلدية والقبائل والتشكيلات المسلحة. أما بالنسبة إلى الوضع الأمنى فى حال فشل الحوار، فيرى المحللون أن القوى الإقليمية، وهى أوروبا ومصر والجزائر وإيطاليا ومعها الولاياتالمتحدة، ستكون أمام خيارين، إما احتواء الأزمة وتركها لمصيرها، وهو ما تحضر له أوروبا فعلياً منذ أشهر لمواجهة داعش وموجة الهجرة، على أن يكون سيناريو بديلاً فى حال انهيار الوضع، والذى يتضمن مساعدة الجزائر وتونس ومصر فنيا وماليا لتأمين الحدود، بخلاف التحرك الفرنسى الحاصل أصلاً لاحتواء الجماعات المتطرفة فى الجنوب، عبر القوات الفرنسية المتواجدة فى تشاد والنيجر.