كانت خطوة صحيحة أثبتت الأحداث التى تحدث اليوم، أنها كانت فى محلها الدقيق، حينما امتنعت عن المشاركة فى التحالف الدولى الذى ضم 40 دولة من مختلف بلدان العالم، لمحاربة تنظيم «داعش». ولم تنطلِ على مصر الحماسة التى أظهرها الرئيس الأمريكى بارك أوباما، فى حشده لهذا التحالف، ولا للكلمة التى ألقاها فى خطابه، بمقر القيادة الوسطى فى فلوريدا أنه «سواء كانوا فى العراقوسوريا، سيكتشف «داعش» أن بمقدورنا الوصول اليهم، وأنهم لن ينعموا بملاذ آمن». وقد خُدع الكثيرون ممن راهنوا على جدية تلك التصريحات الرنانة، وسارعوا بالانضمام لتحالف 2014 للقضاء على الإرهاب حسب مسماه المعلن فى سورياوالعراق.. لكن مصر ومنذ اللحظة الأولى من تلك الدعوات، والتى تخفى وراءها أهدافا، غير تلك الأهداف المعلنة، نأت بنفسها عن تلك الألاعيب، فقد دأبت السياسية الخارجية الأمريكية على المراوغة، وعلى أسلوب الازدواجية فى تعاملها مع قضايا المنطقة على طول تاريخها معنا.. فقد أعلنتها مصر صريحةً لما وجهت لها الدعوة فى المشاركة فى هذا التحالف المشبوه، وكانت قاطعة حين أوضحت أن يكون هدف هذا التحالف الصريح هو الحرب على الإرهاب كل الإرهاب فى المنطقة، لا أن تكون الضربات الموجهة تتسم بالإنتقائية والفرز.. وتبقى هى الحقيقة المرة التى تتحرك على الأرض مع الأحداث، تبقى الحقيقة المؤلمة، أن الحرب على الإرهاب مجتزأة وهى رهن معادلات المنطقة، تلك التى رسمتها واشنطن وفق مصالحها.. إذا ما أخذنا فى الاعتبار تعدد تلك الأدوات المستخدمة فى إسقاط الدولة السورية وإثارة الفوضى، والتى تختلف تسميتها من «داعش» إلى «جبهة النصرة» مرورا ب «الجيش الحر»، وصولا إلى «الجبهة الإسلامية» وهى تتحرك وفقا لما تمليه مصالح الغرب وعلى رأسهم الطرف الأمريكى الذى يدير مشهد اللعب بتلك الأدوات على الأرض.. خاصة إذا تذكرنا وهذا هام جدًا، أن تلك التنظيمات الإرهابية قد تُركت وسمح لها بالتمدد على الأرض، ولما جاء الإعلان عن هذا التحالف أتى متأخرًا، بعد أن صارت الأمور أكثر تعقيدًا من ذى قبل.. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى يتبادر إلى الذهن هذا التساؤل: لماذا التركيز على «داعش» فى العراقوسوريا دون الجماعات التكفيرية فى ليبيا وتونس واليمن ومصر ونيجيريا ومالى؟ من هذا السؤال يمكن استدعاء أسئلة أخرى، فيها الدلالة من وراء ما يدبرونه خلف التسميات الوهمية: هل وصل الأمر بأمريكا ومعها الناتو أن تقف عاجزة، غير قادرة على تشكيل عصابى من بضعة آلاف، وصارت فى حاجة إلى (تحالف دولى)؟ ولماذا سكتت أمريكا ومن تحالف معها حتى الآن على هذه العصابة حتى تمكنت من الاستيلاء على ثلث مساحة أكبر دولة تمتلك احتياطا نفطيا فى العالم (العراق)؟ ومن ساعدها ومن موَّلها؟. ولماذا لا يكون الهدف من التحالف هذا هو الحرب على الإرهاب كما دعت لذلك مصر، الإرهاب بكل صنوفه وجماعاته دون تمييز بين فصيل وآخر، حرب على الإرهاب تمتد لتشمل كافة البؤر الإرهابية فى كل بلدان العالم إن كانوا صادقين؟ والعجيب فى الأمر أن بعض الدول المشاركة فى هذا التحالف، متورطة بصورة أو بأخرى، فى دعم الإرهاب، مثل قطر وتركيا والولايات المتحدة، فكيف بهؤلاء أن يكونوا جادين فى حربهم للإرهاب؟ لكن أمريكا سارت بحملتها المشبوهة الزائفة تلك، صوب ما دبرت وخططت هى ومن لف لفها، ولعب لعبتها على الأراضى السورية، حين يكون الهدف من الضربات الموجهة لداعش، هو ضرب أهداف تابعة لنظام الأسد من خلال الضربات الجوية، بالإضافة إلى محاولة تقوية الأطراف المعارضة المسلحة على الأرض بما تلقيه الطائرات الأمريكية، من عتاد ومؤن بما يؤدى إلى حصار النظام وإسقاطه، لتبقى سوريا كبؤرة إرهابية مصدر للإرهابيين فى المنطقة العربية بأكملها، وبالتالى إثارة الفوضى فى المنطقة العربية لفترة طويلة من الزمن.. إزاء كل هذا، كان ولابد أن يحدث حلحلة للموقف، الذى راح فى اتجاه، ليس فقط ضياع سوريا، بل قد يتخطى ذلك إلى أمن المنطقة برمتها، فكان التدخل العسكرى الروسى الذى فاجأ الجميع فى هذا الحلف المشبوه، وحظيت المبادرة العسكرية الروسية بمباركة وتأييد من مصر دون أن تشارك، فالأمر لا يحتاج كما كان يُروج له، الى حشود ولا الى تحالفات وهمية، يحتاج الأمر للقضاء على الإرهاب فى سوريا الحسم وفقط. فتوالت الضربات لتكشف التلاعبات الأمريكية على الأرض، وفى كل يوم تتواصل فيه الضربات، يعلو الصياح الأمريكى والعويل، وكأنها تستشعر انكشاف كل ما دبرته على الأرض لإسقاط الدولة السورية، ولم تجد أمريكا من أوجه الاعتراض سوى اتهام روسيا بضرب المعارضة المعتدلة، وكأننا فى قواميس السياسة نسمع عن نوع جديد من المعارضة، معارضة تحمل السلاح الفتاك وتقاتل الدولة، وكأنما المطلوب من روسيا الآن أمريكيا، أن لا يتدخلوا فيما يدبروه داخل سوريا.. وتحول السجال عن مصير سوريا ووحدة أراضيها، إلى مصير بشار الأسد، وقد نأت مصر بنفسها عن تلك النقطة التى هى من صميم الداخل السورى، فمن يقول ببقاء الأسد أو زواله هو وحده الشعب السورى.. فما يهم مصر فى المقام الأول والأخير، القضاء على الإرهاب فى سوريا، ووحدة الدولة السورية وعودتها لمحيطها العربى.. فأمن مصر الإقليمى يبدأ تاريخيا من الشام، أمن سوريا هو جزء من أمن المنطقة وفى الرأس منها مصر، لذا فإنها مع أى خطوة يكون من شأنها الحيلولة دون نجاح المخططات الأمريكية فى تقسيمها وتمزيقها وتحويلها لبؤرة مصدرة للإرهاب.