حيل جديدة ووسائل نصب مبتكرة يتعرض لها المصريون فى محاولة لاستعطافهم وأخذ أموالهم.. حيث تحول الأمر من مجرد تسول أمام مسجد أو فى طريق إلى طرق للنصب.. "أكتوبر" فى هذا التحقيق ترصد نماذج مختلفة من تلك الحيل التى تعرض لها مواطنون فى مساجد القاهرة.وكانت البداية فى أحد مساجد القاهرة حيث ابتكر متسولون حيلة جديدة للنصب على الناس لعلمهم أن المصريين عاطفة جياشة ولا يألون جهدًا فى مساعدة الناس ففكروا فى حيلة عجيبة وذلك حين دخل المصلون وادعوا بأن أباهم قد مات وأن عليه دينًا، وأخذوا يبكون بكاء مريرًا فسأل الناس كم يبلغ دينه قالوا 10 آلاف جنيه فأخذ المصلون يجمعون المال ثم أعطوا الشباب ماجمعوه قالوا سنسدد عنه المبلغ بعد الانتهاء من مراسم الدفن، ثم ذهب المصلون ليتوضأوا لأداء صلاة الظهر ثم صلاة الجنازة.. وفوجئوا بعد الصلاة بعدم تقدم أحد من أهل الميت للصلاة عليه فقدموا الإمام وبعد الصلاة لم يجدوا أحدًا من أهل الميت يحمله ففكروا فى أن يذهبوا هم لدفنه لكنهم لا يعرفون أين يدفنونه.. فانتهوا إلى الكشف عن وجهه فقد يعرفه أحد فيذهب لأهله أو يقوموا بدفنه وكانت الصدمة حينما كشفوا الغطاء لينظروا لم يجدو كفنا ولا ميتا فأدركوا أنهم وقعوا ضحية لنصابين. واقعة أخرى يرويها شاهد عيان أنه أمام أحد المساجد الكبرى رجل كبير السن كان يجلس كل يوم.. يظهر أن مكفوف البصر لا يرى وكانت وزجته تأتى به فى الصباح وتجلسه على باب المسجد ثم تعود بعد العشاء فتأخذه ليعود أدراجه إلى البيت ولم يكن يدخل الصلاة وغيرها وإنما كان كل همه جمع المال ولم يراه الناس يركع ركعة.. وفى إحدى المرات لم تحضر زوجته كالعادة لتأخذه فقام ومشى ولم يتحسس الطريق وكأنه يرى كل شىء.. فلقيه أحد المصلون فسأله "ألست الحاج فلان الذى يجلس أمام المسجد؟.. فتهرب منه وقال لا.. "فلما انكشف أمره أوقف تاكسى أجرة وغادر المكان بسرعة. والرواية التالية بطلها عربى ويرويها شاهد عيان بأنه وفى أحد مساجد وسط البلد جاء رجل عربى يدعى أنه حضر إلى القاهرة للعلاج وأن أمواله كلها نفدت منه ويطلب من القائمين على المسجد مساعدته بقيمة تذكرة السفر إلى بلاده.. فتشاور أعضاء مجلس إدارة المسجد واتفقوا على مساعدته وأنابوا واحدًا من الأعضاء ليذهب معه إلى شركة مصر للطيران القريبة من المسجد لحجز تذكرة لهذا العربى وكانت قيمتها 2000 جنيه.. لكن لما ذهب إلى الشركة نصح موظف الشركة عضو مجلس إدارة المسجد بأن يكون حق عودة قيمة التذكرة حال ردها باسمه لا باسم الشخص العربى.. فلما سأله لماذا؟ قال إنه تحدث كثيرًا وربما يكون نصابًا أو متسولًا يحصل على المال بهذه الطريق. فدفع الشيخ المبلغ وحصل على التذكرة وأعطاها للعربى فلما فوجئ بأن حق عودة التذكرة للرجل المصرى الذى دفع المبلغ.. سأله لماذا فعلت ذلك ألا تثق فى.. فرد عليه ألا تثق أنت فينا.. أردت التذكرة وها هى فما الذى يضرك من عودة قيمة ردها إلى المسجد.. فقال وهو غاضب لا أريد السفر طالما أنكم لا تثقون فى.. فعندها انكشف الأمر وعلم الشيخ أنها حيلة جديدة للنصب. ويضيف الدكتور حمدى طه الأستاذ بجامعة الأزهر هذه النماذج تنسب فى صورة تسول مؤكدًا أنها انتشرت فى المجتمع خاصة فى الأونة الأخيرة وذلك لعدم اليقين والطمع والاحتيال وأكل أموال الناس بالباطل وحب الإنسان للدنيا وعدم رضاه بما قسم الله له، موضحًا أنه لو أن هناك وازعًا دينيًا أو تربية دينية لعلم هؤلاء بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "كل جسد نبت من حرام فالنار أولى به". وأرجع الدكتور طه انتشار هذه الظاهرة إلى أن الأغنياء أكلوا أموال الفقراء بعدم إخراج الزكاة والصدقة حيث يقول النبى صلى الله عليه وسلم "إن الله ينزل الرزق على أهل العَرَصَة" القرية أو الحى أو المدينة أو المحافظة أو الدولة "ليكفيهم جميعا"، كما يقول سيدنا على رضى الله عنه "إذا رأيتم رجلًا يسأل الناس العطاء فاعلم أن غنيا قد أكل حقه" حيث فرض الله على الأغنياء الذين يخرجون الزكاة بأن يبحثوا عن المحتاجين الذين لا يسألون الناس فى أموالهم شيئا.. لقوله تعالى "يَحْسَبُهُمْ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنْ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً".. وعليه فإن تجاهل هذه الفتنة التى لا تسأل الناس شيئا أدى إلى ظهور المتسولين وأصحاب النصب فى التسول. لأنه لو تكفل المجتمع بهذه الفئة لعلم كل منا أن من يسألونه سواء فى المساجد أو المواصلات أو الشارع أنه أخذ من ذلك حرفة له. ولفت الأستاذ بجامعة الأزهر إلى أن الشعب المصرى شعب عاطفى بطبعه يتأثر بما شاهده فتجد النصاب يلقى بطبق البيض فى الشارع ويظل يبكى فيجتمع عليه الناس يرضوه فيعطونه حق الذى لم يخرج من بيته ليسأل الناس حاجته، مؤكدا أنه عندما يتجاهل الإنسان أصحاب الحقوق يبتليه الله بالنصابين والمتسولين. وأشار الدكتور حمدى طه إلى أن تلك الظاهرة تدل على جفاء المجتمع وعدم قدرته على محاربة الظواهر الخبيثة التى تظهر فيه مما يؤدى بالمجتهدين إلى التكاسل لما يراه من حوله فيبدأ هو يسلك هذا الطريق، مشددًا على ضرورة أن توضح وسائل الإعلام والمساجد والكنائس تلك الحقائق ويعلِّموا الناس ثقافة البحث عن المحتاجين ويحاربوا هؤلاء النصابين والمحتاجين.