الاختبار الصعب الذى تواجهه الحكومة الجديدة برئاسة المهندس شريف إسماعيل أنها تأتى بعد حكومة المهندس إبراهيم محلب التى أنجزت عددًا من الملفات وحققت الكثير من الإنجازات التى انعكست على المصريين فى حياتهم اليومية رغم عملها فى ظروف بالغة الصعوية (داخليًا وخارجيًا) على حد تعبير الرئيس السيسى.. هذه الإنجازات مضافًا إليها الشعبية التى حازها محلب شخصيًا لدى الرأى العام تمثل فى واقع الأمر تحديًا كبيرًا من بين كثير من التحديات تواجهها الحكومة الجديدة ورئيسها.حرص الرئيس على التحية العلنية للمهندس إبراهيم محلب والإشادة بأدائه وبأداء حكومته بعد الاستقالة المفاجئة التى طُلب منه تقديمها.. لعله حرص على أن ينفى عن الرجل أى تقصير فى مهمته، وهو الأمر الذى أكده تمسكه به إلى جواره وتعيينه مساعدًا لرئيس الجمهورية للمشروعات القومية والاستراتيجية، وهو تقدير من الرئيس يأتى متناغمًا مع تقدير قطاعات كبيرة من المصريين لأداء محلب طوال فترة رئاسته للحكومة. ??? لا شك أن أسلوب عمل المهندس شريف إسماعيل كرئيس حكومة ورغم أنه كان ضمن الفريق الحكومى السابق كوزير للبترول سوف يختلف بالضرورة عن أسلوب سلفه، وهو أمر طبيعى نظرًا لاختلاف وتنوع مناهج العمل السياسى باختلاف الأشخاص، ومن ثم فسوف يختلف أداء شريف إسماعيل عن أداء محلب الذى اعتمد على العمل الميدانى وسط المشكلات والأحداث والمواقع وحيث أبلى فى ذلك بلاءًا حسنًا وكان محل إشادة من الكثيرين فى نفس الوقت الذى انتقده فيه البعض باعتبار أن هذه الممارسة الميدانية ليست من مهام رئيس الحكومة الذى يتعيّن أن يؤدى مهامه من خلال رؤية سياسية واستراتيجية يتابع تنفيذها مع أعضاء حكومته. ورغم أن الحكومة الجديدة تضم سبعة عشر وزيرًا من الحكومة السابقة إلا أن أداءها سوف لا يعتمد على العمل الميدانى، ويبقى أن لكل اجتهاده ورؤيته وإن اتفق الجميع على الحرص على حُسن الأداء لخدمة الوطن، ولقد عكست تصريحات الدكتور أحمد زكى بدر أجد أعضاء الفريق الحكومى الجديد كوزير للتنمية المحلية هذا التوجه المختلف حيث قال إن مهمته كوزير ليست النزول إلى الشارع ولكنها مهمة المحافظين. وإذا كانت ظروف طباعة هذا العدد من المجلة الذى يتواكب إصداره مع إجازة عيد الأضحى المبارك قد فرضت علىّ كتابة هذه السطور فى اليوم التالى لتشكيل الحكومة الجديدة، فلقد فرض مجىء مناسبتين متواكبتين أن تبدأ الحكومة عملها وفى أول اختبار جماهيرى لها بمواجهة وتوفير متطلبات العيد وبدء العام الدراسى الجديد، ولعل هذه المواجهة هى أهون التحديات أمامها. ??? إن التحديات أمام حكومة شريف إسماعيل كبيرة وكثيرة وتتطلب أداءًا متميزًا شاقًا حسبما جاء فى تكليفات الرئيس لها.. بداية من تحسين معيشة المواطنين وضبط الأسعار وزيادة الصادرات وتشجيع الاستثمارات وسرعة إنجاز المشروعات القومية وفقًا للمواعيد المقررة.. مرورًا بتحقيق العدالة الاجتماعية وتأهيل الشباب.. وأحسب أن الرئيس أراد أن يفجّر طاقات خلاّقة لدى أعضاء الحكومة الجديدة حين كلّفها بما أسماه الخروج عن الأنماط التقليدية فى العمل والإدارة والبحث عن الأفكار الخلاّقة والمبتكرة لزيادة موارد الدولة وبما لا يمس محدودى الدخل، وهو التكليف الذى يصب فى خانة التكليف الاستراتيجى بخفض عجز الموازنة. ولقد جاء تكليف الرئيس للحكومة الجديدة بضرورة الحد من استيراد السلع غير الضرورية والتى يوجد مثيل لها فى السوق المحلية.. كأحد أهم التكليفات التى بات تنفيذها فرض عين على هذه الحكومة وعلى وجه السرعة، باعتبار أنه ظل تكليفًا غائبًا لسنوات، وباعتبار أن استمرار استيراد تلك السلع والتى توصف فى أدبيات الاقتصاد المصرى بالسلع الاستفزازية والكمالية ويمثل استيرادها استنزافا لموارد الدولة من العملات الصعبة والتى يفترض توجيهها لاستيراد السلع الضرورية غير المتوفرة فى السوق المحلية وفى مقدمتها أدوية الأمراض الخطيرة والمزمنة أو فى مستلزمات الإنتاج الضرورية واللازمة لأغراض الصناعة وغيرها، وإذا كانت الحكومات السابقة قد تغاضت أو تقاعست أو فشلت فى وقف هذا النزيف فإن ذلك من أهم التحديات التى يتعين على الحكومة الجديدة مواجهته بنجاح. ??? التحدى الصعب أمام حكومة شريف إسماعيل يتمثل فى التصدى للفساد بكل قوة وحسم، وهو الملف الأكثر تعقيدًا، باعتبار أن الفساد متجذر ومتغلغل فى مفاصل الدولة وأوصالها ودهاليزها وعلى النحو الذى يجعل المهمة بالغة الصعوبة، خاصة وأن الفساد استقوى بفجاجة فى السنوات الأخيرة التى سبقت ثورتى 25 يناير و30 يونيو. وإذا كان المهندس شريف إسماعيل قد حرص وفى أول مؤتمر صحفى له بعد حِلف اليمين على أن يؤكد «أنه لا مكان للفساد بيننا».. قاصدًا بذلك أعضاء حكومته وذلك على خلفية قضية الفساد المتهم فيها وزير الزراعة فى الحكومة السابقة مع تأكيده فى نفس الوقت على الوقوف بحسم تام أمام الفساد، إلا أنه كان موضوعيًا وصريحًا حين اعترف بأن «الفساد مشكلة متغلغلة». الحقيقة هى أن الفساد الذى بات مؤسسة قوية متوحشة ومنظومة شديدة التعقيد.. لن يكون فى مقدور هذه الحكومة ولا فى مقدور حكومات أخرى تالية القضاء عليه بسهولة وفى أجل قريب، بل إن هذه المهمة رغم إلحاحها سوف تستغرق وقتًا طويلاً لإنجازها. ??? التحدى الأكبر الذى تواجهه الحكومة الجديدة هو أنها جاءت قبل ثلاثة أشهر فقط من انتخاب مجلس النواب.. الاستحقاق الثالث والأخير فى خارطة الطريق التى انبثقت عن ثورة 30 يونيو، وهى بذلك قد تكون حكومة قصيرة العمر إذا لم يوافق المجلس على بقائها واستمرارها حسبما يقضى بذلك الدستور والذى يدور بشأنه حاليًا جدل كبير بسبب الصلاحيات الممنوحة للبرلمان والتى تخصم من صلاحيات الرئيس. ولذا فإن هذه الحكومة المهددة بالحل بعد أسابيع قليلة سوف تعمل فى ظروف شديدة الحرج وبالغة الصعوبة، وهى صعوبة أشد من ظروف عمل حكومة محلب، إذ يظل إعادة تسميتها وبقائها رهنًا بإرادة مجلس النواب المقبل، وسواء حازت على ثقة البرلمان أم لا فسوف يبقى أنها الحكومة التى ستجرى الانتخابات بكل نزاهة وشفافية حسبما يتوقع الجميع. .. ذلك ما قصده المهندس شريف إسماعيل بتصريحه أن الحكومة ستعد برنامجًا متكاملاً لعرضه على مجلس النواب الجديد، ثم بحرصه على تأكيد «أن البقاء فى المنصب لا يشغلنا وإنما ما يشغلنا حاليًا هو التفكير فى تأدية دورنا لخدمة مصر». ??? لذا فإنه يبقى محتملا إن لم يكن مرجحًا أن يتم اختزال هذه الحكومة فى أنها حكومة إجراء الانتخابات. N