تبدو الأوضاع المائية لكثير من دول العالم العربى فى وضع بالغ السوء، وفى حاجة إلى الكثير من التحركات الواعية من قبل الدول والمواطنين قبل حلول الكارثة التى حذر منها تقرير دولى، وقد حذرت الأممالمتحدة بالفعل من أنه بحلول عام 2030 سيعانى نصف الكرة الأرضية من نقص المياه.وكشف تقرير أعده «معهد الموارد العالمية» ومقره واشنطن أن عشرات الدول ستواجه شحًا فى المياه بحلول عام 2040 فى ظل التغير المناخى بالعالم، الذى سيؤدى إلى نقص فى موارد المياه، وأن 33 دولة ستواجه نقصًا حادًا فى المياه بحلول عام 2040 من بينها 14 دولة فى الشرق الأوسط. ترتيب الدول المعرضة للأزمة كما جاء فى التقرير نجد البحرين فى المركز الأول ثم الكويت ثم قطر،سان مارينو، سنغافورة، دولة الإماراتالمتحدة، وفلسطين، ثم المملكة العربية السعودية، وسلطنة عمان. وتعد الدراسة الأولى من نوعها التى أعدها المعهد حول أكثر الدول المعرضة للضغوط المستقبلية للماء على 3 فترات وهى حتى أعوام 2020 و2030و 2040. اعتمدت الدراسة على أربعة معايير هى حجم الاستهلاك، حجم المخزون المائى، نسبة الاستهلاك إلى المخزون، التغيرات الموسمية المتوقعة كل عشر سنوات، فتصدرت دول الشرق الأوسط القائمة المخيفة. وشملت الدراسة 167 دولة، وكشفت أن 33 دولة منها ستواجه شحًا شديدًا فى مصادر المياه بنهاية تلك الفترة مما سيؤثر سلبًا فى الأمن القومى والنمو الاقتصادى فى تلك الدول. وتعد قائمة ال 33 دولة أقل مناطق العالم أمانًا من حيث مصادر المياه العذبة، حيث يعتمد الكثير من هذه الدول على المياه الجوفية وتحلية مياه البحر. وحذر التقرير من أن هذا النقص يمكن أن يؤدى إلى اندلاع حروب مياه ويهدد النمو الاقتصادى والأمن القومى، ويدفع السكان للانتقال للعيش فى المدن المكتظة أساسًا بالسكان. ولفت التقرير إلى أن العنف والاضطرابات السياسية التى تضرب المنطقة شغلت أنظار العالم عن الأزمة الأخطر التى تنتظرها وهى شح الموارد المائية. ويتزامن التقرير مع موجات الحر الشديد التى عمت المنطقة وأدت لوفاة المئات فى الهند وباكستان ومصر، كما ساهم الحر الشديد فى تبخر المياه والتأثير على المحاصيل الزراعية. وبحسب التقديرات ففى عام 2050 سيرتفع عدد السكان فى الشرق الأوسط لنحو 634 مليون نسمة، أى ضعف العدد الموجود اليوم، لذا تتوقع الدراسة ارتفاع الطلب على المياه خلال العقود القليلة القادمة فى ظل توقع الزيادة السكانية الأمر الذى سيثقل كاهل الموارد المائية. وكأمثلة على الأزمة نجد أن 50% من المياه فى العاصمة الأردنيةعمان تتسرب من الأنابيب، ويحصل السكان على المياه مرة كل أسبوعين، ورغم بناء نظام لنقل المياه باستثمار هائل من حوض «الديسى» جنوبالأردن فقد تبين عند تشغيله أن المياه مُشِعّة وغير صالحة للاستخدام. وفى بحيرة ناصر يتبخر كل عام 10 ملايين متر مكعب من المياه. كما تبنى تركيا سدودًا على موارد نهرى دجلة والفرات وتحجب المياه من الوصول إلى العراقيين والسوريين. وفى الكويت المياه الجوفية مشبعة بالنفط الذى تسرب إليها بعد أن انسكب خلال حرب الخليج الأولى، ومشبعة بمياه البحر المالحة التى أطفأوا بها الحرائق التى اندلعت فى آبار النفط. وأدى انحسار مستويات منابع المياه مع اضطراب الأوضاع الأمنية إلى إجبار ملايين السوريين من المزارعين والرعاة مغادرة قراهم وأراضيهم الزراعية. وبحسب قائمة وضعها المعهد لتصنيف الدول الأكثر تضررًا من نقص المياه تبين أن دول الخليج تقع بأكملها ضمن هذا التصنيف للدول التى ستعانى من شح مائى. حيث تعتمد أغلب الدول العربية وبخاصة دول الخليج على آبار المياه الجوفية، لكن هذه الآبار وحسب الدراسة مهددة بانخفاض مناسيب المياه فيها. ويتوقع «مجلس الاستخبارات الوطنى الأمريكى» أن تعرض مشاكل المياه دولًا فى منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط إلى مزيد من الخطر وعدم الاستقرار. ويظهر التقرير عددًا من التوقعات لنقص المياه على النحو التالى: 1- حصة الفرد من المياه تتضاءل سنويًا فى مصر، حيث يزداد الطلب على الماء طرديًا مع ازدياد عدد السكان، وحسب إحصاءات محلية فإن نصيب الفرد من المياه سنويًا 660 مترا مكعبا بعد أن كان 2500 متر مكعب للفرد عام 1947. 2- حوض دجلة والفرات يشهد تراجعًا فى نسبة المياه بنسبة خطيرة، حيث خسر الحوض حوالى 150 ألف متر مكعب من المياه الجوفية العذبة بين عامى 2003 و2009 بحسب صور الأقمار الصناعية. 3- نهر الأردن قد يضمحل بمقدار 80% مع حلول عام 2100 وموارد المياه الجوفية ستتناقص وتجف مع تزايد الاستهلاك. 4- حوض صنعاء تنخفض فيه معدلات المياه الجوفية 6 أمتار كل عام. وحث التقرير حكومات هذه الدول على تطبيق برامج ترشيدية لاستهلاك المياه من الآن للحفاظ على مخزونها المائى قدر المستطاع، وفى هذا السياق أشار إلى عزم السعودية الاعتماد على الاستيراد فى توفير كل احتياجاتها من الحبوب الغذائية بحلول عام 2016 لترشيد استهلاك المياه لأغراض الزراعة، بعد أن كانت تعتمد على الإنتاج المحلى بصورة شبه كاملة لعقود طويلة. وسبق أن حذر د. حسين العطفى أمين عام المجلس العربى للمياه من اتساع مخاطر ندرة المياه فى المنطقة العربية بسبب تغير المناخ، مما يجعل المنطقة مقبلة على زيادة فى معدلات الجفاف والتصحر، وهو ما يستدعى مضاعفة الجهود والأموال المخصصة لمشروعات الإيرادات المائية. ودعا التقرير قادة العالم إلى اتخاذ مواقف أكثر حسمًا فيما يتعلق بالتغيرات المناخية خلال اجتماعهم بقمة المناخ الدولية المرتقبة فى نوفمبر المقبل فى العاصمة الفرنسية باريس.