فى 1980 أصدر الرئيس السادات قرارا بوقف الذبح ومنع تداول اللحوم بين المحافظات لمدة شهر، ثم خرج مؤيدًا لمقاطعة سيدات المعادى للحوم بعد ارتفاع سعرها 25 قرشًا ولم تكن أزمة ارتفاع أسعار اللحوم وليدة ذلك ولكنها كانت على مدى سنوات طويلة ظلت الحكومة خلالها تبحث عن مسكنات للأزمة ولم تضع استراتيجية واضحة لمواجهتها، وعلى مدار أكثر من 42 عامًا تفاقمت الأزمة ليتحول سعر كيلو اللحم البلدى من 60 قرشًا عام 1977 إلى 80 جنيهًا حاليًا وإلى 120 جنيهًا فى بعض المناطق الراقية والمولات الكبرى، لتكتوى جيوب المصريين وتظل حلول الحكومة مجرد محاولات تجنى ثمارها جيوب مافيا اللحوم فتزداد جشعًا. «أكتوبر» خلال هذا الملف تحاول أن تكشف الأسباب الحقيقية وراء الأزمة وكيفية مواجهتها وحقيقة حملات المقاطعة ومدى تأثيرها على الأسعار. وذلك من خلال عدة حوارات ولقاءات مع المربين ومسئولى الطب البيطرى، ورصد ما يحدث فى المجازر ومناقشة الجزارين ومسئولى حملة «بلاها لحمة».قال د. سامى طه نقيب الأطباء البيطرين إن 50% من اللحوم مذبوحة خارج المجازر وغير خاضعة للكشف البيطرى، موضحًا ل «أكتوبر» أن هناك مافيا وراء ارتفاع أسعار اللحوم بشكل غير مبرر، مطالبًا الحكومة بتكثيف حملات التفتيش والرقابة على التجار لضبط السوق ومنع الاحتكار. وعلق د. سامى طه نقيب البيطريين على حملة «بلاها لحمة» بأنها ليست مجُدية وتعد نوعا من السفه والإلهاء لأصل الأزمة لأن مقاطعة اللحوم لن تقضى على الأزمة وإلا كان قرار الرئيس محمد أنور السادات بمقاطعة اللحوم عام 1980 أسفر عن نتائج ملموسة، معقبًا بقوله إن الألبان واللحوم لا تُقاطع. وكشف طه عن السبب وراء ارتفاع أسعار اللحوم رغم الاستيراد من أثيوبيا السودان وهولندا وغيرها أن الدولة تستورد رؤوس ماشية من هذه الدول بأسعار منخفضة لذبحها وبيع لحومها للفقراء، ولكن ما يحدث هو أن بعد مرور فترة 60 يوما على استيرادها يتم ذبحها وختمها بالختم الأحمر على أنها لحوم بلدى، وهذه هى الكارثة خاصة أن تلك اللحوم تعتبر من أجود اللحوم فى العالم. وأوضح طه أنه تقرر وقف استخدام «الختم الأخضر» الذى كانت تختم به اللحوم المستوردة لتمييزها عن اللحوم البلدية وتفرض بيعها بأسعارها المعلومة والتى لا تزيد على 50 جنيها للكيلو فى ظل تخطى اللحوم البلدية 90 جنيها للكيلو فى بعض المناطق مما أدى إلى ختم جميع اللحوم بنفس الختم سواء كانت مستوردة أو بلدية مما سمح لأصحاب الذمم الخربة فى بيعها جميعا بنفس السعر، لافتًا إلى أن آخر التقارير أفادت أننا نستورد حوالى 500 ألف طن لحوم سنويا، وذلك بالإضافة إلى ما نستورده من حيوانات حية. مشروع البتلو وأشار إلى البدء بالفعل فى إحياء مشروع تنمية البتلو من خلال تسمين العجول وتم اعتماد 300 مليون جنيه لهذا المشروع لسد الفجوة من اللحوم الحمراء والحد من الاستيراد بمساندة بنك التنمية والائتمان الزراعى من خلال القروض الميسرة لتسمين البتلو بنسبة 7%، وجدير بالذكر أنه تم تطبيق هذا المشروع من 1982 إلى 1990 حتى وصلنا لتسمين 250 ألف رأس ويومها أعلن وزير الزراعة اكتفاءنا من اللحوم. وتكمن مشكلة الثروة الحيوانية فى تعدد الجهات المسئولة مما يؤدى الى التكاسل عن الدور المفروض، فمثلا المسئول عنها فى وزارة الزراعة هو قطاع تنمية الثروة الحيوانية، الهيئة العامة للخدمات البيطرية وهى مسئولة بالدرجة الأولى عن حماية الثروة الحيوانية من الأمراض حتى لا يحدث مثلما حدث فى 2006 وإصابة الأبقار والجاموس بالحمى القلاعية، بالإضافة إلى معاهد بحثية للانتاج الحيوانى ومعاهد بحثية بيطرية، فلا يتم التنسيق بين هذه المنظومة لحل هذة الأزمة المتكررة، وذلك رغم أن الثروة الحيوانية قدرها 140 مليار جنيه كاستثمارات والتى تمثل 40% من الانتاج الزراعى، و20 مليار للدواجن، ويعمل بها 2 مليون رب أسرة وحصيلة إنتاجهم يوميا 2 مليون طائر تسمين و20 مليون بيضه بواقع 7 مليار سنويا. وطالب بالاهتمام بقطاع الاغنام فى شمال سيناء، وبمعهد بحوث الأمصال واللقاحات البيطرية الذى يعد من أقدم المعاهد البيطرية فى الشرق الأوسط، حيث تم إنشاؤه سنة 1903 بالعباسية وبصندوق التأمين على المواشى والذى يقوم بالتأمين على الماشية والأغنام والماعز والجمال وصرف التعويضات عند حدوث مخاطر النفوق والذبح الاضطرارى، ويتعاون الصندوق مع جميع الوحدات البيطرية على مستوى الجمهورية ويقدم خدماته لصغار الفلاحين بكل القرى وتشرف عليها وزارة الزراعة وتراقب أعماله لأنه يتم التعويض بالكامل للماشية فى حالة الخسارة. مجازر غير مؤهلة أما عن حالة المجازر فى مصر يقول طه: أنها دون المستوى ونرغب فى نقل تبعيتها من الإدارات المحلية إلى مديريات الطب البيطرى والتى تعد مواقع صحية، وخاطبت د. مها الرباط وزيرة الصحة سابقا وطلبت من وزير الزراعة وقتها د. أيمن أبو حديد زيارة مجزر البساتين وبالفعل زاره وهى تعد المرة الأولى من يوم إنشاء المجازر لمعرفة الحالة التى يقع عليها. ولنقل التبعية، خاطبت وزيرالتنمية المحلية والبيئة والصحة والزراعة والصحة والتموين، وكان الرد الأكثر إيجابية من وزير البيئة بضرورة نقل تبعيتها وطالب بعمل ورش عمل وذلك سيتم خلال الفترة القادمة. وأشار إلى أن مجازر مصر يبلغ عددها 500 مجزر و50 منها فقط هو الأحسن ولا يتجاوز عدد المجازر الآلية عن خمسة، مطالبًا بتحويل المجازر اليدوية إلى النظام الآلى وتخفيضها الى الخُمس، فحالة المجازر فى الخارج أفضل من بعض المستشفيات هنا، كما أن الأطباء البيطريين يُعاملون كضيوف على المجازر ليقومون بفحص الختم فقط. وعن مجزر البساتين قال طه: كان مجزر آلى وأصبح الآن يدويا ولا يليق أن يكون مجزر العاصمة، والأسوأ منه هو مجزر المنيب بالجيزة. وأشار إلى أن التقارير الحالية متفائلة للغاية والتى أفادت بأن 40% من مذبوحات مصر تتم خارج المجازر، ولكن الحقيقة وهى على مسئوليتى أنها لا تقل عن 50% وبالتالى غير خاضعة للكشف من قبل الطبيب البيطرى، وهذا يعنى أنه يتم ذبح إناث المواشى بدلا من الحفاظ عليها وتنميتها، بالإضافة الى ذبح المواشى التى تقل عن 250 كيلو والذى يجرمه القانون، كما يتم ذبح المواشى المريضة، وهذا يعنى القضاء على الثروة الحيوانية ويقدم للمواطن حيوان مريض فى ظل غياب الشرطة. ويستكمل قائلًا: إن الأخطر من هذا هو مصانع اللحوم، وأنصح المواطن ألا يتناول لحوم مُصنعة على الاطلاق، فمصانع اللحوم تتبع لوزارة الصناعة ومنها المرخص وغير المرخص، فما يحدث داخل مصانع اللحوم ربما يكون أسوأ مكان فى العالم حيث يوضع كل شىء وتأتى التوابل لتخفى الحقيقة، وأتساءل أين الرقابة على هذه المصانع، وكذلك المطاعم الكبيرة والفنادق ليست فى منأى عن هذا. منع الاحتكار وأشار إلى أن حل أزمة ارتفاع اسعار الأعلاف يكون من خلال منع الاحتكار فى الردة الخارجة من المصانع والتوسع فى زراعة الذرة الصفراء فى مصر، وقيام وزارة الزراعة بوضع آليات جديدة للقضاء على تلك الأزمة، لافتًا إلى أن ميزانية الطب البيطرى تحتاج 140 مليون جنيه. وأضاف أن على الحكومة القضاء على مافيا اللحوم والتجار وأن تقوم وزارة التموين بحملات تفتيش ورقابة حقيقية لضبط الأسواق ومنع احتكار التجار الكبار.