لماذا أقدمت حكومة حزب العدالة والتنمية، والرئيس التركى رجب طيب أردوغان، على شن عمليات عسكرية على مواقع حزب العمال الكردستانى فى إقليم كردستان العراق، فى هذا التوقيت تحديدًا؟ وهل استغلت تركيا العملية العسكرية التى تشنها ضد داعش فى سوريا لتوسيع عملياتها لتشمل حزب العمال الكردستانى؟ وهل لهذا الأمر علاقة بالأزمات الداخلية التى تعيشها حكومة حزب العدالة والتنمية حاليًا؟ تساؤلات عديدة تطرحها الصحف ووسائل الإعلام العالمية، منذ بدء العمليات العسكرية التركية ضد أهداف تابعة لتنظيم داعش شمالى سوريا، وحزب العمال الكردستانى «PKK» بشمالى العراق. وبحسب رئاسة الوزراء التركية، فإن الطائرات المشاركة فى الطلعات الجوية قصفت مخابىء ومساكن ومخازن ومواقع لوجستية، وذخائر حديثة وتقليدية، تابعة لحزب العمال الكردستانى. وجاءت هذه الغارات عقب مقتل 32 شخصًا، وإصابة نحو 104 آخرين بجروح الأسبوع قبل الماضى، جراء تفجير انتحارى وقع فى حديقة مركز ثقافى بمدينة «سوروج» التابعة لولاية «شانلى أورفة» جنوب شرقى تركيا. وفى رد فعل سريع على العمليات العسكرية التركية، أعلن حزب العمال الكردستانى انتهاء اتفاقية وقف إطلاق النار مع تركيا، والتى تم التوصل إليها عام 2013، وقال الحزب فى بيان رسمى «لم يعد للهدنة أى معنى بعد هذه الضربات الجوية المكثفة للجيش التركى المحتل». وفى إطار تفسير ما يحدث، وتحول الموقف التركى، ترى كثير من التحليلات السياسية أن السبب فى التصعيد التركى يعود إلى الوضع غير المستقر، والأزمات الداخلية والخارجية التى تشهدها أنقرة مؤخرًا، فعلى الصعيد الداخلى فشل حزب العدالة والتنمية فى الحصول على الأغلبية التى تجعله يشكل الحكومة بمفرده، بالإضافة لفشل أردوغان فى تمرير القانون الرئاسى الجديد، الذى كان يسعى من خلاله لترسيخ صلاحياته الفردية المطلقة، وفى الوقت الذى فشل فيه أردوغان وحزبه، كان حزب الشعوب الديمقراطية (الذى يوصف بأنه الجناح السياسى لحزب العمال الكردستانى) يحصل على نسبة 13% من الأصوات، مع تحقيقه الأغلبية المطلقة فى ولايات كردستان الشمالية (جنوب شرق تركيا)، كل هذا أدى لقيام أردوغان بوضع خطة جديدة تقوم على رفض تشكيل حكومة وحدة وطنية، واللجوء للانتخابات المبكرة، ولكى ينجح فى تحقيق هدفه، يسعى للحصول على أصوات حزب الحركة القومى المتطرف، خاصة أنه حصل على حوالى 16% فى الانتخابات الماضية، وخطابه يتركز على رفض منح الأكراد أى حقوق قومية وإدارية، وإعلان الحرب ضد حزب العمال الكردستانى، وعلى ذلك فإن أردوغان يسعى من خلال هذا التصعيد للحصول على أصوات حزب الحركة القومية، ومن ثم تشكيل حكومة منفردة. وفى سياق تحليلها للوضع الراهن، ذكرت صحيفة «الجارديان» البريطانية أن تخوف تركيا من ارتفاع سقف الطموحات الكردية، بعد انتصاراتها العسكرية ضد ميليشيات داعش، واحتمالية نيل الأكراد حق الحكم الذاتى فى كل من سورياوالعراق، الأمر الذى قد يحرك المشاعر الانفصالية داخل قلوب أكراد تركيا، هو ما جعل الحكومة التركية تتخذ العديد من القرارات المتضاربة والمزدوجة، مثل استهدافها الأخير لتنظيم داعش والأكراد، لقيام الأخير بقتل أعضاء من الشرطة التركية، بعد اتهامهم بالفشل فى حماية الأكراد، الذين لقوا حتفهم بمدينة «سروج»، وحذر تقرير الصحيفة البريطانية من اتخاذ تركيا تصرف قد يضع كل من الأكراد والتنظيمات المتطرفة داخل خانة واحدة، ويضاعف من حجم التحدى الذى قد تواجهه فى المستقبل، باشتراكها بشكل فعال فى الحملة العسكرية ضد داعش. أما صحيفة «الموندو» الإسبانية فكتبت أن أنقرة نفذت اتفاقًا أبرم مع الولاياتالمتحدة حول قيامها بضرب داعش فى سوريا، وقصف مواقع حزب العمال الكردستانى فى شمال العراق، وذلك ردًا على هجوم جهاديين على موقع للجيش التركى قرب كيليس، وأوردت الصحيفة، تصريحات الرئيس التركى التى اعتبر فيها تنظيم داعش وحزب العمال الكردستانى تنظيمان إرهابيان. من ناحيتها، رأت صحيفة « لوسوار» البلجيكية أن التوتر يتنامى بتركيا بعد أن كسرت الحكومة الهدنة مع حركة التمرد الكردية، مشيرة إلى أن استئناف حرب حقيقية مفتوحة بين الدولة التركية وحزب العمال الكردستانى، سيشكل نبأ سيئا للجميع باستثناء بشار الأسد وداعش. وفى نفس الإطار، حذرت صحيفة «ساجبروكر تسايتونج» الألمانية من عواقب الهجمات التى استهدفت تركيا نفسها، مشيرة إلى أن الوضع قد يخرج بسرعة عن نطاق السيطرة لتلقى التوترات بظلالها سلبا على اقتصاد البلاد، خاصة نشاطها الأساسى المتمثل فى السياحة، وتضرر بالتالى ثقة المستثمرين بسبب عدم الاستقرار.