كرَّم الله الإنسان ورفع مستواه من جميع النواحى، واهتم بكرامته، وحثه على الاهتمام بشئون نفسه، ولكن الإنسان أهان نفسه حيث إنه لا يولى لنفسه أى اهتمام، ولا يبذل لإصلاح وضعه أى نشاط، مهملاً حاضره ومستقبله وحتى ماضيه، فتُفقد فى هذه الحالة إمكانية إقناعه بالسعى والعمل، وإمكانية التأثير عليه فى دعوته لتحسين أموره وأوضاعه، والتحرك نحو الأفضل. ويبقى خاملا جامدًا لا مباليًا، مفضلا استمراره في وضعه، على تحمل عناء الحركة وأعباء السعى والنشاط، فضيع دنياه وخسر آخرته وحول ذلك كان هذا التحقيق:- يقول د أحمد طيبة بكلية التربية جامعة الأزهر:- لا يستطيع الإنسان أن يسلخ نفسه عما يجرى فى العالم، من انتهاك لحقوق الإنسان، وظلم وجور، والإسلام دين الله. أبرز شىء فى هذا الدين العظيم أنه إنسانى الطابع، وأن الإنسان فى هذا الدين مكرم أعظم تكريم، فالإنسان فى نظر الإسلام مخلوق متميز، مكرم، ميزه الله وكرمه، وفضله على كثير من خلقه .ومن مظاهر هذا التكريم استخلافه فى الأرض، وأن الله خلقه فى أحسن تقويم، وصوره فأحسن تصويره .وكان عليه الصلاة والسلام إذا سجد لله يدعو ويقول: (سجَدَ وَجْهِى لِلَّذِى خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ)، وقال تعالى:- چ ? ? ? ? ? ? چ (سورة التين)، انظر إلى عينيك، وحواسك الخمس، وأعضائك وكمال خلقك، هذا من تكريم الله لك. وأن الله جعل هذا الكون مسخرًا للإنسان من أجل أن يعرف الله من خلاله، و من أجل أن ينتفع به، فاستطاع الإنسان بتسخير الله لما فى الأرض والسماوات له أن يصل إلى أعماق الأرض، وأن يستخرج المعادن، وأن يصل إلى الفضاء، وأن ينتفع بكل ما فى الأرض، بل إن أصنافاً عديدةً من الحيوان مذللة للإنسان. وأن الطاقات الكونية كلها مهيأة له، لا يستعصى منها شىء عليه فهناك من عبدوا بعض ما فى الكون وقلبوا الحقائق، فحولوا الإنسان من سيد سخر الله له الكون إلى عبد ذليل يسجد لنجم أو لشجرةٍ، أو لبقرةٍ، أو لحجر، فأهانوا أنفسهم عندما عبدوا النعمة وتركوا المنعم .وإكرام الله للإنسان أن فتح له باب التقرب إليه . بنعم لا تعد ولا تحصى، وجعل آلاف الطرق إليه سالكةً .فقد قال تعالى-:چ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ?چ (سورة البقرة)، ليس هذا وقفاً على الطائعين، بل حتىالمذنبين والله شرع له ما يصلحه فى دنياه وأخراه. أمره بالسعى فى الأرض والمشى فى مناكبها، والأكل من طيباتها والاستمتاع بزينة الله التى أخرج لعباده، وحثه على النظافة، والتجمل، والاعتدال، ونهاه عن المسكرات، فلا يهين نفسه وذلك بالبعد عن كل ما يضره وفاءً بحق جسده، كما يقول عليه الصلاة والسلام: (وَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ لِزَوْجَتِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ لِضَيْفِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ لِصَدِيقِكَ عَلَيْكَ حَقّاً) وأن يقف المسلم عند الحلال والحرام وأن يرعى حرمة هذا الدين، وأن يطبق الإسلام فى بيته وفى تجارته، وفى معاملاته ولابد من الصلح مع الله، لابد من توبة، لابد من أن يفكر تفكيراً جديًّا كيف يلقى الله عز وجل. عندئذ يكرم الإنسان نفسه. ويقول الشيخ سامى على محمد مدير إدارة الأوقاف بأوسيم:- يقول الله تعالى:- چک ک ک گ چ هذا التكريم من نواحٍ عدة:- عيشة كريمة، وحسن خِلقة وهيئة، وهداية إلى الطريق المستقيم، (لقد كرمنا بنى آدم) فى حسن الهيئة، فقد خلق الله الإنسان على هيئة غير هيئة الحيوانات ولا المخلوقات الأخرى، ولذلك ينبغى على الإنسان كما حسَّن الله خَلقه أن يحسِّن خُلقه، وهذا مأخوذ من قوله ?:- (إِنَّ مِن أَحَبِّكُم إِلَيَّ وَأَقرَبِكُم مِنِّى مَجلِسًا يَومَ القِيامَةِ: أَحَاسِنَكُم أَخلَاقًا) فحسن الخلق من أسباب بعثة النبى ?:- (إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاقِ)، ومادام الله كرم الإنسان ودله على حسن الخلق فعليه أن يتصف بمَكَارِمِ الأَخْلاقِ حتى لا يصبح أحط من الحيوانات فالحيوانات لها مثل حواس الإنسان ولكن الله ميزه بالعقل، ليستخدم حواسه فى طاعة الله ليرتفع بها وإلا أصبح أحط من الحيوان وذلك مصداقًا لقوله تعالى:- چ پ پ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? 8 88 8 ? ? ? ?? ? ? ? چ. ومن ناحية العيشة الكريمة فليست هى الطعام والشراب واللهو لكنها وسيله لطاعة الله والعبادة وإعمار الأرض وإصلاح الناس والأرض، وإصلاح الناس بإصلاح عقولهم بإيصال المعلومة الصحيحة التامة، جلب ما يقرأ ويسمع وينمى العقول ولا يستخف بها، والمساعدة فى الوصول إلى مكارم الأخلاق والابتعاد عن الرذائل، وإصلاح الأرض يكون بإعمارها وزراعتها وعدم تلوث البيئة، فأهان الناس بعضهم بعضًا بجعل الحياة وملذاتها غاية وهدفًا، فوجدنا تكالبًا على الدنيا باحتكار الطعام ورفع أسعار السلع والتباهى بالسيارات والملابس ولم يقرأوا قوله تعالى:- چ8 8 ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? چ چ چ چ ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ڈ ڈ ژژ ڑ ڑ ک ک ک کچ (الحديد 20) وقوله -:چ? ? ? ? ?پ پ پ پ ? ? ? ? ?چ، أما من جعل الحياة الفانية غايته فيقتل ويسلب وينهب ويرتشى فى سبيل إشباع ملذاته فقد أهان نفسه، وأما من جعلها طاعة فى التعامل ورحمة لخلق الله نال الرحمة من الله والدعاء من الناس مصداقًا لقول النبى ?:- (الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا أَهْلَ الأَرْضِ يَرْحَمُكُمْ مِنْ فِى السَّمَاءِ) وقوله ?:- (مَنْ لا يَرْحَمْ لا يُرْحَمْ) فمن لا يرحم نفسه أولا بإهانتها ووضعها فى مواضع لم يخلق لها لايرحمه الله فظلموا أنفسهم وأهانوها كما يقول تعالى:- چ? ? ? ? ? ?چ (النحل 118).