أزمة سياسية حادة تعرضت لها تونس بعد أول حكومة يتم تشكيلها فى عهد الرئيس باجى السبسى والذى لم يمر على انتخابه كرئيس للدولة التونسية سوى شهر تقريبًا فما أن قدم رئيس الحكومة التونسى المكلف الحبيب الصيد تشكيلة حكومته للرئيس السبسى حتى أثارت جدلا سياسيا واسعا وغضبا صاخبا من كافة التيارات السياسية التونسية الأمر الذى أدى إلى صعوبة حصولها على الثقة من البرلمان. وبحسب الدستور التونسى الجديد يتعين على الحكومة الحصول على ثقة الأغلبية المطلقة من نواب البرلمان أى 109 من إجمالى 217 نائبا وبحسبة الأرقام فحزب نداء تونس صاحب الأكثرية له(86 مقعدا) وتملك حركة النهضة 69 مقعدا فى البرلمان والجبهة الشعبية 15 مقعدا وآفاق تونس 8 مقاعد إضافة إلى حزب المؤتمر من أجل الجمهورية (4 مقاعد) وحزب التيار الديمقراطى (مقعدان) والمبادرة الدستورية (3 مقاعد) وحزب تيار المحبة (مقعدان) والاتحاد الوطنى الحر (16 مقعدا) بالإضافة إلى جبهة الإنقاذ الوطنى التى يقودها التهامى العبدولى (مقعد واحد) وحزب صوت الفلاحين (مقعد واحد) إلى جانب 3 مقاعد لمستقلين وبالتالى على نداء تونس التحالف مع أحزاب أخرى لبلوغ الأغلبية المطلوبة. الكواليس تكشف عن وجهتى نظر فى إعلان تشكيل الحكومة بشكله الذى أثار الجدل هناك من يرجع خيار الاسراع بإعلان تركيبة الحكومة إلى فرض الباجى قائد السبسى نفسه الاستقرار والهدوء على الساحة السياسية وذلك خوفا من انفلات الأمور والعودة إلى مربع الاحتقان والتجاذبات الذى عانت منه البلاد طيلة السنوات الأربع الماضية.. فى حين هناك من يرى أن حبيب الصيد هو الذى عجل باتخاذ القرار لأنه اصطدم بنفق مغلق فى المشاورات مع الأحزاب ومن رأى أنه عقاب لهذه الأحزاب نتيجة «تعنتها» فى التفاوض مع الصيد ومحاولة فرض مواقفها على حزب الأغلبية نداء تونس. الساحة السياسية التونسية انقسمت فهناك من يرى أن هناك إقصاء الطرف الآخر وإعادة بناء الحزب الأوحد ويعيد للذاكرة عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بينما يرى المؤيدون لهذه الخطوة أن هذه الحكومة مبنية على الكفاءات الوطنية واختيارها جاء بعد مشاورات عديدة بالإضافة إلى أن حركة النهضة أبديت عدم رغبتها فى المشاركة بهذه الحكومة، الغريب فى الأمر أن حزب نداء تونس كان منقسمًا إلى فريقين متباينين فى مسألة تشكيلة الحكومة ومشاركة حركة النهضة من عدمها الفريق الأول يرى أنه ليس هناك مانع فى مشاركة النهضة ويتمسك بأن تكون الحكومة القادمة ذات أغلبية برلمانية مريحة ولا تقصى أيا من المكونات السياسية حتى تكون قادرة على حماية الوحدة الوطنية والقيام بإصلاحات كبيرة لا يمكن أن تمر فى ظل وجود النهضة فى المعارضة وهى التى تحوز على الثلث المعطل فى البرلمان فى المقابل يتمسك جزء كبير من قيادات نداء تونس بضرورة عدم إشراك النهضة فى الحكومة معتبرين ذلك فى حالة حصوله يعد بمثابة خيانة للناخبين الذين صوتوا للنداء من أجل إقصاء النهضة من الحكم ويتمسك أصحاب هذا الرأى بأن مكان النهضة الطبيعى هو المعارضة. وبرر حزب النهضة ثانى أكبر الأحزاب فى البرلمان موقفه من رفض حكومه الصيد كون تركيبتها غير منسجمة مع مبادئ حركة النهضة وأن المرحلة القادمة تستدعى حكومة وحدة وطنية بعيدا عن ثقافة الإقصاء التى لا يمكن لها أن تثمر فى تونس ما بعد الثورة، كذلك قررت «الجبهة الشعبية» اليسارية حجب الثقة عن حكومة الصيد باعتبارها تضم وزراء وشخصيات مرتبطة بالنظام السابق إضافة إلى آخرين تحوم حولهم شبهات فساد مالى وسياسى، كما اعتبر حزب «آفاق تونس» الليبرالى أن حكومة الصيد ليست حكومة إصلاح ولا تعكس نتائج الانتخابات البرلمانية. المراقبون للمشهد السياسى التونسى يرون أن فرص المناورة أمام الصيد ضئيلة فى ظل صعوبة إقناع الأطراف السياسية بمواقف أخرى غير التى أعلنت عنها وبذلك لم يبق غير قيام الصيد من جديد بتشكيل حكومة أخرى فى حال فشل المشاورات التى يقودها من جديد أو الذهاب نحو تكليف شخصية غير الصيد بتشكيل حكومة مع فرضية إجراء الصيد تعديلات مبكرة على تشكيلة الحكومة لإنقاذ الموقف وحتى تحظى بموافقة البرلمان التونسى..