حرص الرئيس عبد الفتاح السيسى فى لقائه مع قضاة مصر فى الاحتفال بعيدهم على أن يضع أمامهم سياسة الدولة المعبرة عن ثورتى 25 يناير و30 يونيو وأهم معالمها استقلال القضاء واحترام أحكامه، وتأسيس دولة القانون، والعمل بجدية لتحقيق الإصلاح القانونى. هذه المبادئ تعنى أن مصر فى الطريق الصحيح لبناء دولة حديثة تتحقق فيها العدالة والمساواة بين المواطنين دون تفرقة كما يتحقق فيها مبدأ تكافؤ الفرص ومبدأ خضوع جميع المصريين للقانون مهما كانت مواقعهم ومكانتهم ونفوذهم، ولن يكون أحد فرق القانون، وهذا المبدأ تكرر الحديث عنه قبل الثورة ولكنه كان مجرد كلام للإعلام وللاستهلاك المحلى ولإيهام الخارج، والأمر اختلف بعد الثورة، والدليل على ذلك ما نراه وما نلمسه كل يوم من تقديم كل من يخطئ إلى القضاء بلا تفرقة بين الكبار والصغار، وصدور أحكام رادعة بعقوبات رادعة على كل من تم تقديمه للمحاكمة وثبت عليه الجرم. وأمامنا شخصيات كانت مهمة وفى مواقع حساسة فى السجون الآن بعضها صدر الحكم عليه وبعضها ينتظر، وقد يكون فيهم من أفلت من العقاب ليس لقصور فى القضاء ولكن لقصور فى القانون، والقاضى لا يحكم بما يعلمه شخصيًّا ولا بما هو معروف وشائع ولكن حكمه يجب أن يكون مستندًا إلى وقائع ثابتة بالمستندات والوثائق، وبشهادة الشهود بحيث يصل القاضى إلى اليقين بإدانة المتهم وبعد ذلك فإنه لا يحكم إلا فى حدود القانون. وهكذا يقودنا احترام القانون إلى ضرورة الاصلاح التشريعى، لأن لدنيا فوضى قانونية لا مثيل لها، فمن يصدق أن بلدًا تحكمه مئات القوانين ويفترض أن يكون القاضى محيطًا بها وبشروحها ودقائقها، بل أن يكون كل مواطن على علم بها لكى يضبط أفعاله وفقًا لها ولا يقع فى دائرة المخالفة نتيجة الجهل، والجهل بالقانون لا يعفى المواطن من المسئولية والحساب والعقاب. ومن ناحية أخرى فإن شعور المواطن بأن القوانين فى بلده قوانين عادلة هو الذى يجعله يشعر بالأمان ويحقق للمجتمع الأمن أيضا. وليس بالقانون وحده ينصلح حال البلد بل ينصلح الحال بتطبيق القانون والالتزام به وعدم السماح بالخروج أو بالتحايل عليه بأى صورة ومن أى إنسان ومن أى جهة مهما كانت، لأن شعور المواطن بعدم العدالة فى القانون أو فى تطبيقه هو الذى يولد لديه الدافع للجوء إلى العنف والاعتقاد بأنه ليس أمامه إلا أن يأخذ حقه بيديه. واعتقد أن علينا أن نتوقف أمام هذه الحقيقة لكى ندرك أن القوانين غير العادلة التى صدرت فى السنوات الماضية لتحقيق مصالح أفراد أو فئات على حساب مصالح جموع المصريين كانت من أسباب الانفجار الشعبى الهائل فى 25 يناير، وليس هناك أدنى شك فى أن الظلم يولد الانفجار. ??? وكان عالم الاجتماع الكبير الراحل الدكتور أحمد خليفة رئيس مركز البحوث الاجتماعية ينبه فى كل مناسبة إلى الخطورة الشديدة للقانون فى ظل ضعف السلطة فى جميع المستويات، فقد تراجعت السلطة فى الأسرة ولم يعد الأب قائما بدوره فى تربية ومتابعة ابنائه وفى غرس القيم والأخلاق والمبادئ فى نفوسهم، أو فى إرشادهم وتصحيح مسارهم إذا ظهر منهم محاولة للانحراف ومحاسبتهم على الخطأ.. لم يعد الأب سلطة ضبط وتوجيه ومحاسبة والأم لم تعد كذلك، ولم تعد لمؤسسات الدولة الهيية بعد سنوات من الانحراف والفساد المتغلغل فيها من أعلى ومن أسفل، ولم تكن الحكومة قائمة بدورها كسلطة عادلة وحريصة على مصالح الشعب. وأمام تراجع السلطة فى جميع المواقع نبت شعور لدى الأفراد بأنهم قادرون على اختراق القانون والاستهانة به. من هنا تأتى الأهمية البالغة لما أعلنه الرئيس من إعلاء سلطة القضاء ومراجعة القوانين لكى تصبح قوانين عادلة ومناسبة للعصر ومفهومة للناس، وبذلك تعود السلطة إلى موقعها ودورها، ويعود الضبط الاجتماعى بالقانون وتستقر العلاقات بين الأفراد وبعضهم، وبينهم وبين مؤسسات الدولة على أسس واضحة وعادلة. وكان أستاذنا الدكتور أحمد خليفه يقول لنا إن العالم المتحضر يعيش الآن فى عصر القانون، وهو ليس منزهًا عن الخطأ، والقوانين الحالية معبرة عن السلطة السياسية التى أستطتها ثورة 25 يناير، وبالتالى يجب أن تسقط القوانين التى صدرت منحازة لطائفة من أصحاب المصالح وكانت نتيجتها التفرقة بين المواطنين والإخلال بمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص) كما كان أستاذنا يفرق بين «القانونية» و«الشرعية» ويقول إن القانون يكتسب صفته القانونية إذا صدر موافقا للدستور فيصبح قانونًا ولكنه لا يكتسب شرعيته إذا كان تطبيقه يؤدى إلى إخلال بتوازن المصالح بين فئات وأفراد المجتمع. ومعنى ذلك أن شعار سيادة القانون معبرًا عن واقع المجتمع ومحققا للعدل وليس مفروضا على المجتمع فوق يحظى بالاحترام ويتقبل الجميع تطبيقه.. فالقانون لا يستحق السيادة لمجرد أن اسمه قانون، إنما يكون قانونًا يحقق مصلحة عامة وليس مصلحة خاصة، ويكون القانون ضروريًّا إذا كان رادعًا للمجرين والمخربين والخطرين على أمن وسلامة المواطنين، ولا يفلت من العقاب الفاسدين ومرتكبى جرائم الاستغلال والتهريب والكسب الحرام ونهب المال العام واستغلال النفوذ وغش السلع والأدوية والأغذية.. وإذا لم يحقق القانون ذلك فإنه يخلق مجتمع الساخطين والطفيليين ومجتمع الرشوة وفساد الذمم. ??? ومن هنا ندرك أهمية موقف الدولة الجديدة بعد 25 يناير كما أعلنه الرئيس لإعادة ثقة المواطنين فى الدولة مادامت ستراجع القوانين لكى تكون لصالح الشعب وأمنه وتحقيق مصالحه وتحقيق الاستقرار والعدل. ومادامت ملتزمة - مثل الأفراد - بتنفيذ أحكام القضاء دون مراوغة، ومادامت تشرع القوانين لمصلحة المصريين دون تفرقة بينهم. وهذا ما يجعلنا نرى أن هذه السياسة هى التى ستنهى عصر القلق والتذمر والسخط الشعبى، وتؤدى إلى بناء الثقة لدى المواطنين فى أجهزة الدولة وفى بعضهم البعض. القانون هو تنظيم لحياتنا فإذا كان القانون عادلا ولصالحنا فإن حياتنا ستكون آمنة ومستقرة ومنتجة.. وهذا ما تعمل لجنة مراجعة التشريعات على تحقيقة.