فى البحث عن توصيف وشرح لمصطلح الملحد وتحديد صفاته وسماته قال د.إبراهيم عيد أستاذ الصحة النفسية بكلية الآداب جامعة عين شمس إن الملحد شخص يعانى من مشاكل اجتماعية واقتصادية.. ولديه فهم مغلوط عن صحيح الدين، مضيفًا أن هناك ظروفا جعلت من هذا الشخص ملحدًا بمعنى التفريط فى معتقده وفى المقابل هناك المتطرف فى الدين. والملحدون حجتهم ضعيفة كما يقول د.عيد ويضيف أن هؤلاء يذكروننى بالفيلسوف ديكارت الذى بدأ بالشك الإيمانى وانتهى باليقين وكذلك حجة الإسلام أبوحامد الغزالى الذى وصل إلى اليقين من خلال العلو بالنفس والتسامى.. وهؤلاء الشباب الذين يقدمون أنفسهم كملحدين سيبلغون رحلة اليقين بالإيمان. أما د. أحمد عثمان أستاذ سيكولوجية الأديان بالجامعة الأمريكية فيرى أن الإلحاد هو ضعف الإيمان بالله وردة فعل عكسية لما تقوم به الآن جماعات الإرهاب التى ترفع شعارات الدين.. مضيفًا أن الإلحاد موجود منذ بداية الإنسانية حيث كان هناك جماعة تسمى الدهرية «الملحدين» وكانوا لا يؤمنون بأى دين من الأديان السماوية ويقولون «ما نحن إلا أرحام تدفع وأرض تبلع وما يزهقنا إلا الدهر» واستمرت هذه الجماعة إلى أن جاءت الماركسية «الشيوعية» وكانوا يقولون إن «كل ما نراه نؤمن به وكل ما لا نراه لا نؤمن» ثم أنشأوا مكاتب فى كل دول العالم لنشر هذا الفكر وكان يتزعمها ماركس ثم بعد ذلك تطور هذا الفكر فى منطقة الشرق الأوسط لكن سرعان ما تختفى هذه الجماعات تمامًا سواء كانت الدهرية أو الشيوعية أو الملحدين لأن الشرق الأوسط منطقة أديان سماوية وأن الرسول محمد (y) قال: إن «الشيطان قد يئس أن يعبد فى أرض العرب ولكن لم ييأس من التحريض بينهم»، لذا فإن المشكلة الكبرى فى الشرق الأوسط ليس الإلحاد وإنما التحريض بين الطوائف والجماعات. لافتًا إلى أن هناك من ابتعد عن الديانة المسيحية فى أوروبا لأن القساوسة كانوا يفرضون المسيحية بالجبر عليهم ويأخذون أموالهم ويقتلونهم رغم أن هذا بعيد كل البعد عن الدين المسيحى ومن ثم يضطر الكثير للجوء للإلحاد. وأشار إلى أن مواجهة هذا الفكر الخاطئ الذى يخرج الإنسان من ديانته سواء مسلما أو مسيحيا أو يهوديا يكون بالعلم حيث إن 90% من تعليمات الإسلام تتجه للعلم والجمع بين الآية المستورة والآية المنظورة التى تعنى أن الكون آية الله المنظورة والقرآن آية الله المستورة والإنسان يجمع بينهما. نوع من الغباء ومن جانبه يرى الدكتور محمد رأفت أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر وعضو هيئة كبار علماء الأزهر: أن التفكير العقلى السليم يقول إن الإلحاد نوع من الغباء لأنه لا يتصور عقلا أن هذا الكون العظيم المنظم فى غاية الدقة قد أوجد نفسه، فالحياة أمامنا تبين أن كل موجود لابد وأن يكون هناك موجد له، فالمهارات التى نراها والدروع التى نشاهدها والطرق الممهدة والسيارات والقطارات والبواخر والطائرات هل أوجدت نفسها أم أن هناك صانعًا لها أوجدها وهذبها ونظمها، وبالتالى فإن الشخص ينظر بعقل سليم بأن الكون وما به من إبداعات لابد أن يهديه عقله إلى أن وراء هذا الكون خالقًا هو الذى أبدعه. من أوجدهم؟! ويتساءل د. رأفت: إذا كان هؤلاء الملحدون لا يؤمنون بالقرآن الكريم وبالرسول محمد (y) فنحن نسألهم من أوجدهم؟ ومن أوجد الكون الذى يعيشون فيه؟! حيث لم يدع أحد إطلاقا على مر الزمان أنه هو الذى خلق السماوات والأرض إلا الله عز وجل والله سبحانه وتعالى يخبرنا فى كتابه بأشياء تطابقت تماما مع العلم فى تقدم البشرية وعندما يتناول القرآن ظاهرة كونية نجد التطابق بين الواقع وقبل أن يكتشف أحد أن الأرض كروية فإن الله عز وجل يقول «يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل».. وبالتالى لا يتصور عقلا أن الليل والنهار مكوران إلا إذا كانت الأرض نفسها مكورة والله عز وجل يقول أيضًا: «وجعلنا من الماء كل شىء حى»، فهذا التصور البسيط يظن أن الحياة التى وجدت من الماء على سبيل المثال حياة الإنسان أو النبات أو الحيوان لم نجدها لكن العلم يبين أن الخلية وهى أصغر كائن حى تحتوى على 90% من الماء وبها كل المواد اللازمة للحياة هذه الخلية التى لا ترى بالعين المجردة هى أصل الحياة. وأضاف أن طبيعة المصريين منذ القدم تؤمن بوجود خالق للكون، فالذين يتوهمون أن الإلحاد يمكن أن يوجد فى مصر مخطئون. د. سامية الساعاتى أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس تطرح رؤيتها أن وسائل نشر الإلحاد متنوعة فهناك أناس مغرر بهم فيما يخص حياتهم الدينية.. ونقدم لذلك مثالا من كتاب العالم الراحل د. مصطفى محمود فى كتابه (رحلتى من الشك إلى اليقين) حيث إن الكاتب أراد أن يعرف الكثير عن الله سبحانه وتعالى عن علم ويقين من خلال البحث من خلال إدراك كل شىء بالعلم.. واتضح له أن الإسلام دين جميل وشامل يصلح لكل العصور وأنه دين يسر لا عسر.. واستوعب قول الرسول محمد (y): (أن الدين متين فأوغل فيه برفق).. وكذلك (الدين المعاملة).. وأكد على أن أسلوب الحياة التى يتبعها البعض بالتشدد فى الدين فإنه يضر الدين.. والحياة الدنيوية ينظمها الدين وأمر الله العباد بالاستمتاع بها وأن الدنيا هى مزرعة للآخرة.. وعلى الناس جميعًا - مسلمين ومسيحيين - الرجوع إلى الله واتباع تعاليمه والعودة إلى الأخلاق الحميدة المتجذرة فى مجتمعنا المصرى.. وأخيرًا يجب مراجعة كافة المناهج الدراسية لجعلها تناسب العصر والتطورات السريعة التى أحدثت قضايا لم تكن موجودة. ليست ظاهرة ومن جهتها أشارت سوسن فايد أستاذ علم الاجتماع السياسى إلى أنه من الصعب أن نطلق على الإلحاد ظاهرة، فالأمر لا يمثل 1% من المجتمع وإن كان أقل من ذلك بكثير ولكن الأمر تكمن خطورته فى تمسك الملحدين بأفكارهم وعدم رغبتهم فى النقاش أو الحوار وإنما إقتناعهم أن أفكارهم هى الصحيحة وما عداها خطأ. وتابعت الأمر لا يقتصر على الإلحاد فقط وإنما هناك الكثير من الأفكار الغريبة والمستوردة التى تظهر وتختفى ما دامت غير صحيحة، فبالعودة إلى التسعينيات وظهور فكرة البهائية وانتشارها وتسليط الإعلام الضوء عليها هل هى استمرت أو اجتاحت البلد أو ألغت أى ديانة موجودة؟. ووصفت فايد الملحدين على أنهم ضحايا للمجتمع ولضعف المؤسسات الدينية وإلى مجموعة من العادات والتقاليد التى تسمح بمرور تلك الأفكار مثل عدم التفكر والتدبر فى الدين، كما أمرنا الله وإنما تشديد شيوخنا على ضرورة قبول الأمور كما هى دون تأمل وبالتالى فعندما يبدأ الشاب التفكر ويصل إلى أسئلة لا يصل فيها إلى إجابة يبدأ فى الإلحاد وهنا لابد من التأكيد على تفعيل دور المؤسسات الدينية فى هذا الأمر وفى أئمة المساجد وعلى قدرتهم على محاورة الشباب والإجابة عن أسئلتهم بالمنطق. نقص المعلومات الدينية ومن جانبه أشار محمد المسلمانى متخصص فى أصول التربية إلى أنه من الطبيعى أن تظهر تلك الأفكار خاصة مع ضعف العامل الدينى فى حياتنا اليومية. فالأمر يبدأ بعدم الاهتمام بمادة الدين الدراسية، وبالتالى يشعر الطفل من بداية نشأته أن مادة الدين غير مهمة وبالتالى فنحن نفعل ذلك بأنفسنا، هذا بالإضافة إلى قلة المترددين على المساجد كما كانوا من قبل فى القرى فكان الطفل يدخل إلى المرحلة الابتدائية وهو يحفظ القرآن بأكمله من «كتاب القرية» والذى اختفى الآن. وأضاف هذا بالإضافة إلى قلة المعلومات الدينية الصحيحة التى يعلمها الأب والأم فعندما يسأل الطفل أباه أين الله؟ فالأب لا يستطيع الإجابة ومع وجود الإنترنت الذى أصبح متاحًا للجميع يبدأ الطفل أو الشاب اللجوء إليه وقد يتعرض لبعض المواقع التى تقنعه بعدم وجود الله وبالتالى يبدأ فى الاقتناع رويدًا رويدًا بما يقرؤه ثم يبدأ التواصل معهم وهكذا حتى يندمج معهم ويصبح مثلهم ثم يسأل الأب والأم كيف يخرج ملحد من بيتنا؟ هذا نتيجة ضعف معلوماتهم وعدم وجود رقابة على أبنائنا وخلو مكتبتنا من الكتب الدينية الموثوق فى معلوماتها والتى قد يلجأ إليها أبناؤنا بدلا من الإنترنت. البُعد عن القيم وفى الجانب الاجتماعى وضّحت د. عزة كريم أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية بأن الإلحاد لا يمكن أن يكون له مكان فى أى مجتمع إسلامى أو عربى ولكن كل مجتمع توجد لديه حالات قليلة وعندما نسلط عليها الضوء تزداد وهذا ما حدث من الإعلام المرئى بالأخص فى الفترة الحالية وعندما يحدث ذلك فلا يأتى بطريق الصدفة ولكن يكون وراءه تحقيق أهداف ومن هذه الأهداف ضرب الجانب الدينى الذى يبنى عليه مجتمعنا وإثارة قضية تشغل الرأى العام بها لأن الإلحاد موجود منذ فترة زمنية بعيدة إذا أثارتها فى هذا الوقت يمثل علامات استفهام كثيرة. فالحل الوحيد لحل هذه الظاهرة هو تجاهلها وعدم نشر فكر هؤلاء الأشخاص لأنهم يريدون ذلك وهو دور سلبى تلعبه وسائل الإعلام فى المجتمع الذى يتواجد به كثير من الشباب أفكاره سهلة الاختراق ويريد أن يفعل ما يريد بدون محظورات أو قيود والبُعد عن افعل كذا ولا تفعل كذا والبُعد عن القيم المجتمعية والدينية مثل الاتجاه إلى تعاطى المخدرات تمامًا فيجب أن نحارب هذه الظاهرة فى الإعلام بتوضيح خطورتها على المجتمع وعدم استضافة هؤلاء الشباب. أين علماء الدين؟ يقول د. يسرى عبد الحميد رسلان أستاذ علم الاجتماع إن عالم الاجتماع الفرنسى إيميل دوركايم أرجع فكرة الإلحاد إلى ما أسماه الاغتراب الاجتماعى.. وهى مرحلة يتم فيها غياب المعايير أو اللامعياريه فى المجتمع، وبمعنى آخر إن كل شىء مباح فلا يوجد ضوابط أو قانون يردع بالإضافة إلى انخفاض الوازع الدينى فلا أحد منهم يفكر فى الثواب والعقاب والآخرة حتى أصبح الأمر عند بعض الناس مجرد تجربة لدرجة أن بعض الأشخاص يفكر فى تجربة الانتحار. ويواصل د. يسرى عبد الحميد رسلان أنه لابد من العودة إلى صحيح الدين بقيام علماء الدين بدورهم المنوط بهم فى توعية الشباب.. وبالنسبة للإعلام فعليه أن يعى خطورة المرحلة التى يمر بها المجتمع فلا يسلط الضوء على حالات فردية وأبرزها فى غير حجمها لأن ذلك ربما يؤدى إلى انتشارها.